منتدى العمق

لا لتعطيل دور البرلمان وشل وظائفه!

يثار من حين لآخر إن لم نقل في معظم الأحيان غياب عدد من الوزراء دون مبرر أو سابق إشعار عن اللجن البرلمانية بمجلس النواب عامة، علما أنهم يعلمون جيدا ما لحضورهم من بالغ الأهمية، مما يتسبب في خلق أجواء من الصخب والاضطراب في سير الجلسات، حيث ترفض فرق المعارضة الاستهانة بمقترحات القوانين، التي تستلزم مناقشة جادة ومستفيضة من أجل مصلحة البلاد والعباد. وترى أنه من غير المقبول سياسيا وأخلاقيا تمرير عدد كبير من مشاريع القوانين دفعة واحدة بشكل أتوماتيكي، دون نقاش مسؤول وفعال، وهو ما ينعكس سلبا على صورة البرلمان ويساهم في تعطيل دوره التشريعي.

فالبرلمان كما هو معروف في البلدان الديمقراطية التي تحترم شعوبها، مؤسسة تشريعية تمثل عموم الشعب دونما تمييز، وفي المغرب يتألف من غرفتين: مجلس النواب ومجلس المستشارين، ويتكون الأول من 395 عضوا يتم انتخابهم لمدة خمس سنوات عن طريق الاقتراع العام المباشر ونظام القائمة النسبية، بينما يضم الثاني 120 عضوا ينتخبون لمدة ست سنوات بالاقتراع غير المباشر من لدن منتخبين من الغرف المهنية وأرباب العمل والموظفين والسلطات المحلية. ويلعب دورا هاما في صناعة القرارات السياسية والتشريعية، فيما يمكن تحديد أهم وظائفه حسب مقتضيات الدستور، في تمثيل الشعب والتعبير عن أهم مصالحه وقضاياه الكبرى، سن القوانين والمصادقة عليها، ممارسة الرقابة على الأداء الحكومي، الموافقة على الميزانية العامة للدولة، ضمان الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان…

بيد أنه طالما تم تحويله من طرف بعض المنتخبين إلى فضاء للتهريج وتصريف الأحقاد وتصفية الحسابات الحزبية الضيقة بين أحزاب الأغلبية والمعارضة، وتبادل الاتهامات والتنابز بالألقاب بين المنتخبين، ناهيكم عن التغيبات المتكررة دون حسيب ولا رقيب، ضاربين عرض الحائط بمصداقيته والمسؤولية الجسيمة المنوطة بهم وبكل القيم الأخلاقية النبيلة. إذ يحتفظ المغاربة بعديد القصص والحكايات والطرائف، التي تجد في مجلسي النواب والمستشارين مجالا خصبا لها، مما يعطي صورة سلبية إن على مستوى المؤسسة التشريعية أو على مستوى أعضائها المنتخبين، وإلا ما كان للملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه أن يصف البرلمان ب”السيرك” لما يلاحظ على البرلمانيين والمستشارين من مهاترات وحماقات وبهلوانيات فيما بينهم، عوض الحرص الشديد على صيانة الأمانة التي طوقهم بها الناخبون عند التصويت عليهم في الاستحقاقات الانتخابية، والسهر على حسن تمثيلهم والترافع عن أهم انشغالاتهم.

ويفترض في الوزراء القيام بتمثيل الحكومة داخل البرلمان، وتحمل المسؤولية الكاملة في الدفاع عن السياسات العمومية والقرارات الحكومية، المشاركة في المناقشات والرد على أسئلة النواب والمستشارين، وذلك من خلال الحضور الفعلي والدائم في جميع الجلسات العامة واجتماع اللجن البرلمانية دون تخلف، إلا في حالة وجود مانع يحول دون ذلك من قبيل وعكة صحية خارجة عن إرادتهم أو وفاة أحد الأقارب أو ارتباطات رسمية كالمشاركة في أنشطة رسمية أو حضور فعاليات دولية، مع الإدلاء بما يبرر ذلك. حيث أن التغيب المتكرر بدون عذر مقبول يؤدي لا محالة إلى فقدان الثقة ليس فقط بين الوزراء والمؤسسة التشريعية، بل كذلك في العلاقات بين الوزراء والبرلمانيين، ويساهم في خلق أجواء من الغليان والتوتر، ونفور المواطنين من العمل السياسي والعزوف عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية.

ففي هذا السياق يرى بعض البرلمانيين من المعارضة أنه فضلا عن استخفاف البعض منهم بمهامهم، هناك كذلك وزراء لا يولون البرلمان ما يستحقه من احترام وأهمية، حيث يصرون على إفراغه من دوره التشريعي، من خلال التمادي في الغياب دون مبرر وجيه، مما جعله يتحول في أحيانا إلى مجرد مصلحة للتسجيل، وأن التصويت يكون فيه جاهزا مسبقا، في الوقت الذي يبذل فيه عدد من النواب مجهودات جبارة من أجل صياغة مقترحات قوانين، بينما الحكومة لا تبدي أي اهتمام بها وترفضها بالجملة، متسائلين عن جدوى التصويت الأتوماتيكي ضد مقترحات أحزاب المعارضة. علما أن الدستور ينص على ضرورة التعاون بين الأغلبية والمعارضة. إذ أنه وحتى إن كان النظام الداخلي للبرلمان لا يفرض على الوزراء الحضور في اللجان لمناقشة مقترحات القوانين، فإنه يتعين عليهم أخلاقيا الحضور لإثراء النقاش، ولاسيما أن هناك من المقترحات ما له أثر مباشر وإيجابي على المواطنين دون أن يكلف ميزانية الدولة أي شيء، ويخشون أن يتواصل هذا الاستخفاف الحكومي، الذي من شأنه قتل مؤسسة البرلمان، مستنكرين حضور الحكومة فقط لتمرير القوانين التي ترغب في تنزيلها…

إننا لسنا بحاجة إلى التذكير بما للبرلمان من دور طلائعي في الحياة العامة، باعتباره مؤسسة وطنية تمثل الشعب عبر نواب منتخبين يعبرون عن آراء ومصالح مختلف فئات المجتمع، حيث يقومون بمراقبة العمل الحكومي والمساهمة في عملية صنع القرار، وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى وضع قوانين لتنظيم حياة المواطنين وتحديد حقوقهم وواجباتهم، مكافحة الفساد عبر الرقابة الصارمة على المال العام وسبل استخدامه.

وهو ما يقتضي إعطاء هذه المؤسسة الدستورية ما تستحقه من بالغ الاهتمام ليس فقط من قبل البرلمانيين وحدهم، بل حتى من قبل أعضاء الحكومة ورئيسها، بما قد يحفز المواطنين عامة والشباب خاصة على الانخراط في العمل السياسي عن طواعية وبكامل الحرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *