وجهة نظر

هل نحن أمام حوار صم بين جيل Z والدولة؟

نحن اليوم في المغرب أمام أزمة اجتماعية، اقتصادية وسياسية، تتجاوز حدود المظاهرات المطلبية لتكشف عن شرخ عميق بين جيلين: جيل وُلد في زمن الرقمنة والذكاء الاصطناعي، وجيل آخر ما يزال أسير لغة السلطة التقليدية، يتحدث بلسان قانوني جاف ويؤمن بأن الشرعية تُصاغ في النصوص والمراسيم أكثر مما تُبنى في الواقع.

جيل Z لا يتحدث فقط بلغة جديدة، بل يفكر بطريقة أخرى. شبابيته مشبعة بخطاب عالمي عابر للحدود، يختزل قضاياه في كلمات و صور بسيطة  لكنها عميقة: التعليم والصحة. هذه المطالب التي تبدو بديهية في ظاهرها، تختزن في العمق كل المعضلات الكبرى: العدالة الاجتماعية، تكافؤ الفرص، والكرامة….

في المقابل، يظهر خطاب الدولة باردًا، محكومًا بقوالب قديمة: نصوص قانونية، خطط قطاعية، استراتيجيات بعيدة المدى ، ولغة تقنية لا تُخاطب الناس بقدر ما تُرضي مهندسي السياسات. وهنا يبرز جوهر الإشكال: الحديث عن السياسات العمومية الرسمية لا يستقيم مع لغة جيل Z. فبينما تُعلن الدولة عن “مدارس الريادة”، أو “المجموعات الصحية الترابية”، يتساءل الشباب بلغة مباشرة: هل المدرسة تعلم فعلاً؟ هل المستشفى يستقبل بكرامة؟.

إننا إذن أمام حوار صمّ. طرف يتحدث بلغة الأرقام والجداول الزمنية، وطرف آخر يصرخ بلغة المعاناة الفورية. الدولة تخاطب مواطنيها بزمن طويل الأمد، بينما جيل Z يعيش زمن السرعة واللحظة: زمن “الآن وهنا”.

وهذا ليس خلافاً تقنياً فحسب، بل صدام لغتين: لغة الإحساس الفوري مقابل لغة الإجراء البطيء؛ لغة رقمية تفيض بالصور والشعارات المختزلة، مقابل لغة رسمية غارقة في المصطلحات البيروقراطية. والنتيجة أن الأرضية المشتركة تغيب، فيتحول الحوار إلى مواجهة معلنة و غير معلنة، تُختزل في الشارع لا في قاعات النقاش تُسعِفها في ذالك وسائل التواصل الاجتماعي.

ومع ذلك، فإن الشباب لا يطلب المستحيل. إنهم لا يطالبون برفاهية أو بترف سياسي، بل بحقوق أولية يفترض أنها أساس أي عقد اجتماعي: تعليم يفتح الأفق، وصحة تصون الكرامة. ومع ذلك، تبدو هذه المطالب “البسيطة” عصية على التحقق، لأن السياسات العمومية، بصيغتها الحالية، تفترض زمناً للتنفيذ لا ينسجم مع الزمن الجديد الذي يعيشه جيل Z.

إن ما يجري اليوم ليس مجرد احتجاجات شبابية، بل إعلان صريح عن انكسار في لغة التواصل بين الدولة والمجتمع. فإذا لم تُبدع الدولة لغة جديدة، تستوعب وعي الرقمنة وتلتقط سرعة التحولات، فإن المظاهرات لن تكون سوى المقدمة لشرخ أعمق. فجيل Z يسائل الدولة اليوم: ما جدوى السلطة إذا لم تضمن التعليم والصحة؟ وما قيمة السياسات العمومية إن ظلت غريبة عن لغة الناس وهمومهم؟

الجواب لن يكون ببلاغ جديد أو بخطة قطاعية أخرى. المطلوب هو لغة مشتركة: لغة تعترف بأن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل تحوّل في الوعي المجتمعي، وأن السلطة لم تعد تقاس فقط بقدرتها على سن القوانين، بل بقدرتها على الإصغاء، والاعتراف، وصياغة المستقبل بشراكة حقيقية مع جيل يعيش بعقلية “الغد الآن”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *