مجتمع

تقرير رسمي: غياب التتبع والشفافية يهدد نجاح برامج تحسين الدخل بالمبادرة الوطنية

المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

كشفت تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية عن جملة من الاختلالات والنقائص التي شابت عملية تدبير مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية خلال الفترة الممتدة من سنة 2019 إلى 2022 بإقليم الجديدة، سواء على مستوى استقبال الملفات، أو مراحل الدراسة، أو خلال عملية التقييم والمصادقة النهائية على المشاريع.

وحسب ما ورد في التقرير، تكفلت بعض الجمعيات، من بينها جمعية “Entrelles”، باستقبال ملفات حاملي المشاريع المدرة للدخل في إقليم الجديدة، وهو اختصاص يعود قانونيا إلى عمالة الإقليم ومصالح قسم العمل الاجتماعي بها، ما أدى إلى حرمان هذه الأخيرة من التتبع الفوري والدقيق للملفات المودعة أو المنسحبة، وكذا تلك المرفوضة بسبب تجاوز الآجال القانونية.

ورصدت المفتشية غياب تجاوب فعلي من طرف المصالح القطاعية الإقليمية، رغم توجيه العمالات لمراسلات تطلب فيها دعما تقنيا وخبرة ميدانية لتقييم المشاريع. هذا الغياب أثر سلبا على جودة تقييم الملفات وحال دون توفر آراء قطاعية مختصة من شأنها توجيه اللجان نحو قرارات موضوعية وعادلة.

كما أشار التقرير إلى ضعف الأبحاث الاجتماعية المنجزة من قبل السلطات المحلية، حيث تم إنجاز بعضها بشكل شكلي وغير دقيق، فيما غابت تماما عن بعض المشاريع.

ورغم أهمية هذه الأبحاث في التحقق من مصداقية الوثائق والادعاءات التي يقدمها حاملو المشاريع، لم تتخذ المصالح الإدارية إجراءات لتصحيح هذا الخلل أو توجيه السلطات المحلية نحو إنتاج تقارير اجتماعية فعالة وموثوقة.

وفي ما يخص عملية تقييم وانتقاء المشاريع، انتقد التقرير عدم وجود مسطرة واضحة أو نظام رسمي معتمد لتحديد معايير الأهلية، والتي يجب أن تشمل الجدوى التقنية والاقتصادية، الأثر الاجتماعي، وكفاءة حامل المشروع.

واعتبرت المفتشية أن اللجان التقنية اعتمدت على مقابلات مباشرة فقط، مدعومة ببطاقات تنقيط غير مفصلة وغير مصادق عليها من طرف لجان القيادة الإقليمية، ما نتج عنه تفاوتات واضحة في المعاملة بين الملفات.

ومن بين أبرز التجاوزات التي سجلها التقرير: إقصاء بعض المشاريع لغياب وثائق بسيطة، في حين تم قبول ملفات أخرى ناقصة شريطة استكمالها لاحقا، وغياب تبرير قرارات الرفض في العديد من الحالات، مما يطرح علامات استفهام حول مدى الشفافية والعدالة في المعالجة، بالإضافة إلى رفض مشاريع بسبب غياب مؤقت لحامليها، دون مراعاة مبررات أو تقديم فرص بديلة.

وكشفت معطيات ميدانية في التقرير عن وجود اختلالات واضحة في التوزيع الجغرافي للمشاريع المدعمة من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إطار برنامج تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب بإقليم الجديدة.

وحسب المصدر، فإن حوالي 50 في المائة من المشاريع التي قدمتها التعاونيات والتي تم قبولها ضمن طلب العروض لسنة 2020، تركزت في جماعة أزمور، ما يعكس غياب توازن مجالي بين مختلف الجماعات التابعة للإقليم، ويطرح تساؤلات حول معايير الانتقاء ومبدأ تكافؤ الفرص الذي يفترض أن تؤطره المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

هذا التمركز غير المتوازن، حسب المعطيات ذاتها، يتنافى مع التوجيهات الرسمية الصادرة عن اللجنة الوطنية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية (CN-INDH)، التي تنص على ضرورة ضمان عدالة مجالية في توزيع المشاريع، بما يضمن استفادة مختلف المناطق الترابية من دعم الدولة، خاصة في البرامج ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي.

وفي السياق ذاته، تم إجراء عملية تحقق ميدانية من طرف لجنة مختلطة مكونة من ممثلي المديرية الإقليمية للشؤون الاجتماعية، وذلك للوقوف على مدى تنفيذ عدد من المشاريع التي تمت المصادقة عليها في إطار محور تحسين الدخل.

وأسفرت هذه العملية عن تسجيل مجموعة من الملاحظات التي تثير القلق حول جدية بعض التعاونيات في تنفيذ المشاريع وفق دفتر التحملات، ومدى التزامها بأهداف البرنامج، مما يهدد بنسف الأثر التنموي المنتظر من هذه المبادرات، التي تمثل ركيزة أساسية في السياسة الاجتماعية للدولة.

وبحسب تقرير المهمة التفتيشية، لم تقم اللجنة بأي من الإجراءات المرتبطة بوضع برامج عمل دورية (سنوية، نصف سنوية، وثلث سنوية)، أو عقد اجتماعات منتظمة لتتبع تقدم المشاريع، ولم تباشر زيارات ميدانية مبرمجة أو فجائية لمراقبة سير التنفيذ. كما غابت عمليات التقييم الخارجي، التي من المفترض أن تتم عبر خبراء مستقلين، ما أثر بشكل مباشر على جودة وشفافية تنزيل المشاريع.

واكتفى تدخل المصالح المعنية داخل قسم العمل الاجتماعي واللجان الإقليمية بالتأشير على المشاريع وزيارتها ميدانيا فقط عند انطلاقها، دون أي آلية لاحقة للتقييم أو المراقبة التقنية والمالية.

وفي سياق متصل، سلط التقرير الضوء على مشروع خاص بإعادة إيواء الباعة المتجولين ضمن ما يعرف بـ”مشاريع المهاجرين”، الذي انتقل من البرنامج العرضاني للمرحلة الثانية إلى المرحلة الثالثة من المبادرة.

وقد تم تخصيص أزيد من 11.4 مليون درهم من طرف المبادرة لتوفير وتركيب هياكل معدنية، في حين ساهمت بعض الجماعات المحلية في أشغال التهيئة دون وجود أي توثيق قانوني لهذه المساهمات، سواء عبر اتفاقيات أو محاضر رسمية.

وأشار التقرير إلى أن هذه النفقات، التي تم تنفيذها عن طريق أوامر شراء وعقد إطار من قبل “APOS”، تمت بممارسات تتجاوز القوانين المنظمة للنفقات ذات المنفعة العامة، ما أثار تساؤلات حول نزاهة تدبير هذا الملف.

ويأتي هذا التقرير في وقت تراهن فيه الدولة على المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كرافعة مركزية للعدالة الاجتماعية وتحسين الظروف الاقتصادية للفئات الهشة، خاصة في مجال دعم الأنشطة المدرة للدخل وإعادة إدماج المهاجرين في النسيج الاقتصادي.

لكن في ظل غياب آليات للتتبع والتقييم ووجود خروقات في مساطر التنفيذ والتعاقد، تبدو نجاعة هذه البرامج مهددة، وتطرح تساؤلات جوهرية حول شفافية وفعالية التدبير المحلي للمشاريع التنموية.

فبعد التوقيع على الاتفاقية رقم 2/2016 بتاريخ 1 يونيو 2016، التي وضعت خارطة طريق واضحة للقضاء على ظاهرة احتلال الملك العمومي عبر توفير فضاءات ملائمة للباعة الجائلين، لم تفعل هذه الاتفاقية على أرض الواقع إلا بعد ثلاث سنوات من التوقيع، وتحديدا سنة 2019، ما يعكس تهاونا واضحا في تنفيذ التزامات الأطراف المعنية.

الأكثر إثارة للجدل هو تعيين جمعية APOS كطرف مسؤول عن تدبير فضاءات التجارة القريبة وتنظيم الأسواق المحلية لفائدة الباعة الجائلين، وذلك بموجب ملحق للاتفاقية الأولى (رقم 1/2018)، دون إجراء أي عملية انتقاء شفافة أو تحديد معايير موضوعية لهذا التعيين.

ورغم أن الجمعية لا تتوفر على الموارد البشرية المؤهلة ولا على الخبرة الميدانية الكافية، فقد مُنحت صلاحيات واسعة أشبه بسلطة وصاية على جمعيات الباعة المحليين، الذين يعتبرون أنفسهم الأدرى بواقعهم المهني ومشاكلهم اليومية.

ولم تتوقف التجاوزات عند هذا الحد، بل امتدت إلى الاتفاقية رقم 47/2018 الموقعة في 14 دجنبر 2018 بين اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية وجمعية APOS، حيث سُمح للأخيرة بتنفيذ نفقات خارج الضوابط القانونية المعمول بها داخل حسابات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وهو ما يعد سابقة خطيرة في مجال تدبير الأموال العمومية.

كما لم يتم إشراك الجماعات الترابية المعنية ولا الجمعيات المحلية للمستفيدين في صياغة الاتفاقية أو توقيعها، رغم مساهمتهم الفعلية سواء من خلال توفير الوعاء العقاري أو إنجاز الأشغال التكميلية.

وما زاد من غموض المشروع هو غياب جدول زمني دقيق، وتحديد واضح للأنشطة وعدد المستفيدين وكلفة الصيانة والمساهمات المنتظرة من باقي الشركاء، الأمر الذي يجعل المشروع مفتوحا دون أفق زمني واضح أو أهداف قابلة للقياس، مما يهدد بتوقفه في أي لحظة، خاصة إذا تعذرت على الجماعات الترابية توفير التمويل اللازم لاستكمال الأشغال.

وتشير تقارير التفتيش إلى أن جمعية APOS قامت بتوقيع اتفاقيات أخرى مع جمعيات للباعة الجائلين، كما هو الحال مع جمعية النهضة لبائعي الحلزون بالجديدة، دون علم أو إشراك اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية، مما أتاح للجمعية التخفيف من التزاماتها الأصلية وتحميل المستفيدين عبء تمويل المشروع عبر مساهمات مالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *