منتدى العمق

لماذا يخرب تلامذتنا جداريات مدارسهم؟

لا شك أن جداريات المدارس تلعب دورًا مهمًا جدًا يتجاوز الزينة والجمال، وإن كان الجمال غاية تُطلب لذاتها، فهي أدوات تربوية وتعليمية تساعد في غرس القيم والمبادئ الأخلاقية بشكل جذاب. كما أنها تعزز التعلم البصري لدى التلاميذ. والأجمل هو أنها أداة نفسية تبث البهجة في نفوسهم وتكسر رتابة البيئة المدرسية لتجعل منها مكانًا محببًا ومشجعًا على التعلم. وهذا يعني أن وجود الجداريات يؤثر إيجابًا في سلوك التلاميذ وبيئة المدرسة بشكل عام. لكن ماذا لو أصبح هؤلاء التلاميذ هم من يخربون جداريات مدارسهم بأيديهم؟ ومع الأسف، اعتدنا أن يمر هذا التصرف دون أي ردة فعل أو وقفة للتفكير والتحليل. مع العلم أن دورنا كتربويين وأولياء أمور يفرض علينا تجنب السطحية، بل دراسة سلوكيات المتعلمين والتقاط الإشارات لفهم الأسباب الحقيقية وراء هذا التخريب دون إغفال البحث عن حلول ناجعة قبل أن نصل إلى مرحلة يصبح فيها التخريب ظاهرة تصعب معالجتها.

من السهل على التلميذ الذي لا يحس بالانتماء لمدرسته أن يخرب ممتلكاتها، فهي بالنسبة له ليست شيئًا يعبر عنه أو يعكس قيمه، بل شيء غريب عنه. وهنا يجب التساؤل: لماذا فقد تلامذتنا ذلك الشعور بالانتماء لمدرستهم؟ ما الذي نقوم به في مدارسنا المغربية لنعزز انتماء تلامذتنا لها؟ التخريب أيضًا هو وسيلة من وسائل التعبير، ربما عن التمرد أو الغضب من المدرسة ونظامها الصارم، أو من المعلمين والإدارة. هذا إن لم يكن تعبيرًا عن السخط من عدم إشراكهم في إنجاز هذه الجداريات، في ظل شبه غياب لاهتمام حقيقي وفعلي بالتربية الجمالية.

فنظامنا التعليمي، وللأسف، لا يولي أهمية كبرى لتعليم الفنون وتعزيز قدرة التلاميذ على التأمل والإبداع وتمييز الجمال، المادة الوحيدة التي تكاد لا تُدرس هي التربية الفنية، وذلك لإدراجها في استعمال زمني تخنقه باقي المواد، ولإسنادها لأستاذ يدرس جميع المواد. كما أنه لا يستفيد من تكوينات في الفنون، يعني أن هذه المادة حتى وإن درست، فهي ستقدم بطرق سطحية لا تنمي في المتعلم تذوقه الفني. كيف لا، ونحن لا نحرص على تكوين أساتذة متخصصين لتدريس هذه المادة؟ كيف لتلميذ أو طالب لا يفهم الفن التشكيلي أن يحترم جدارية؟ كيف له أن يقضي ساعات طويلة في دراسة مواد دون أن تخصص له حصص محددة للفنون، كالموسيقى والفن التشكيلي؟ كيف سيعرف أن الجمال مرتبط بالخير والحق؟ هل لدينا إرادة حقيقية في تكوين تلاميذ متوازنين نفسيا؟ ماذا عن غياب المسرح في مدارسنا المغربية؟

أستطيع أن أؤكد أننا لن نساهم في بناء شخصية متكاملة مبدعة وواعية لتلاميذنا إذا استمرينا في اعتبار التربية الجمالية ترفًا لا ضرورة له. لذلك، فإن التلميذ بتخريبه للجداريات لا يقوم بسلوك عبثي، بل إنه يحاول لفت انتباهنا إلى حاجاته الحقيقية العميقة والمشروعة. فغياب المشاركة في الأنشطة التي تولد له متعة يجعله يحس بالفراغ والملل. وقد كانت لي كمدرسة في أولى سنوات اشتغالي بمنطقة نائية تجربة فريدة مع تلامذتي، حيث أشركتهم في صنع جداريات مدرسية، مما عزز العلاقة بيني وبينهم وخلق التزامًا أخلاقيًا ضمنيًا غير مصرح به بالحفاظ على الجداريات. أي أن المشاركة في هذه الأنشطة وسيلة ممتازة لتذويب الجليد وتقوية العلاقة بين المربين والنشء. قد يخرب التلاميذ الجداريات أيضًا بسبب التقليد الأعمى للرفاق أو بسبب ضغوط اجتماعية يعيشونها في بيوتهم. لذلك، فإن فتح قنوات التواصل بين الأسرة والمدرسة بشكل فعال ضروري لفهم جيد لتلاميذنا. ويبقى الحل الأنجح هو تنمية التربية الجمالية في المناهج والسلوك اليومي. أما عن العقوبات، فيجب أن تكون تربوية وهادفة، مثل تكليف من يخرب بتنظيف وترميم ما أفسده، دون نسيان تعزيز برامج التوعية لحماية الممتلكات العامة.

وأختم بالقول أن تخريب الجداريات ليس إلا رسالة من تلامذتنا و بشكل غير مباشر بأنهم يعانون من نقص في التربية الجمالية وخلل في الانتماء والاندماج داخل المجتمع المدرسي. فطفل اليوم الذي يخرب جداريات مدرسته ولا يحس بالانتماء لها هو مواطن الغد الذي يستمر في تخريب وطنه ولن يحس أبدًا بالانتماء له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *