اقتصاد، مجتمع

هل يلجأ المغرب لاستيراد زيت الزيتون في ظل ضعف الإنتاج المحلي وارتفاع الأسعار؟

معاصر زيت الزيتون

يشهد قطاع الزيتون بالمغرب “أزمة حادة”، تتجلى في تراجع ملحوظ في الإنتاج وارتفاع جنوني في الأسعار، فقد عرف سعر لتر زيت الزيتون ارتفاعاً كبيراً، ليصل إلى مستويات قياسية تتراوح بين 110 و130 درهماً، مما أثار استياء واسعاً في صفوف المستهلكين، خاصة الطبقات الفقيرة التي تعتبر زيت الزيتون عنصراً أساسياً في مائدتها اليومية.

إن تراجع إنتاج زيت الزيتون وارتفاع أسعاره، حسب مراقبين، يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني والأمن الغذائي للمواطنين، فبالإضافة إلى التحديات التي يواجهها المستهلكون، يعاني المنتجون من تراجع الدخل وتدهور القطاع الزراعي.

هذا الوضع الدقيق يطرح تساؤلات جدية حول أسباب هذا التراجع الحاد في الإنتاج وارتفاع الأسعار، وكيفية مواجهة هذه الأزمة التي تهدد الأمن الغذائي للمواطنين، خاصة مع طرح سيناريو اللجوء إلى الاستيراد كحل محتمل.

وضع يسائل الوزارة

وفي ظل ارتفاع القلق بين المستهلكين حول الزيادات المتوقعة في أسعار زيت الزيتون هذا الموسم، وجهت النائبة البرلمانية فدوى محسن الحياني سؤالًا كتابيًا إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، تطالب فيه الحكومة بتوضيح موقفها مما يتم ترويجه بخصوص السعر المحتمل لزيت الزيتون في الأسواق.

وبحسب النائبة، فإن سؤالها يأتي في وقت حساس مع بداية موسم جني الزيتون في عدة مناطق من المملكة، حيث تأثرت المحاصيل سلبًا بسبب شح المياه والتغيرات المناخية، مشيرة إلى أن ضعف الإنتاج من المتوقع أن يؤثر على العرض المتاح من الزيتون وزيت الزيتون، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

وأعربت النائبة عن قلقها مما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن احتمال وصول سعر زيت الزيتون إلى 150 درهمًا للتر الواحد، معتبرة أن هذه المعلومات قد تكون “محاولة من قبل بعض السماسرة والوسطاء لترسيخ هذا السعر في أذهان المستهلكين”، مضيفة أن هذا الترويج قد يؤدي إلى احتكار المنتوج أو بيعه بأسعار مجحفة.

وفي السياق ذاته، طالبت النائبة الحكومة بتحديد العرض المتوقع من زيت الزيتون لهذا الموسم، إلى جانب الكشف عن السعر “المنطقي” الذي ينبغي أن يباع به الزيتون وزيته، مؤكدة ضرورة تحرك الحكومة بشكل عاجل من أجل تفادي المضاربة والاحتكار الذي قد يضر بالقدرة الشرائية للمواطنين.

توقعات سلبية

في هذا السياق، أشار زاز عبد العالي، العضو بمكتب الفيدرالية البيمهنية المغربية للزيتون، إلى أن الوضع الحالي يشير إلى أن الإنتاج سيكون أقل من المعتاد، مما سيؤثر بشكل مباشر على توافر الزيت في الأسواق.

وأكد المتحدث أن “الزيت المتوفرة حاليا هي فقط من إنتاج الموسم الماضي، في حين أن المخزون لهذا الموسم سيكون محدودا، مما يرفع من احتمالية زيادة الأسعار”.

وتطرق زاز إلى أسعار زيت الزيتون في بعض الدول الأخرى مثل إسبانيا وتونس، مشيرا إلى أن “سعر اللتر في إسبانيا لا يتجاوز 8 يورو، بينما في تونس يقل عن 7 يورو”، ما يعكس الضغط الذي سيواجهه المستهلك المغربي، خاصة الفئات ذات الدخل المحدود، معتبرا أن “زيت الزيتون لم تعد في متناول الطبقات الفقيرة، وهو ما يزيد من التحديات التي تواجهها هذه الشريحة من المجتمع”.

الإستيراد ليس حلا

على الرغم من أن الاستيراد يبدو كحل سريع لمواجهة نقص الإنتاج وارتفاع الأسعار، يرى الهني أن هذا الخيار ليس الأمثل، موضحا أن اللجوء إلى الاستيراد قد يضعنا في دوامة دائمة من الاعتماد على الخارج، كما حدث في عدة قطاعات أخرى، مضيفا أن الحلول المستدامة تكمن في تعزيز الإنتاج المحلي، وليس الانغماس في سياسات استيراد قد تؤثر سلبا على السوق المحلية والفلاحين.

وأشار زاز إلى أن المغرب لطالما كان يُعرف بكونه بلدا منتجا لزيت الزيتون، وأن الاعتماد على الاستيراد يتناقض مع الرؤية الاستراتيجية التي وضعها المخطط الأخضر، الهادف إلى زيادة إنتاج زيت الزيتون وتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه المادة الحيوية.

من جانبه، سلط محمد صابر، أحد التجار المحليين، الضوء على الواقع الصعب الذي يواجه قطاع زيت الزيتون في العديد من المناطق بالمغرب، مؤكدا أن وأكد أن موسم زيت الزيتون لم يبدأ بعد في معظم المناطق، باستثناء بعض المناطق التي شهدت عواصف ورياح قوية، مما أدى إلى تساقط الزيتون قبل موعده.

ووفقًا لصابر، فإن تكلفة زيت الزيتون من المصدر تبلغ حاليا حوالي 110 دراهم للتر الواحد، ما يعني أن السعر بالنسبة للمستهلك النهائي قد يتراوح بين 120 و130 درهمًا، إلا أن هذه الأسعار تمثل عبئًا إضافيًا على المستهلكين في ظل قلة الإنتاج المتاح.

كلفة مرتفعة

وأوضح المتحدث أن الإنتاج قليل، خاصة في مناطق مثل قلعة السراغنة وبني ملال، التي تُعد من أبرز المناطق المنتجة لزيت الزيتون في المغرب، مرجعا هذا الانخفاض في الإنتاج إلى العوامل الجوية الصعبة التي ضربت هذه المناطق في وقت مبكر من الموسم، مشيرا إلى أن الزيت ذو الجودة العالية يتراوح سعره حاليًا بين 110 و130 درهمًا.

علاوة على ذلك، شهدت تكلفة عصر الزيتون ارتفاعًا ملحوظًا حيث تتراوح حاليًا بين 15 و18 درهما للكيلوغرام الواحد، ويتوقع التجار أن ترتفع هذه الأسعار مع استمرار تزايد الطلب مقابل العرض المحدود، ويقول صابر في هذا السياق: “الطلب يفوق العرض، والإنتاج الحالي بالكاد يلبي احتياجات السوق المحلية”.

تأثر الفلاحين والتجار

وفي هذا الوضع الصعب يظل الاستيراد من الحلول المطروحة من أجل تلبية حاجيات السوق الوطني، إلا أن المهني يرى أن هذا الحل سيؤثر بشكل مباشر على الفلاحين والمنتجين المحليين، حيث أن الأسعار ستنخفض بسبب الاستيراد، مما يضعف القطاع الفلاحي والتجاري في المغرب.

إلى جانب تحديات الإنتاج والتسويق، أشار صابر إلى أن اليد العاملة أصبحت قليلة ومرتفعة التكلفة، وهو ما يضيف عبئًا إضافيًا على كاهل الفلاحين. “تكاليف الإنتاج باتت مرتفعة بشكل لا يحتمل، وأصبح من الصعب تحملها بالنسبة للفلاح الصغير”، يقول صابر.

وأكد المتحدث أن التجار الصغار مثلهم مثل الفلاحين يواجهون تحديات كبيرة، مضيفا أنهم مازالوا يتعاملون بزيت الموسم الماضي، حيث تبلغ تكلفة الشراء حوالي 90 درهما دون احتساب تكاليف التعبئة، مما يجعل سعر البيع يصل إلى 100 درهم للتر.

ورغم هذه الظروف الصعبة، أوضح صابر أن التجار الصغار لا يمكنهم اللجوء إلى الاستيراد بسبب القيود المالية واللوجستية، مما يضعهم في منافسة غير عادلة مع التجار الكبار الذين يمتلكون القدرة على استيراد كميات كبيرة من الخارج بأسعار أقل، وأكد أن اللجوء إلى الاستيراد من قبل التجار الكبار سينعكس سلبًا على نظرائهم الصغار.

وأشار صابر، إلى أن هامش الربح بالنسبة للتجار تراجع بشكل كبير، حيث كان التاجر في الماضي يربح 15 درهمًا في اللتر الواحد عندما كان سعر البيع 55 درهمًا، أما اليوم، فإن الربح انخفض إلى 8 دراهم فقط للتر الواحد، رغم أن سعر البيع بلغ 100 درهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *