التطبيع مع التفاهة

من المُلاحظ في السنوات الأخيرة خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها بروز وبشدة دعاة قيم التفاهة، والتي يمكن تعريفها بشكل مبسط على أنها : السطحية في التفكير والتصرف، والافتقار الى العمق والجدية وتكون غير مهمة أو مفيدة، والتي يمكن معاينتها بوضوح في جل ما تراه عيناك على الصفحات من خلال ما ينشر من مقاطع فيديو او صور ومنشورات … الخ ، والتي لا قيمة لها، بل الأدهى والأمر ، ما تقرأه من تعليقات عليها مؤيدة او مبررة لها بدعوى الانفتاح والحرية ، خاصة اننا نعيش في قرية صغيرة ، وهنا يطرح السؤال : هل هذا أمر طبيعي أو هو انعكاس لواقع نعيشه في ظل التطور المطرد ؟ ام هناك ما هو أعمق من ذلك ؟، وبعبارة أخرى هل هناك من يؤسس لثقافة التفاهة بعينها ؟، والغريبة عن مجتمعاتنا المبنية أساساً على الأخلاق الرصينة، لتحل محلها قيم التفاهة والتي تسير بخطى متسارعة لتصبح بضاعة مرغوب فيها من شأنها أن تسبب لمجتمعاتنا انهيار أخلاقي فظيع .
إذاَ الأمر أخطر بكثير مما يتصوره ويعتقده بعضهم، باعتباره حالة منفصلة عابرة وغير معبرة عن الواقع المعيش ، لكنني أعتقد جازما أن الأمر مخطط له ولست هنا بصدد الخوض في تفاصيل فيمن وراءه، لأنه نفسه من يهدف الى فرض نظام عالمي جديد بمعايير محددة لا مكان للأخلاق فيها، فالتطبيع مع التفاهة والتافهين وحمايتهم أمر نلمسه بوضوح ولا يمكن اعتباره فقط حالات منفصلة او تعبير عن حالة نفسية غير متزنة، بل الأمر أكبر من هذا وذاك ، فهو محاولات حثيثة لتثبيت وترسيخ مفهوم جديد وسلوكات محددة بالتأثير على العقول والأفهام وبث أفكار ومصطلحات كانت غير بعيدة من المؤاخذات والمعايب ، ولكن لكثرة تداولها ومتداوليها أصبحت من الأمور التي لا يمكن الوقوف عليها كثيرا باستغراب ، بل هناك من طبَّع معها وأدخلها قاموسه الخاص ليعكس واقع ووضع معين لا يمكن تجاهله .
لذا وجب الوقوف طويلا وبتمعن على هذا المفهوم الجديد الذي ينذر بكارثة عظيمة ، وتصدع بين جيل وجيل قد يصعب معه الإصلاح .
هنا الدعوة صريحة لكل من يهمه الأمر لفتح نقاش على وجه السرعة ووضع حلول كلٌ من موقعه ، بدأً بالأسرة والتعليم والإعلام … الخ ، مع اِشراك النشء لأنه العنصر الأساس في المعادلة قبل الوقوع فيما لا يحمد عقباه .
اترك تعليقاً