في أسوأ موسم هجرة.. سواحل سبتة تتحول إلى مقبرة أطفال ولاعبين حالمين بـ”الفردوس الأوروبي”
تسجيل أزيد من 30 حالة وفاة منذ بداية 2025 وعائلات تبحث عن ذويها

تشهد السواحل الحدودية بين مدينتي الفنيدق وسبتة المحتلة، واحدة من أسوء فترات الهجرة السرية منذ سنوات، حيث ارتفعت حالات الوفيات والمفقودين إلى مستويات غير مسبوقة.
وتحول الساحل البحري الفاصل بين المدينتين إلى “مسرح موت”، جمع بين قصص مأساوية لشباب وأطفال فقدوا حياتهم، وآخرين دخلوا لوائح المفقودين، مع تطور لافت تجلى في إقدام رياضيين شباب من تطوان والمضيق في ركوب مغامرة الهجرة سباحة.
وبحسب ما أوردته وسائل إعلام إسبانية، فإن أزيد من 30 حالة وفاة سُجلت في مياه سبتة منذ بداية العام الجاري وإلى حدود اليوم، بينهم أطفال وقاصرون، بينما يظل عدد آخر من المهاجرين في عداد المفقودين.
وأدت هذه الأرقام المأساوية إلى أزمة داخل سبتة في التعامل مع الجثث، نتيجة نقص الموارد البشرية لأطباء التشريح، ما زاد من صعوبة التعرف على هويات الضحايا وتسليم الجثث لعائلاتهم، وهو ما دفع سلطات سبتة إلى دفن عدد منهم داخل المقبرة الإسلامية بالمدينة.
أسوأ موسم هجرة
سجلت الحرس المدني الإسباني ارتفاعا كبيرا في عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم أثناء محاولات العبور سباحة إلى سبتة انطلاقا من سواحل الفنيدق، فيما قالت صحفية “إل فارو دي سبتة” الإسبانية، إن مدينة سبتة تشهد هذا العام أسوأ موجة هجرة بحرية منذ سنوات.
ومع حلول نهاية شهر شتنبر الجاري، ارتفع عدد الوفيات في مياه سبتة إلى 30 حالة، بينهم سبعة فقط خلال هذا الشهر، مع تسجيل حالتين لطفلين، ما يجعل هذا الشهر الأكثر مأساوية على الإطلاق مقارنة بالأشهر السابقة.
وبحسب الصحيفة ذاتها، فقد تم العثور في غضون الساعات القليلة الماضية، على ثلاثة جثث تطفو في سواحل المدينة، اثنتان منهما خلال دقائق، واحدة قرب منطقة “شارشال” وأخرى بالقرب من السجن القديم للنساء.
وأشار المصدر ذاته إلى أن السلطات المحلية أكدت أن جميع الجثث تعود لشباب قضوا وقتا قصيرا في الماء بعد محاولات الدخول في وقت مبكر من الليلية الماضية.
وأظهرت التحقيقات أن الضحايا كانوا يرتدون ملابس مدنية، مزودة بأدوات للسباحة مثل الزعانف، وأن أعمارهم لا تتجاوز العشرين عاما، مع احتمال أن يكون بعضهم قاصرين.
وتشير المصادر ذاتها إلى أن سبب الوفيات غالبا ما يعود لمحاولات الدخول إلى سبتة سباحة أو سقوط بعض المهاجرين في البحر من قوارب صغيرة، مع استمرار محاولات الهجرة السرية سباحة بين الفنيدق وسبتة.
قصة طفلين
تُعد قصة الطفلين توفيق ومحمد من منطقة بني سعيد قرب واد لاو بإقليم تطوان، مثالا مأساويا على خطر الهجرة السرية سباحةً، حيث انطلق الطفلان معا من سواحل الفنيدق باتجاه سبتة، قبل أن تطلق عائلاتيهما نداء استغاثة للعثور عليهما بعدما انقطعت أخبارهما، ونشرت صورهما على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعد مدة من اختفائهما، أعلنت سلطات سبتة العثور على جثتيهما الجمعة الماضية في منطقتي “شارشال” و”ريسينطو”، بفارق ساعات قليلة بينهما، وفق ما أوردته صحفية “إل فارو دي سبتة”.
وتمكن أحد أفراد أسرة الطفلين من القدوم إلى سبتة وتقديم وثائق هويتيهما إلى محكمة سبتة من أجل التعرف عليهما، في انتظار تأكيد السلطات رسميا التعرف هويتهما، والبدء في إجراءات تسليم الجثتين إلى عائلتيهما بتطوان.
وخلال الأيام الأخيرة، قدمت العديد من العائلات المغربية معلومات عن أبنائها المفقودين، بعد أن انقطعت أخبارهم عقب ركوبهم مغامرة السباحة نحو سبتة، على أمل معرفة مصيرهم.
من كرة القدم إلى البحر
لم تقتصر محاولات العبور على الشباب العادي، بل شملت أيضا لاعبين شبابا، فقد قررت لاعبة كرة القدم الفتاة “خديجة” لاعبة في فريق “تمودة باي” بمارتيل، عبور البحر البحر سباحة من الفنيدق إلى سبتة رفقة صديقتها.
وتأتي قصة خديجة بعد أيام من محاولة لاعبان آخران من فريق المغرب التطواني، وهما عيسى عاشور الذي سبق أن لعب بالمنتخب المغربي تحت 17 عاما، ومحمد زيتوني، حيث تمكنا من الوصول إلى سبتة والالتحاق بمركز الإقامة المؤقتة للمهاجرين (CETI).
وأثارت أخبار هجرة اللاعبين جدلا واسعا بتطوان، حيث اعتبر البعض أن الأمر يرتبط بالجانب الرياضي وظروف اللاعبين، فيما رأى آخرون أنها ليست سوى جزء من موجات الهجرة السرية المتواصلة عبر البحر.
وبحسب ما أوردته وسائل إعلام محلية بسبتة، فإن لاعبي المغرب التطواني كشفا أن سبب مغادرتهما المغرب يعود إلى توقفهم عن تلقي مستحقاتهما المالية، فيما يا تزال دوافع وتفاصيل قصة خديجة غير معروفة، باعتبارها أول لاعبة كرة قدم تقدم على هذه المغامرة.
أزمة الجثث
وتواجه مدينة سبتة أزمة حقيقية في إدارة جثث المهاجرين نتيجة نقص الموارد البشرية والمادية في معهد الطب الشرعي، حيث كشف تقرير حزب “الحركة من أجل الكرامة والمواطنة” (MDyC)، أن قلة مرافق التبريد يدفع السلطات لمباشرة عمليات دفن الجثث سريعا، مما يعوق عمليات التعرف على هويات الضحايا.
واعتبر الحزب أن هذه الوضعية تؤثر بشكل مباشر على المهاجرين الذين فقدوا حياتهم أثناء محاولاتهم العبور من الفنيدق إلى سبتة، بإضافة إلى مهاجرين آخرين لم تتمكن أسرهم من حضور مراسم الدفن في الوقت المناسب.
وطالب الحزب وزارتي العدل والصحة بالتدخل الفوري لتوفير الموارد اللازمة، مع التأكيد على أن الالتزام بالاتفاق البرلماني يمثل مسؤولية في مجال الصحة العامة، وذلك لضمان حقوق الأسر في التعرف على موتاها.
إنقاذ في آخر لحظة
وسط هذا الكم الهائل من أخبار الوفيات والمفقودين، برزت قصة إنقاذ مهاجر سري بسواحل البحر، كأمل لعائلات المفقودين.
فقد تمكنت عناصر الحرس المدني، من إنقاذ مهاجر مغربي كان على وشك الغرق عند بالقرب من معبر “تاراخال”، حيث تدخلت دورية بحرية من إخراجه من وسط البحر وإجراء عمليات إنعاش قلبي على متن زورقها قبل نقله إلى القاعدة البحرية.
وأشارت تقارير إسبانية إلى أن المهاجر المذكور تم نقله إلى المستشفى عبر سيارة إسعاف تابعة لخدمات الطوارئ الطبية بعد استقرار وضعه الصحي، حيث وُضع تحت غطاء حراري لحمايته من مضاعفات انخفاض حرارة الجسم، مشيرة إلى أنه بالكاد كان قادرا على الوقوف.
وأوردت منابر إعلامية بسبتة أن هذا الشاب عندما أُخرج من البحر كان في حالة أقرب إلى الغرق الكامل، قبل أن تتمكن الإسعافات الأولية لعناصر الحرس المدني من إنقاذ حياته.
قائمة من المفقودين
تزايدت النداءات والبلاغات حول اختفاء شباب ومراهقين مغاربة بعد محاولتهم دخول مدينة سبتة سباحة من سواحل الفنيدق، في وقت لا تزال عائلاتهم تجهل مصيرهم، لتضاف أسماؤهم إلى قائمة المفقودين التي ارتفعت خلال الساعات الأخيرة.
وضاعفت أخبار العثور على بعض الجثث في سواحل سبتة، من قلق الأسر المغربية التي تترقب بشوق معرفة أخبارا عن أبنائها الغائبين، وسط مناشدات إلى السلطات والمواطنين بتقديم أي معلومات عنهم، سواء في الفنيدق أو سبتة.
وفيما يلي عدد من المفقودين الذين أطلقت عائلاتهم نداءات للبحث عنهم:
– وليد شيلك من العرائش، حيث دخل البحر سباحةً، أول أمس الثلاثاء 9 شتنبر، وكان يرتدي نظارات سباحة وزعانف ولباس أزرق، ووضعت أسرته رقم هاتفه لمن يتوفر عن معلومات عنه (0607168112).
– محمد الحوزي من منطقة قاع أسراس قرب واد لاو بإقليم تطوان، مفقود منذ 8 شتنبر بعد أن حاول السباحة نحو سبتة، وتشير أسرته إلى أنه كان يرتدي بذلة غطس زرقاء وزعانف (0656045532)
– محمد فريحة من مدينة العرائش (17 عاما)، غادر الفنيدق يوم الاثنين الماضي مرتديا قميصا أبيض وسروالا رياضيا رماديا، بحسب أسرته (06777349186)
– عادل الشتيوي من مدينة الصخيرات، انقطعت أخباره منذ أيام، حيث تشير أسرته إلى انه كان يرتدي بذلة غطس، وأسرته تناشد كل من قد يكون شاهده في سبتة.
– رياض جديري (18 سنة)، حاول العبور سباحة قبل حوالي 10 أيام، ومنذ ذلك الحين انقطعت أخباره.
– أيمن من مدينة سيدي سليمان (17 سنة)، غادر أمس الفنيدق عبر البحر نحو سبتة، ومنذ ذلك الحين يُجهل مصيره.
– أيوب، يبلغ من العمر 17 عاما، حاول بدوره العبور سباحة يوم الاثنين الماضي، فيما لا تعرف أسرته شيئا عنه.
اترك تعليقاً