سياسة

مطلب رفع عدد نواب البرلمان يثير انقسام الأحزاب.. والداخلية تبحث عن صيغة توافقية

يعيش المشهد الحزبي المغربي نقاشا محتدما في الكواليس السياسية، بعد تداول مقترحات تهم رفع عدد أعضاء مجلس النواب ضمن المشاورات الجارية مع وزارة الداخلية حول تعديل القوانين الانتخابية استعدادا للاستحقاقات المقبلة في 2026.

وحسب مصادر جريدة “العمق المغربي”، فقد أنهت وزارة الداخلية الجولة الأولى من المشاورات التي فتحتها مع الأحزاب منذ شهر غشت الماضي بشأن مقترحات تعديل المنظومة المؤطرة للاستحقاقات التشريعية القادمة، في انتظار فتح جولة جديدة للحسم في كثير من التعديلات التي ما تزال قيد الدراسة بسبب الخلاف بين الأحزاب، خاصة ما يتعلق بالزيادة في أعداد مجلس النواب والتمثيلية النسائية والتقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع.

إقرأ أيضا: مراجعة التمويل ورفع تمثيلية النساء والشباب.. الداخلية تكشف خارطة التحضير لانتخابات 2026

ورغم أن بعض الأحزاب رفعت رسميا هذا المطلب في مذكراتها الموجهة إلى وزارة الداخلية، معتبرة أن التطور الديمغرافي واتساع الرقعة الترابية للدوائر الانتخابية يفرضان إعادة النظر في عدد النواب الحالي، إلا أن هذا التوجه لا يحظى بإجماع سياسي، حيث تواجهه مواقف رافضة ترى أن الأولوية اليوم هي ترشيد النفقات وتعزيز النجاعة التمثيلية، وليس الزيادة العددية.

وفق معطيات حصلت عليها جريدة “العمق المغربي”، فإن أحزابا من الأغلبية والمعارضة تمسكت خلال آخر اجتماع عقدته مع وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، برفع عدد مقاعد مجلس النواب من 395 إلى ما بين 410 و430 مقعدا، بحجة تزايد عدد السكان وتوسيع الخريطة الانتخابية، خصوصا في المدن الكبرى والمناطق التي عرفت تحولات عمرانية كبيرة.

في المقابل، تتحفظ أحزاب أخرى على هذا المقترح، وتعتبر أن أي توسيع للمجلس يجب أن يكون محكوما بمعايير صارمة ترتبط بفعالية الأداء البرلماني، وليس بمنطق تقني بحت. وذهبت بعض المواقف الحزبية وفق مصادر الجريدة، حد التحذير من أن الزيادة في عدد النواب قد تُفهم على أنها “مزايدة انتخابية” في وقت يشهد فيه الشارع مطالب اجتماعية متزايدة.

ويرى رافضو مقترح الزيادة في عدد أعضاء الغرفة الأولى للبرلمان، أن رفع العدد قد يزيد من الإنفاق العام على البرلمان، ويعقّد آليات اتخاذ القرار داخل المؤسسة التشريعية، خاصة في ظل غياب رؤية واضحة لإصلاح النظام الانتخابي والتمثيلي. ويؤكد هؤلاء أن المطلوب هو تطوير قواعد اللعبة السياسية وتفعيل دور البرلمانيين أكثر من مجرد زيادة عددهم، وذلك استنادا إلى كثير من تجارب برلمانات الدول الديمقراطية.

من جانبها، تتعامل وزارة الداخلية بحذر مع هذا المطلب، في ظل عدم التوافق الحزبي بشأنه. ووفق مصادر مطلعة، فإن الوزارة، التي تشرف على المشاورات حول القوانين الانتخابية، تبحث عن صيغة توافقية ترضي مختلف الفرقاء السياسيين، مع الأخذ بعين الاعتبار التوازن بين العدالة التمثيلية وضبط التكاليف المالية والمؤسساتية.

ولم تُحسم بعد الصيغة النهائية في الموضوع، خاصة أن التعديل المحتمل لعدد النواب يرتبط بإعادة النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية وتوزيع السكان، وهو ورش معقّد يحتاج إلى توافق سياسي واسع، وتحيين للمعطيات الإحصائية والمجالية.

ويرى متتبعون أن النقاش حول رفع عدد نواب البرلمان لا يجب أن يُختزل في الأرقام فقط، بل يجب أن يطرح في إطار إصلاح شامل لمنظومة العمل التشريعي، وتعزيز علاقة المؤسسة التشريعية بالمواطنين، وضمان تمثيلية فعالة وذات مصداقية.

وفي ظل تصاعد النقاش، يُنتظر أن تستمر المشاورات السياسية خلال الأسابيع المقبلة، بهدف الوصول إلى تصور موحد يضمن التوازن بين متطلبات التمثيلية والتدبير الرشيد للمؤسسات.

تدعو مجموعة من الأحزاب، بينها حزب الأصالة والمعاصرة، وبعض أحزاب اليسار مثل الاستقلال والتقدم والاشتراكية، إلى زيادة عدد مقاعد مجلس النواب من 395 إلى نحو 450 أو حتى 495 نائبا، معتبرين أن البرلمان الحالي لا يعكس بشكل كاف التنوع الجغرافي والاجتماعي للمملكة. وترى هذه الأطراف أن رفع العدد ضروري لتعزيز التمثيلية البرلمانية، خصوصا في ظل التوزيع السكاني المتزايد، وتلبية مطالب حضور أكبر للنساء والشباب ضمن الهيئة التشريعية.

واقترح حزب الأصالة والمعاصرة تخصيص 150 مقعداً ضمن لائحة وطنية للكفاءات تضم مختلف الشرائح الاجتماعية، بهدف إضفاء بعد نوعي على التمثيل البرلماني، وتعزيز فرص إشراك الكفاءات المتنوعة. أما أحزاب اليسار فترى أن التمثيل الحالي لا يعكس التنوع الجغرافي والاجتماعي للمغرب، وأن رفع عدد النواب يسهم في تحقيق مبدأ العدالة الانتخابية.

في المقابل، تبنت أحزاب أخرى موقفا متحفظا أو رافضا لفكرة زيادة عدد النواب، مشددين على أن المشكلة لا تكمن في العدد، بل في جودة العمل البرلماني. ويشدد هؤلاء على ضرورة تحسين أداء المؤسسة التشريعية وترسيخ مبدأ المحاسبة والشفافية، بدلا من التركيز على توسيع عدد المقاعد.

هذا الانقسام يطرح تساؤلات حول مستقبل الإصلاح البرلماني في المغرب، وهل سيرتقي التوافق السياسي إلى مستوى تطوير النظام الانتخابي والمؤسساتي، أم ستبقى التعديلات مجرد تحسينات شكلية؟

في ظل هذا الجدل، ينتظر الجميع موقف وزارة الداخلية، التي تتحكم في مسارات الإصلاح، لتحديد ما إذا كانت ستلبي مطلب الرفع، أم ستدعو إلى حوار أعمق يرتكز على رؤية شاملة توازن بين التمثيلية والفعالية.

وأكدت مصادر الجريدة، أن الرهان الآن يبقى على قدرة الأطراف السياسية على تجاوز الخلافات وإيجاد صيغة توافقية تساهم في تعزيز الديمقراطية المغربية، وتحقيق تطلعات المواطن المغربي في برلمان يمثل طموحاته ويخدم مصالحه بجدية ومسؤولية.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *