يحياوي: التظاهرات الشبابية ممارسة للسياسة بكفاية التعاطف لا الإيديولوجيا

أعادت التظاهرات الشبابية، التي شهدتها بعض المدن الكبرى خلال الأيام القليلة الماضية، طرح تساؤلات عميقة في الأوساط السياسية والإعلامية حول طبيعة الحراك الاجتماعي وديناميكياته الجديدة. ففي تحركات بدت عفوية في ظاهرها، ودون تأطير تنظيمي واضح، خرج مئات الشباب إلى الفضاء العام، مما دفع بالعديد من المتتبعين إلى محاولة تفكيك شفرات هذه الظاهرة لفهم دوافعها الحقيقية ومآلاتها المحتملة.
ويرى مراقبون أن هذه الاحتجاجات، التي اعتمدت بشكل كبير على وسائط التواصل الاجتماعي للتعبئة، قد تمثل مؤشرا على تحولات في أشكال التعبير السياسي لدى جيل جديد، يبحث عن قنوات بديلة بعيدا عن المؤسسات التقليدية. فيما يذهب آخرون إلى اعتبارها مجرد ردود فعل متفرقة تفتقر إلى شروط الاستمرارية والتنظيم، التي تميز الحركات الاجتماعية المتكاملة، مشيرين إلى غياب القيادة الواضحة والبرنامج المطلبي الموحد.
وفي خضم هذا الجدل، يبرز سؤال جوهري حول التوصيف الدقيق لهذه التحركات، وما إذا كانت تمتلك المقومات اللازمة لتتحول من مجرد “لحظة احتجاجية” عابرة إلى قوة فاعلة ومؤثرة على الأرض. ويفتح هذا النقاش الباب واسعا أمام تحليل معمق لطبيعة الوعي الذي يحرك هؤلاء الشباب، والبحث في مدى قدرتهم على بلورة فعلهم الاحتجاجي في إطار مستدام قادر على إحداث التغيير.
وفي هذا السياق، قال أستاذ الجغرافيا السياسية وتقييم السياسات العمومية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، مصطفى يحياوي، إن ما شهدنا خلال الثلاثة أيام السابقة لا يعدو أن يكون إلا محاولة تلقائية “جنينية” لتشكل حركة شبابية مدينية حاملة لشعارات تارة متفاعلة مع شكوى مواطنين ومواطنات (مرتفقين) من واقع متردي لخدمات عمومية أساسية (خاصة الصحة) لا ترقى للمستوى الذي يروج له خطاب الحكومة، وتارة أخرى متماهية مع شعار حركة 20 فبراير التي أفرزها سياق إقليمي “ثوري” متحمس لفكرة الحرية والديمقراطية والتي كانت أكثر وضوحا من ناحية المطالب السياسية (عدالة اجتماعية، كرامة، محاربة الفساد).
وأضاف المحلل السياسي ذاته في تصريح لجريدة “العمق” أن خروج مبادرة جيل Z إلى العلن لم يحدث بعد التعبئة الشعبية الكافية لأن يصبح حركة أو حراكا بإمكانه استنهاض فئات اجتماعية أخرى. وأشار إلى أنه بالموازاة مع ذلك، أمكن لهؤلاء الشباب أن يعبروا عن إرادة الدفاع باستماتة عن حقهم في التعبير والاستنكار علانية عن ما يفرزه الفاعل الحكومي من إصلاحات ومن مشاريع غير متناسبة وتمثلهم للحق في التنمية وما تستلزمه المواطنة من خدمات اجتماعية عمومية لائقة.
واستطرد قائلا: “نحن أمام وعي سياسي شبابي يتغذى من فوارة المشاعر التي تولدها مشاهد وأحداث متقاسمة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والذي يولد إحساسا (émotion) بالظلم فينضج هذا الإحساس ليصبح بالتدرج شعورا (sentiment) بعدم الرضا فموقفا ناقدا، مترافعا رافضا للصمت، يبرز علنا عبر خوض تجربة التعبير المتنقل بين المجال الافتراضي والمجال العام الحقيقي، حيث تبدأ مغامرة الدفاع عن الحق في المشاركة في الحياة العامة، أو ما سماه جون جاك روسو حق المواطن في حماية الإرادة العامة باعتبارها قاعدة العقد الاجتماعي. بيد أن ما يميز هذه المبادرة أنها تريد أن تنأى بنفسها على السياسة، إلا أنها تجد نفسها فيها… إنها ممارسة للسياسة بكفاية التعاطف (la compassion comme compétence) بدل كفاية الإيديولوجيا.
اترك تعليقاً