أخبار الساعة، سياسة

في أول خروج إعلامي.. إدريس الراضي يكشف تفاصيل “أراضي الجموع” ويصرخ: “أنا بريء وتعرضت لظلم لا يقبله الله ولا عبده”

إدريس الراضي

خرج البرلماني السابق ورجل الأعمال، إدريس الراضي، عن صمته الطويل ليكشف عن تفاصيل وخلفيات قضيته المتعلقة بالاستثمار في أراضي الجموع بإقليم سيدي سليمان، والتي أثارت جدلا واسعا في الآونة الأخيرة.

وفي تصريح مطول لجريدة “العمق”، قدم الراضي سردا تاريخيا يمتد من عهد الملك الراحل الحسن الثاني إلى سنة 2019، معتبرا نفسه ضحية “ظلم” و”تفسير خاطئ” للقانون، فضلا عن حملة ممنهجة تقودها جهات تريد تشويه سمعته، واتهامه باتهامات لا أساس له من الصحة.

واستهل الراضي حديثه بالعودة إلى فترة الثمانينيات، وتحديدا في عهد “حمودة القايد” عامل القنيطرة آنذاك، عندما أطلق الملك الحسن الثاني مشروعا وطنيا ضخما لتشجير آلاف الهكتارات من الغابات، مشيرا إلى المفارقة التي عاشتها منطقته التي كانت تُصنّف ضمن ما يُعرف بـ “المغرب النافع” لغناها بالخيرات، بينما كان سكانها يُصنفون في المراتب الأولى وطنيا من حيث الفقر.

وقال: “كنت لا أزال صغيرا وأحمل هم هؤلاء الناس. كنت أتساءل: كيف يقولون لنا إننا المغرب النافع ونحن من الأفقر؟”، موضحا أن هذه المفارقة دفعته للتفكير في حلول عملية لتحسين وضعية “ذوي الحقوق”، وهم السكان الأصليون لأراضي الجموع.

وشرح الراضي كيف كانت إدارة “الفورستية” (المياه والغابات) تستغل أراضي الجموع، حيث كان يتم بيع منتوج الهكتار الواحد في المزاد العلني (السمسرة) في القنيطرة أو الخميسات خلال عامي 1991 و1992 بمبلغ زهيد، في حين لم يكن يصل لذوي الحقوق البسطاء سوى مبلغ يتراوح بين 200 إلى 400 درهم للهكتار في السنة.

انطلاقا من هذا الواقع، قال الراضي إنه بادر إلى تشجيع ذوي الحقوق على رفض تسليم أراضيهم للمياه والغابات، واقترح عليهم الدخول في شراكات فيما بينهم أو مع مستثمرين. وأضاف: “قلت لهم شاركوا مع بعضكم، ومن لم يستطع فليشارك مع أبناء عمه. الناس كانوا مقهورين ولا يملكون الإمكانيات”.

وأوضح أن التحول الكبير حدث بين عامي 1982-1983، حين سمح الخطاب الملكي للحسن الثاني بإبرام عقود شراكة بإشراف من السلطات المحلية (القايد والعامل). ويقوم نموذج الشراكة على أن يمنح صاحب الحق أرضه للمستثمر، الذي يتكفل بالزراعة والحرث والحراسة حتى مرحلة الإنتاج. وعندما تصبح الغابة جاهزة، يتم استصدار رخصة من السلطات المعنية، ويتم تقسيم الإنتاج مناصفة بين الطرفين، أو يقوم المستثمر بشراء حصة ذوي الحقوق بثمن يتفقان عليه وديا.

وأكد الراضي أنه انخرط في هذا النموذج “مع مئات الأشخاص” منذ عام 1983، وكان يتم تجديد الرخص كل ست أو سبع سنوات، مما ساهم في تحسين الوضع المادي لذوي الحقوق وخلق نشاط اقتصادي في أراض كانت ستبقى بائرة.

وأوضح الراضي، أن صدور القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية في 9 غشت 2019، والذي أشرف عليه عبد المجيد الحنكاري، عامل مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية، شكل نقطة تحول حاسمة، حيث كان القانون، يهدف إلى تسوية الوضعيات القديمة وجعل هذه الأراضي أكثر إنتاجية.

إلا أن الراضي يفجر مفاجأة بالقول: “المغرب كله تمت فيه تسوية وضعية الشركاء، إلا سيدي سليمان بقيت وحدها. الناس الذين يستثمرون في الغابة مثلي لم تتم تسوية وضعيتهم”.

وتعود تفاصيل الأزمة، حسب روايته، إلى لحظة تقديم شقيقه، كريم الراضي، الذي يحمل تفويضا عاما منه لإدارة شؤونه الإدارية، طلبا للحصول على رخصة قطع الأشجار تماشيا مع القانون الجديد. يقول الراضي: “فوجئنا بردهم الذي أفاد بأن الطلب يتضمن إشارة في خانة تفيد بأننا من ذوي الحقوق”.

نفى الراضي هذا الادعاء نفيا قاطعا، موضحا أن اكتساب صفة “ذي حق” يمر عبر مسطرة معقدة تشمل موافقة القايد والمجموعة النيابية وممثل الوصاية، وهي مسطرة لم يطالبوا بها قط. وتساءل باستنكار: “هل تحولت المياه والغابات إلى محافظة عقارية لتمنحني سند ملكية أرض هؤلاء الناس؟ هل أخي جمع النواب ليقول لهم نريد أن تصبح هذه الأرض ملكنا؟ لم يفعل ذلك”.

ويرى الراضي أن هناك جهات “تبلّغ أشياء غير منطقية” لوزارة الداخلية التي يكن لها “كل الاحترام والتقدير”، معتبرا أن رفض منحه الرخصة بناء على هذا السبب هو “ظلم”، مستشهدا بالحديث القدسي “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي”.

وانتقد الراضي بشدة ما وصفه بـ “الإشاعات” التي تروجها بعض وسائل الإعلام، وذكر على وجه الخصوص خبرا صحفيا ادعى أنه “تم اقتياده في “الفاركونيط” (سيارة الشرطة). وقال بغضب: “أنا لم أذهب لا في فاركونيط ولا غيرها. هذه إشاعة تضر بأبنائي، وما يكتب على الإنترنت اليوم يتبعك مدى الحياة”.

كما وجه انتقادا لاذعا لبعض الممارسين في حقل الصحافة اليوم، الذين لا يتحرون الحقيقة من مصادر متعددة. ووصف من يشوهون سمعته بـ “المرتزقة الذين يخدمون أجندات خارجية”.

ودافع الراضي عن نموذجه الاستثماري، مؤكدا أنه كان شراكة رابحة للطرفين، وليس عملية استغلال. واستدل بفشل الشركات الفلاحية الحكومية سابقا (صوديا وسوجيطا) التي كانت تملك أفضل المهندسين والآليات ورغم ذلك أفلست، بينما نجح المستثمرون الخواص في النهوض بتلك الأراضي وتوفير مناصب شغل كانت على عاتق الدولة.

وانتقد الراضي بشدة مسار المحاكمة والحكم الصادر بحقه، مشيرا إلى أنه لم يحضر أيا من الجلسات “لظروف صحية” وظروف أخرى مرتبطة بأعماله التي يديرها، معتبرا أن الملف لم يكن في الأصل يحمل صبغة جنحية، لكن تم تكييفه كذلك، واصفا الحكم بأنه “اجتهاد من القاضية” وأن تعليلاته تفتقر لأي دليل مادي. وأضاف أن “الحكم فيه أخطاء، وهذه مسائل لم يُنتبه لها”.

واعتبر الراضي أن “قمة الظلم” تكمن في محاسبته شخصيا رغم أنه لم يكن يتابع الملفات الإدارية بشكل مباشر، قائلا: “كنت قد منحت وكالة عامة مفوضة لأخي، ولم أزر أي إدارة أو أحضر أي اجتماع، ورغم ذلك تتم محاسبتي”.

وأشار إلى أن القضية برمتها انطلقت من الشكاية التي قدمها عبد المجيد الحنكاري إلى وزارة الداخلية، معتبرا أن “الداخلية ربما لم تنتبه لطبيعة الظلم في الشكاية”، وأن مجرد ذكر اسم الوزارة في الملف بث الخوف في نفوس المسؤولين، مما أثر على مسار القضية. ورغم ذلك، حرص على تأكيد احترامه لمؤسسات الدولة قائلا: “الداخلية فيها أناس نزهاء، ونحن تربينا على احترام راية بلدنا”.

وعبر الراضي عن ألمه الشديد من حملة تشويه السمعة التي طالته، خاصة بعد تداول الحكم بشكل مسيء على صفحات فيسبوك. وقال بنبرة متأثرة: “تشويه السمعة في مواقع التواصل يبقى طول الحياة. طيلة حياتي، وعمري الآن 67 عاما، لم أخطئ، فلماذا حتى الآن يقال عني فاسد؟ أقول حسبي الله ونعم الوكيل”.

وجدد إدريس الراضي تأكيد اعتزاله التام والنهائي للسياسة، معبرا عن إحساسه العميق بالظلم بالقول: “لقد ظُلمت في بلدي، وما تعرضت له من ظلم لا يقبله الله ولا عبده… أنا بعدت نهائيا عن السياسة، وعاش الملك”، مختتما تصريحه بنبرة تحدٍ وتأثر شديدين، قائلا: “أتحدى أي واحد… صورتي ناصعة البياض، وأنا بريء ثم بريء ثم بريء 500 ألف مرة. اللهم إن هذا لمنكر، حسبي الله ونعم الوكيل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *