وجهة نظر

ترشح مايسة سلامة مع حزب التقدم والاشتراكية: قراءة جيوستراتيجية لمخاطر السياسة وفرصها

مقدمة

يُعد إعلان ترشح مايسة سلامة ضمن حزب التقدم والاشتراكية محطة سياسية لافتة، إذ يجمع بين شخصية إعلامية مثيرة للجدل وحزب يساري تاريخي يسعى إلى تجديد حضوره في الساحة السياسية المغربية. لفهم تداعيات هذه الخطوة، يمكن توظيف مقاربة الجيوستراتيجية السياسية التي تركز على تحديد المخاطر، تقييمها، ثم وضع استراتيجيات لإدارتها.

1. السياق السياسي والفلسفي

في ظل التحولات البنيوية التي يشهدها اليسار المغربي، تتقاطع الأسئلة التاريخية مع الإشكالات الراهنة، لتعيد تشكيل خريطة التيارات التقدمية بين إرث الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وانبعاث حزب التقدم والاشتراكية كفاعل محتمل في إعادة بناء المشروع اليساري. هذا التقاطع لا يقتصر على التقييم السياسي، بل يمتد إلى قراءة فلسفية تستدعي مفاهيم الكتلة التاريخية عند غرامشي، والتاريخانية النقدية عند عبد الله العروي، لفهم طبيعة الأزمة وإمكانات التجاوز.

منذ تأسيس الاتحاد الوطني سنة 1959 بقيادة المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم، حمل اليسار المغربي مشروعاً تحررياً جريئاً، تجسد في حكومة عبد الله إبراهيم سنة 1958 التي سعت إلى تحرير القرار الاقتصادي الوطني وتأسيس مؤسسات مالية مستقلة. ثم جاءت وثيقة “الاختيار الثوري” التي صاغها بن بركة لتؤسس لخط يساري نقدي قبل أن يُختطف في باريس سنة 1965 في حادثة لا تزال تلقي بظلالها على الذاكرة السياسية المغربية.

بعد سنوات من القمع والانشقاقات، تأسس الاتحاد الاشتراكي سنة 1975، ليقود حكومة التناوب سنة 1998 في لحظة بدت وكأنها تصالح بين اليسار والدولة، لكنها سرعان ما تحولت إلى بداية الانحدار. ومع قيادة إدريس لشكر، فقد الحزب كثيراً من بريقه، وتحوّل من حامل لمشروع حداثي نقدي إلى حزب يلاحقه مناضلوه بتهم التراجع والانغلاق وتغليب منطق الزبونية على روح النضال.

في المقابل، يواصل حزب التقدم والاشتراكية مساره بهدوء، محافظاً على قدر من الانسجام التنظيمي والوضوح الإيديولوجي. ورغم مشاركته في الحكومات المتعاقبة، لم يفقد الحزب هويته اليسارية بالكامل، بل استطاع أن يوازن بين البراغماتية السياسية والوفاء لقيم العدالة الاجتماعية والديمقراطية التشاركية. هذا التماسك جعل البعض يرى فيه آخر قلاع اليسار الديمقراطي، وربما الملاذ الأخير لمن تبقى من اليساريين الباحثين عن فضاء نضالي يحترم الحد الأدنى من الديمقراطية الداخلية.

من منظور غرامشي، يمكن اعتبار PPS نموذجاً لحزب يسعى إلى إنتاج مثقفين عضويين، عبر مؤسساته الفكرية مثل مركز عزيز بلال، في مقابل الاتحاد الاشتراكي الذي فقد هذا الدور بفعل التصدعات الداخلية. كما أن مفهوم الكتلة التاريخية، الذي يشير إلى تحالف طبقي وثقافي قادر على تحقيق الهيمنة الأخلاقية والسياسية، يمكن أن يُستعاد في الحالة المغربية من خلال محاولة PPS استيعاب الطاقات اليسارية المتناثرة وتقديم نفسه كحامل لمشروع يساري متجدد.

2. ترشح مايسة سلامة كسؤال سياسي

يقرّ بعض مناضلي اليسار المخضرمين بأن اليسار المغربي مات ولم يعد له وجود، باستثناء حزب التقدم والاشتراكية الذي يُقال إنه لا يزال يحترم بعض قواعد الديمقراطية الداخلية. وهنا يطرح سؤال جوهري: هل سيصبح هذا الحزب ملاذاً للهاربين من فساد الاتحاد الاشتراكي ومن سياسات إدريس لشكر لمواصلة ممارسة يساريتهم تحت عباءة نبيل بنعبد الله؟ ترشح مايسة سلامة يضع هذا السؤال في الواجهة، إذ قد يرمز إلى محاولة الحزب إعادة تجميع ما تبقى من اليسار تحت رايته.

غير أن مايسة سلامة شخصية معروفة بتقلباتها الفكرية، حيث انتقلت من التعاطف مع الإسلاميين إلى معارضتهم بشدة، وهو ما يجعل ترشيحها سيفاً ذا حدين: قد يضخ دماء جديدة في الحزب، وقد يربك هويته ويعرضه لهجمات إعلامية وسياسية مركزة.

3. المخاطر السياسية المحتملة

يمكن تحديد أبرز المخاطر التي تواجه الحزب بعد هذا الترشيح كما يلي:

خطر الهوية الحزبية: حضور شخصية ذات مواقف متقلبة قد يربك صورة الحزب ويصعب الحفاظ على خطه الأيديولوجي. الاحتمال مرتفع والتأثير كبير.
خطر السمعة الإعلامية: خصوم الحزب قد يستغلون تاريخ مايسة للتشكيك في ثبات الحزب على مواقفه. الاحتمال مرتفع والتأثير كبير.
خطر الاستقطاب الشعبي: قد يجذب ترشح مايسة فئات شبابية جديدة لكنه قد ينفر الناخبين التقليديين. الاحتمال متوسط والتأثير متوسط.
خطر الصراع الداخلي: دخول شخصية إعلامية قوية قد يثير حساسيات لدى القيادات التاريخية. الاحتمال مرتفع والتأثير متوسط.
خطر التحالفات المستقبلية: خطاب مايسة المعادي للإسلاميين قد يحد من مرونة الحزب في بناء تحالفات مستقبلية. الاحتمال متوسط والتأثير متوسط.

4. إدارة المخاطر

تحتاج قيادة الحزب إلى مقاربة استباقية لإدارة هذه المخاطر عبر:

صياغة ميثاق سياسي يلزم جميع المرشحين بخطاب منسجم مع خط الحزب.
استباق الحملات الإعلامية عبر تواصل استراتيجي يشرح أسباب اختيار مايسة.
فتح حوار داخلي مع القواعد لتفادي الانقسامات الداخلية.
تدريب إعلامي للمرشحة لضبط خطابها وتجنب التصريحات المثيرة للجدل.

5. الفرص الكامنة

رغم التحديات، يمثل ترشح مايسة فرصة لتجديد صورة الحزب، وتعزيز حضوره الرقمي، واستقطاب شرائح جديدة من الشباب والفاعلين المدنيين، وربما لعب دور محوري في إعادة تشكيل كتلة يسارية جديدة وفق تصور غرامشي للكتلة التاريخية، بما يعيد الاعتبار للفعل السياسي كأداة تغيير مجتمعي.

خاتمة

انضمام مايسة سلامة إلى حزب التقدم والاشتراكية ليس مجرد ترشيح انتخابي، بل اختبار لقدرة الحزب على أن يتحول من ملاذ مؤقت إلى حامل لمشروع يساري متجدد. الرهان لا يتعلق فقط بإدارة المخاطر السياسية، بل بصياغة مشروع جماعي يستعيد روح بن بركة وعقلانية بوعبيد وحكمة اليوسفي وصلابة علي يعتة ونبل إسماعيل العلوي، ويعيد للسياسة معناها كالتزام أخلاقي ووعي نقدي. فهل يملك PPS اليوم الإرادة والخيال السياسي ليعيد بعث هذا الإرث في زمن التصدعات؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • محمد أيوب
    منذ 3 ساعات

    ماذا بقي من اليسار؟: هءا السؤال اطرحه بعدما اضمحل اليسار ومات منذ اول ضربة معول هوت على سور برلين وكانت بمثابة شاهد وضع على قبره المسكين...مرجعية اليسار تمتح-بصفة عامة-من ماركس وانجلز ولينين وتروتسكي وماو وغيرهم مع تباينات جعلت من اليسار عموما فرقتين:يسار علمي/شيوعي مع تفرعات شتى ماباينة فيما بينها حد التتاقض والتنافر،ويسار ديموقراطي وايضا مع تفرعات كثيرة...مرجعية اليسار بكل تفرعاته تناقض الدين طولا وعرضا، لذلك لا تجد يساري حقيقي يؤم دارا للعبادة خارج بلدنا،وهذا تصرف منطقي،فاليساري يعتقد لزوما بان الدين افيون الشعوب، فهل:"يساريونا"كذلك؟الواقع يقول:لا...وعليه لا مجال لتنزيل مصطلح:"الكتلة التاريخية"على بلدنا لانه لا يوجد عندنا يسار حقيقي باستثناءات قليلة مرتبطة بأفراد وليس باحزاب عدا حزب النهج الديموقراطي...كيف يعقل ان يتراس يساري ينتمي الى حوب يقول بانه شيوعي وفدا رسميا للحجاج(نبيل بنعبد الله)؟اليس في هذا قمة التنافض؟اليس هذا ضربا للمصداقية؟ما انصح به كل رفيق لا زال يؤمن باليسار هو ان يتوب الى خالقه ويراجع مرجعيته قبل فوات الاوان،فاليسار مات،ولم يعد له ما يستنهض به المواطنين الا شعارات تشاركه في رفعها احزاب اخرى يراها هو يمينية ومتناقضة معه بينما يتحالف معهاةفي اول فرصة تلوح له، لكن ليس تحت شعار:"الكتلة التاريخية"،فوضعنا ليس هو وضع ايطاليا زمن طرح هذا المصكلح،بل من اجل نيل حصة معتبرة من الريع السياسي والاقتصادي...