مجتمع

التشهير الرقمي.. حقوقيات يحذرن من “المحاكمات المجتمعية” ويطالبن بإصلاح القانون الجنائي

أثار اعتقال ممثلة شابة قبل أيام على خلفية قضية تمس حياتها الخاصة، جدلا واسعا في الفضاء الرقمي، بعدما تعرضت لحملة تشهير شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنابر الإعلامية الإلكترونية، في مشهد اعتبره كثيرون “محاكمة مجتمعية” سبقت القضاء، ومسا خطيرا بكرامتها وسمعتها الفنية والإنسانية.

منذ تداول الخبر، غزت صور الممثلة وتعليقات مسيئة منصات التواصل، في محاولة واضحة لتجريمها أخلاقيا والتشهير بحياتها الخاصة، وهو ما أثار موجة استياء في أوساط حقوقية ونسائية، لاسيما مع تجاهل الطرف الآخر المرتبط بالقضية، ما كشف عن استمرار أشكال التمييز “الجندري الممنهج” ضد النساء في المغرب.

وعبرت هيئات نسائية وحقوقية عن قلقها العميق من الحملة الرقمية العنيفة التي استهدفت الممثلة الشابة، عقب اعتقالها الأخير في قضية مرتبطة بحياتها الخاصة، معتبرة أن ما جرى يشكل “انتهاكا صارخا للكرامة وقرينة البراءة والحق في الخصوصية”، وأنه يعكس استمرار “التمييز الجندري” ضد النساء في المجتمع والقانون المغربيين.

وقالت سميرة موحيا، رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء، في تصريح لجريدة “العمق”، إن “التشهير الذي تعرضت له الممثلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنابر الإلكترونية، أساء لسمعتها وخلف آثارا نفسية واجتماعية ومهنية مدمرة”، مشددة على أن الاعتقال قد يُنسى، لكن ما يتركه التشهير من جراح نفسية “يصعب تجاوزه”.

ونددت موحيا بما وصفته بـ”ازدواجية المعايير” في التعاطي مع القضية، إذ تم، بحسبها، “تسليط الضوء وتشويه هوية الممثلة والإدانة المجتمعية لها وحدها، في تجاهل تام للطرف الآخر الذي كان موضوع الشكاية”، معتبرة أن ذلك يعكس “قانونا جنائيا متجاوزا بفلسفة تقليدية محافظة، تسمح بانتهاك الحياة الخاصة بدل حمايتها”.

وانتقدت المسؤولة الحقوقية غياب حماية فعالة من طرف النيابة العامة، التي كان من واجبها، حسب قولها، “ضمان خصوصية السيدة، خاصة أنها كانت تحت إشراف السلطة القضائية”. وأضافت: “لم يكن مقبولا أن تُسرب معطياتها الشخصية أو أن تُترك عرضة للتشهير، كان على النيابة العامة أن تحرك مسطرة المتابعة في حق المشهرين”.

كما أشارت إلى وجود هيئات رسمية يفترض أن تتدخل في مثل هذه الحالات، مثل اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، مؤكدة أن عدم تحركها يثير أسئلة حول جدوى هذه المؤسسات.

وطالبت ذات المتحدثة، بضرورة مراجعة شاملة للقانون الجنائي المغربي بما يضمن حماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وعدم السماح بالتشهير الرقمي، ومواءمة النصوص مع الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

وأعادت قضية الممثلة إلى الواجهة النقاش حول العنف الرقمي ضد النساء بالمغرب، وهو ملف يتفاقم مع الانتشار الواسع لمواقع التواصل، حيث يتحول الفضاء الافتراضي في كثير من الأحيان إلى أداة للتشهير وتشويه السمعة. وكانت تقارير الجمعيات الحقوقية قد حذرت مرارا من خطورة “المحاكمات الموازية” على الإنترنت، باعتبارها تهدد المسار القضائي العادل وتترك أثرا نفسيا واجتماعيا مدمرا على المستهدفات.

ويرى متابعون أن ما تعرضت له الممثلة الشابة يكشف هشاشة الحماية القانونية والاجتماعية للنساء في قضايا ذات طابع شخصي، حيث تُستباح حياتهن الخاصة بسهولة، وتُشهر صورهن وأسماؤهن علنا، في انتهاك صارخ لمبدأ قرينة البراءة وحقوق الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *