وجهة نظر

تربية أبناء الجالية المسلمة الواقع والتحديات

يشكل عدد أبناء الجالية المسلمة بالعم سام جيلا كاملا، هذا إن نظرنا إلى نسبة المسلمين التي تتزايد باستمرار كبير، من حيث عدد المهاجرين العرب والمسلمين، ومن حيث عدد المعتنقين للإسلام، فأمام هذا الوضع تكون الجالية المسلمة بين خيارين في تربية أبنائها: بين الهدي النبوي وثقافة العم سام من ميوعة وانحلال واستلاب ثقافي، فتناول هذا الموضوع يفرض علي تقريب صورة الوضع الأمريكي لكم معشر القرّاء الأعزاء.

١- من وحي الواقع وليس من وحي الخيال:

تربية الأبناء في بلاد العم سام واحتمال فسادهم بسبب ما يعرض في هذا المجتمع هاجس يقلق العديد من المهاجرين، لا سيما الذين يحرصون على ثقافتهم وتربية أولادهم تربية إسلامية، ولعل الدين والتقاليد المحافظة من أكبر مصادر القلق عند الآباء، ولو حاولنا أن نتفهم هذه المخاوف فقد نلخصها في الخوف من ابتعاد الأبناء عن دينهم وانخراطهم في علاقات جنسية خارج إطار الزواج، ومن الناحية الواقعية يصعب على رب الأسرة أن يراقب أفراد أسرته بشكل مستمر وبالشكل المطلوب، لأن طبيعة الرأسمالية المتوحشة تفرض على الإنسان أن يضاعف من مجهوده من أجل الحصول على المال الكافي لتسديد الفاتورات الكثيرة، فهذا أحد المهاجرين المصريين يشتغل سبعة أيام بدون توقف، ليس لديه وقت خاص لأسرته، ذات يوم تفاجئه ابنته الصغيرة بتقديمها إياه مبلغ مئة دولار مقابل جلوسه معهم يوما واحدا، وهذا مهاجر آخر من أصول يمنية يحكي أنه يحرص على أن يربي أبنائه تربية إسلامية، فما إن يكبر أولاده إلا ويتبخر حلمه، فيتحول أولاده إلى متمردين على كل المبادئ الإسلامية التي يعطيها لهم، فلا أحد يصوم شهر الصيام، ولا من يصلي الصلوات الخمس، ويحكي أحد الباكستانيين أنه يعاني أشد المعاناة مع ابنته فكلما أراد أن يمنعها من حريتها الشخصية إلا وتهدده بالاتصال بالشرطة، وفي الأخير استسلم للأمر الواقع وتركها على حالها. فأمام هذا الوضع المحزن يفقد الأب المسؤول عن أفراد أسرته زمام الأمور.

حكاية أخرى أقدمها لك أخي القارئ عن واقع أبناء الجالية المسلمة بالعم سام، نظرا لارتفاع مصاريف العيش بهذه البلاد، اضطر المهاجر (س) أن يشتغل الساعات الطوال من أجل تسديد الفاتورات المرتفعة ومتطلبات الأبناء التي لا تنتهي، ذات يوم يستيقظ الأب المسكين على وقع كارثة عظيمة حيث اكتشف حمل ابنته الصغيرة (١٣) سنة نتيجة علاقة شرعية مع أحد أصدقائها من أصول مكسيكية.

إن هذه المصائب وغيرها تجعل من الجالية المسلمة تدق ناقوس الخطر لأن الخطب جلل يهدد أجيالا متتابعة، فقديما كان كل من هاجر لبلاد الغرب يضع نصب عينيه أهدافا يسعى إلى تحقيقها، إما من أجل الدراسة والاستفادة علميا من البلاد التي هاجر إليها، أو من أجل العمل بشكل جاد قصد الحصول على المال واستثماره في الوطن والدفع بعجلة الاقتصاد الوطني إلى الأمام، لكن اليوم تغير الوضع مع الأجيال التي ترعرعت بالغرب، فباسم الحرية غابت الهوية، وباسم الديمقراطية حلّت التبعية والعبودية.

٢- ملاحظات حول نمط الحياة بالمجتمع الأمريكي:

يتميز نمط الحياة بالمجتمع الأمريكي بالسرعة، فهو لا يعطيك فرصة للتأمل، وبالتالي فهو لا يساعد المربي على تلقين أطفاله المعلومة الصحيحة بطرق تدريجية حتى يتمتع الطفل بهوية إسلامية سليمة، ماذا تنتظر من رب أسرة همه العمل والمشاريع بهذه البلاد؟؟
كما هو معلوم عند علماء التربية، الإعلام من الوسائل التربوية التي يمكن أن تتخذ شكلا سلبياً في تهديم القيم ومحو الهوية الثقافية والحضارية، أو يمكن أن يستغل في بناء الشخصية وإحياء القيم الإيجابية، وهناك نقطة مهمة لابد من الإشارة إليها لأنها تعد من أهم ما تعاني منه الأمة اليوم، ويتعلق الأمر بدور الإعلام الغربي في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، و هذا يؤثر سلبا على أبناء الجالية المسلمة، فبعض أبناء المسلمين يتحرج من ذكر إسمه حتى لا يعرف الآخر أنه مسلم فمثلا (محمد) يكتفي باختصار هذا الاسلام( مو) و اسم خديجة ب(كاتي).

وَمِمَّا يجب أن يعرفه القارئ أن المجتمع الأمريكي يربي الإنسان على الاستقلالية الذاتية في بناء الذات واتخاذ القرار داخل المجتمع، هذا الفعل يفهم على أنه أمر إيجابي في التكوين الذاتي، لكنه يتخذ أبعادا سلبية في عملية التربية، خاصة عند أبناء الجالية المسلمة المتعطشة للحرية بدون قيود، فتكون الفرصة عند البعض للتخلص من قيود الشرع فيتطاولون على النصوص ويضربونها عرض الحائط، ولأن مشكلة الأسرة في دول العالم الثالث تكمن في غياب ثقافة الحوار و تشجيع ثقافة المسؤولية، واستثمار حدود الحرية، فيكون الأمر عندهم فرصة ذهبية للذوبان في الثقافة الغربية، وَمِمَّا يزكي هذا الفكرة ظهور بعض التصرفات (التقليد الأعمى) التي يقوم بها بعض المسلمين في ديار الغربة، وعند العودة إلى الوطن يحاول المهاجر الإلتزام بتراث بلاده وثقافته، هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على الإزدواجية في الفكر والانفصام في الشخصية، كما أن بعض المهاجرين يعيشون حالة الاستحمار كما يسمي ذلك على شريعتي رحمه الله في كتابة (النباهة والاستحمار).

٣- أي دور للمراكز الإسلامية في العملية التربوية؟؟:

تلعب المراكز الإسلامية دوراً مهما في العملية التربوية، فمن أهم الأنشطة الإشعاعية التي يقوم بها المشرفون على المراكز أو المساجد بالعم سام مايلي:

– أداء الصلوات الخمس وخطبة الجمعة .
– تنظيم دورات علمية وحلقات الذكر.
– استضافة العلماء والدعاة والمفكرين خاصة في شهر رمضان.
– تحفيظ القرآن لأبناء المسلمين وتدريسهم قواعد اللغة العربية وذلك بالالتزام ببرامج تعليمية معينة، وبحث مشكلاتهم وتوجيه أولياء أمورهم لتربيتهم وفق التعاليم الإسلامية، ومع ذلك تبقى المعاناة كبيرة في الجانب التربوي لدى أبناء الجالية المسلمة بالعم سام.
– تأطير أبناء الجالية في مخيمات داخلية، من أجل تربيتهم على روح المسؤولية.
– كما تلعب المراكز الإسلامية دوراً اجتماعياً، فهي مقر لمن يبحث عن العمل وعن السكن من الوافدين الجدد، كما تعتبر أيضا مقرات لمن يريد الارتباط قصد الزواج.
– وفي المراكز تقام الأفراح والأحزان، حيث يسهل تحقيق تواصل اجتماعي مهم بين أفراد الجالية.

ورغم هذه الأدوار الإيجابية، فإنه يسجل بعض الملاحظات السلبية التي تعرقل روح العمل الجماعي بالمراكز الإسلامية، وهذا له تأثير على الوعي الجمعي المؤسس لحركة تنهض بالجالية تربويا، وعلميا، واقتصاديا، واجتماعيا، ومن أهم هذه المشاكل السلبية التي تعاني منها المراكز الإسلامية: العصبية القطرية أو الحزبية الضيقة، فنجد بعض المراكز حكرا على بعض الأفراد فقط، إدارة و تأطيراً وحتى في الرواد تجدهم ينتمون إلى نفس القطر، في حين أن المراكز بالعم سام يجب أن تتجاوز الحدود الجغرافية والانتماءات القطرية، لأن ما يجمع الجالية المسلمة أكبر من ذلك، فوحدة المشروع ووحدة المرجع تجعل من الجالية المسلمة يداً واحدة من أجل خدمة رسالة الإسلام.

همسة في أذن المربين بالعم سام:

ما يجب عليك تفهمه وتقبله أخي المغترب هو أن هجرتك وتنشئة أبنائك في المجتمع الأمريكي لا يمكن أن تجعل منهم عرباً مائة في المائة وكأنهم يعيشون في الوطن الأم. فإنهم يعيشون حالة انقسام نصفهم عربي والنصف الآخر أمريكي، فلابد من تقبل هذه الحقيقة والتعامل معها، فأي إنسان هو ابن مجتمعه الصغير (الأسرة) ومجتمعه الكبير (الدولة التي يعيش فيها). لو أردت أن ينشأ أبناؤك عرباً مسلمين مائة بالمائة فلا تختار خيار الهجرة ولبي نداء الوطن، فلا مفر من أن تنفتح أنت شخصياً على مجتمعك الجديد دون الانصهار في ثقافته بشكل سلبي، فتواجدك وأبناؤك بالمجتمع الأمريكي يفرض عليك أن تستغل الفرصة لتوفير مناخ ممتاز لتنمية أسرتك ثقافياً وعلمياً ولتنمية شخصية أبنائك وقدراتهم المعرفية، بقصد تقديم رسالة إيجابية حول الإسلام، ولابد من الحرص على ثقافتهم الأم والقيم التي تريد لهم الاحتفاظ بها.