منوعات

زنا المحارم في المغرب.. جريمة صامتة تكشف هشاشة النظام الأسري

أعادت قضية زنا المحارم بين أب ستيني وابنته، التي هزت جماعة المنزه ضواحي الرباط، تسليط الضوء على واحدة من أخطر الظواهر الاجتماعية المسكوت عنها في المغرب.القضية طرحت تساؤلات عميقة حول الدوافع والاضطرابات النفسية والاجتماعية التي قد تدفع إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم، إلى جانب الصدمات التي تخلفها على الضحايا، خصوصا حين يؤدي الاعتداء إلى الحمل.

خطورة الانزلاق

الدكتورة غيثة العلمي، أخصائية في علم النفس، أوضحت أن زنا المحارم يجد أصوله في عوامل نفسية وعلاقاتية معقدة. فبعض الحالات ترتبط باضطرابات في الشخصية مثل النرجسية أو المعادية للمجتمع، حيث يغيب التعاطف وتنهار الحدود بين الأفراد. وأضافت أن بعض مرتكبي هذه الأفعال كانوا أنفسهم ضحايا اعتداءات جنسية في طفولتهم، مشيرة إلى أن ضعف التحكم في الانفعالات وتعاطي المواد المؤثرة نفسيا يزيد من خطورة الانزلاق نحو مثل هذه السلوكيات.

على المستوى الأسري، اعتبرت العلمي أن الظاهرة غالبا ما تظهر في سياقات عائلية مختلة، حيث يتم خلط الأدوار بشكل غير واع، فيُعامل الطفل كبديل للشريك، أو يُستغل لسد فراغ عاطفي داخل الأسرة. وأكدت أن الضحايا يعانون من صدمات نفسية عميقة، تتجلى في اضطرابات القلق والاكتئاب والانعزال الاجتماعي، وترتفع لديهم مخاطر الانتحار. وتزداد المعاناة أكثر في الحالات التي تؤدي إلى حمل قسري، إذ تتحول الصدمة إلى عبء مضاعف يلاحق الضحية وطفلها.

وتابعت العلمي أن الأطفال المولودين من زنا المحارم يواجهون بدورهم صعوبات في بناء الهوية وشعورا بالوصم الاجتماعي، إضافة إلى هشاشة نفسية تجعلهم أكثر عرضة للاضطرابات خلال مرحلة المراهقة، ما قد يؤدي إلى إعادة إنتاج دائرة العنف عبر الأجيال.

اضطرابات السيطرة

من جانبه، اعتبر الدكتور سامي دقاقي، الباحث في علم النفس والنورو-تربية، أن زنا المحارم يمثل أحد أخطر الانتهاكات، لكونه يصدر عن فرد من العائلة يفترض أن يكون مصدرا للحماية. وأوضح أن فرويد اعتبره من الطابوهات المؤسسة للثقافة الإنسانية، وأن انتهاكه يزعزع النظام النفسي والاجتماعي برمته.

وأشار دقاقي إلى أن الصدمة الناتجة عن هذه الجرائم تتداخل فيها مشاعر العار والخذلان والهجران، وهو ما يجعلها صدمات مركبة يصعب تجاوزها. كما أبرز أن الدراسات في علم الأعصاب أثبتت أن التجارب المؤلمة تترك آثارا دائمة على الدماغ، خصوصا في المناطق المسؤولة عن الذاكرة والعاطفة، ما ينتج عنه اضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات الهوية والعلاقات الاجتماعية.

وبخصوص أسباب هذه الاعتداءات، أوضح الباحث أنها تعود أحيانا إلى سمات شخصية مرضية، كالنرجسية أو اضطرابات السيطرة على الدوافع، إضافة إلى صدمات سابقة غير معالجة قد تدفع إلى تكرار دورة العنف. كما تلعب العوامل الاجتماعية والأسرية دورا مهما، مثل تفكك العلاقات الأسرية وعزل الأطفال داخل بيئات غير آمنة.

في المقابل، شدد دقاقي على أن العلاج ممكن بفضل تقنيات حديثة، مثل العلاج السلوكي المعرفي أو العلاج بوساطة إعادة معالجة الصدمات عبر حركة العين (EMDR)، إضافة إلى العلاجات الجسدية والفنية والجماعية، التي تساعد الضحايا على تجاوز مشاعر العار والعزلة وبناء توازن نفسي جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *