الذكاء الاجتماعي عفوا النفاق الاجتماعي

عَطَسَ الغَنِيُّ فقالَوا “رَحِــمَ الله حـبـيبَنا وأخـانا”.
وعطس الفقير فقالو: “مَـنْ ذا الـذي بِـزُكَامِهِ آذانا؟”.
هذي من بين الابيات المشهورة التي تنسب للإمام الشافعي، حيث تعكس نقدًا اجتماعيًا لحال الناس ونفاقهم الاجتماعي ومدى تأثرهم بالمظاهر لا عن ما يقدمه الشخص من سلوكيات وتعامل وأخلاق طيبة.
فلا شك أن ظاهرة «النفاق الاجتماعي» أو ما يطلق عليه حاليا بالذكاء الاجتماعي بمفهومه المضاد، هي من الظواهر الغربية التي أصبحت تشهد انتشارا واسعا في وقتنا الحاضر، بفضل المظاهر الخداعة عبر المواقع الاجتماعية المنتشرة، حيث نجد أنه اصبح يغلب عليها الكذب الصريح، والنفاق الداعر، والمجاملة المضرة والممزوجة بالمغالطات، وطمس الوقائع، وتزييف الحقائق، وتحريف الكلام عن موضعه، حتى باتت لغة العصر وشعار الزمان إلا من رحم الله تعالى، الأمر الذي لا محال سيؤدي لاحقا إلى انحدار القيم والأخلاق، وسوء العلاقات الاجتماعية والاسرية، وبالتالي ضياع الكثير من الحقوق، وتعلم الخوف وغيرها من المساوئ التي لا يحمد عقباها. لا قدر الله
والأكثر غرابة في هذه الظاهرة هي أنها اصبحت لا تقتصر فقط عن الانسان، حيث أننا أصبحنا نشاهدها مؤخرا حتى عند اذكى التطبيقات المصنوعة الكترونيا كشات جيبيتي” chatgpt”، هذا الأخير والذي من المفروض أن يغلب عليه الصدق والشفافية، عند تلقيه لأي سؤال، فعلى العكس من ذلك نجده يجيب بأن السؤال الذي تم طرحه هو في غاية الأهمية وبشكل عبقري وذكي، رغم تفاهة السؤال في بعض الأحيان. مما يجعل الشخص منا يعتقد أنه فعلا عبقري وذكي، والغريب في الامر أنه إذا كان كذلك لما استنجد بطلب الإجابة عن سؤاله التافه هذا من جهة.
ومن جهة ثانية فما السبب الذي يجعل هذا التطبيق الذكي يتخلى عن الشفافية والصدق ويرتدي جلباب النفاق الاجتماعي الذي يلبسه الكثير منا من أجل قضاء مصالحهم الشخصية ولو على حساب الغير بحجة الظرفية؟، ربما هذا راجع لكونه قد صنع من شخص ذا ذكاء خارق ممزوج بنفاق خارق كذلك.
كلها أسئلة وجب علينا إيجاد مخرجات وحلول تمكننا من علاج هذا الداء العضال، الذي يحتاج منا بعض الأحيان الى الفطنة والمواجهة الحقيقية الممزوجة بالشفافية والصراحة والتحري فوق كل مصلحة ومنفعة زمنية. مع عدم دمجه ببعض المفردات كالمجاملة أو الدبلوماسية أو المداراة “المُلاينة والتلطف والرفق في التعامل مع الناس”، لأن هناك في الحقيقة حدود فاصلة بينهما، إذ نجد أن النفاق يتعارض مع الصدق والوفاء والإخلاص، ويعد نوعا من الكذب عبر التظاهر بامتلاك صفات فاضلة وخصال حميدة، مما يدمر الشخص من خلال توظيف امور بغرض تحقيق منفعة وهدف خاص فقط. كما يتخذ مظاهر أخرى مثل: تقديم وعود كاذبة، أو قول أشياء غير صحيحة، أو التعبير بمشاعر عكس الواقع. أما المجاملة فتعني قول أشياء صادقة للآخرين، ومحببة لديهم، تجعلهم يشعرون بالسرور إما بهدف جعل علاقتهم معهم طيبة، أو تحفيزهم أو الاعتراف بمجهودهم، وهي شيء محبب في العلاقات الاجتماعية والاسرية، بينما المداراة فتعني قول مجاملة صادقة لشخص يتصف بالبطش ولديه نفوذ، بهدف اتقاء شره، وهو ما يسمى أيضا بالتقية. ويتم توظيف المداراة أيضا لتجنب الدخول في صراع مع الآخرين، أو تغيير مشاعر الكره لديهم إلى مشاعر إيجابية. واختم مقالي هذا بهذه الكلمات:
رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مالٌ
ومن لا عنده مالٌ فعنه الناس قد مالوا
رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهبٌ
ومن لا عنده ذهبٌ فعنه الناس قد ذهبوا
وراجيا الكل منا التصدي والتخلص من هذا الداء المنتشر بكثرة كانتشار كورونا في وقتها الله يحفظكم ويحفظ مجتمعاتنا عبر مواقعنا الاجتماعية ولما لا تعرية اصحابه، لكي نسعد بمجتمع أسري صافي شيئا ما وخالي من الفوضى والتمزق غير الخلاق.
اترك تعليقاً