وجهة نظر

أعطاب الحكومة

إن دفتر التحملات الذي يعتمده المتتبعون في تقويم وتقييم عمل الحكومة هو البرنامج الحكومي، الذي يتقدم به رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان، والذي يتضمن الخطوط الرئيسية للعمل الذي تعتزم تطبيقه. بذلك تنصب الحكومة بناء على ثقة مجلس النواب. اعتماد على الفصل 88من دستور 2011.

من خلال التحاليل والتقارير الصادرة عن هيئات دستورية، إضافة إلى الواقع المعيش فإن الوضعية بصفة عامة متأزمة جدا، والعلة في ذلك هو طغيان استغلال النفوذ في الغالب، وتنازع المصالح بدون حياء.

لقد صرح السيد نزار بركة في الدورة الأخيرة للمجلس الوطني لحزب الاستقلال- الأغلبية الحكومية- ماي 2025. بأننا لم نتمكن بعد من تحقيق هدف خلق مليون منصب شغل كما كان مقررا في البرنامج الحكومي.

نتساءل مع الحكومة على الالتزامات الواردة في البرنامج الحكومي كما وردت عن مجموعة من المتتبعين نحو: نسبة النمو، وضعية النشاط النسائي، تعميم الحماية الاجتماعية وطرق تنزيلها، الأسر المغربية وخريطة الفقر، الطبقة المتوسطة، الفوارق المجالية، منظومة التربية والتكوين، استدامة المالية العمومية، الديون، غموض المستقبل، موضوع التقاعد وغيرها.

إن كل ما ذكر وقعت فيه أعطاب كثيرة، رغم ذلك فالحكومة تدافع عن هذه الحصيلة بكل جرأة وبدون خجل. أين نسبة النمو 4.6؟ هل تم إحداث مليون منصب شغل؟ كيف تفسر الحكومة تراجع النشاط النسائي؟ أكد المركز المغربي للمقاولات الصغيرة والمتوسطة أن حوالي 15 في المئة من الشركات بالمغرب تديرها نساء منذ عام 2020. كما أكدت الدراسات أن 14.6 من هذه الشركات يمكنها الوصول إلى الائتمان البنكي، وهو ما يمثل 11.3 من إجمالي الائتمان الممنوح في السوق. (الصحيفة مارس 2025). أي سياسة عمومية للحماية الاجتماعية؟ لقد تحدثت دراسات متعددة حول هذا الورش الملكي في ظل العمل الحكومي عن إكراهات وتحديات مالية ورهان الاستدامة وتعثرات في التنزيل وغياب الفاعلية، والعجز الحكومي، وإشكالية الحكامة والتمويل. هل تحققت عدالة اجتماعية أكثر نجاعة؟ كما أكدت على ذلك أغلبية المؤسسات الدستورية. هل ارتقت الحماية الاجتماعية من مجرد مشروع حكومي إلى حق أساسي من حقوق الإنسان بلغة المجلس الوطني لحقوق الإنسان؟ إذا كانت كلفة الحماية الاجتماعية حسب بعض التقارير تقدر ب 51 مليار درهم سنويا، فقد ثبت من خلال تقرير المجلس للحسابات عن وجود خلل كبير في آلية تحصيل الاشتراكات.

كيف نقوم مقومات الحماية الاجتماعية من التأمين الصحي والإجباري، والتقاعد والتعويض عن فقدان الشغل، والدعم المباشر للأسر الفقيرة؟ جوابا على هذه الأسئلة طبعا لن يتحقق موعد 2025 كموعد نهائي لتفعيل ما ذكر لأن أغلبية من المؤسسات الدستورية وغيرها تؤكد على تراجع كبير في المؤشرات الاجتماعية. لماذا عجزت الحكومة على توفير مليون منصب شغل؟ لقد اعترفت الحكومة بعجزها من خلال تصريح السيد نزار بركة. قد أوضحت المندوبية السامية للتخطيط هذه الإشكالية. إن العجز اليوم حسب بعض الاجتهادات تجاوز 100ألف منصب، وهذا تقدير متواضع. فهل هناك عمل جدي لتقليص نسبة العطالة من 13.7 في المئة إلى 9 في المئة سنة 2030 كما سطر في خريطة الطريق الحكومية؟ يبدو لي أن الإشكالية تسائل البرامج الحكومية.

لقد كشف مرصد العمل الحكومي من خلال (تيل كيل عربي. 2024) أن أبرز التحديات غول الفساد، وملفا الطاقة والماء والتشغيل والاحتقان الاجتماعي. حسب نفس المرجع فكلفة الفساد بلغت ما يزيد عن 50 مليار درهم سنويا. بذلك صنف المغرب في مؤشر الفساد في الرتبة 97 بدل 73 عالميا. والسر في ذلك أن الحكومة لم تنخرط في تفعيل استراتيجية محاربة الفساد التي وضعت منذ 2023 حسب تقرير الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. اعتماد على المرجع السابق فالحكومة تواجه احتقانا اجتماعيا في مختلف القطاعات، لذلك ركزت الطلبات الاجتماعية على الزيادة في الأجور، وتحسين مستوى الدخل، والحفاظ على القدرة الشرائية. لقد فشلت الحكومة في الحفاظ على المستوى التي كانت عليه الطبقة المتوسطة، وصدق من قال بأن الفئات المحظوظة ازدادت غنى والطبقة المتوسطة تحولت إلى ضعيفة والفقيرة إلى هشة. والمؤشر أن الحكومة وعدت بطبقة فلاحية متوسطة لكن أثناء الدعم كما أكد على ذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى دعم الفلاحين الكبار ب 100 مليار درهم، في حين بلغ دعم الفلاحة العائلية ب 14 مليار درهم. كيف يفسر هذا في ظل استغلال النفوذ وتنازع المصالح؟

لقد وعدت الحكومة بتقليص الفوارق الاجتماعية والمالية والمجالية، فهل تحقق ذلك؟ في هذا الإطار نسائل الحكومة الأسئلة التالية: ما علاقة العدالة المجالية بالجهوية المتقدمة؟ هل تم توظيف الفاعل المدني للمساهمة في القرار الجهوي بناء على الديمقراطية المواطنة التشاركية؟ كيف أهملت الحكومة التقليص من الفوارق المجالية رغم أنها هي الركيزة الأساسية للدولة الاجتماعية؟ هل تحسنت الظروف المعيشية للساكنة عامة وللعالم القروي خاصة؟

نختم هذا المقال الأولي بالخلاصات التالية:

إن الإصلاح منظومة متكاملة تجمع بين الرأسمال المادي وغير المادي. وهذه الجدلية فيها دخن على مستوى الفعل الحكومي. كما تفتقر إلى التأطير السياسي الذي هو الخلفية الفكرية والحضارية لكل مشروع حكومي. من تم سقطت في الريع والمحسوبية والزبونية وتنازع المصالح واستغلال النفوذ. لذلك للأسف الشديد ساهمت الحكومة في أزمات بنيوية يصعب حلها في المستقبل. ثم هل البنية الرقمية التي تفتخر بها الحكومة ساهمت في التقليص من مؤشرات الفساد؟ كما أن الاستدامة المالية لتغطية الحماية الاجتماعية مستبعدة في ظل الأزمة المالية والاجتماعية وغياب الحكامة الجيدة في تدبير المنظومة المالية للدولة. بأي منطق ستتجاوز الحكومة المديونية التي تجاوزت 70 في المئة من الناتج الداخلي الخام حسب بعض الدراسات؟ إن العناوين العالقة بالفعل الحكومي حسب المتتبعين: الأزمة، والتدهور، والعجز، والتباطؤ، والغلاء، تضارب المصالح، الاحتقان، الهروب الكبير، والفشل الكبير، وغيرها من المصطلحات المبررة من قبل المتتبعين.

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *