وجهة نظر

الشباب والتوترات الاجتماعية

تعدّ دراسة التوترات الاجتماعية بمختلف تجلياتها منطلقا أساسيا لفهم التغيرات والتحولات التي تطرأ على المجتمع، سواء الظاهرة منها أو الأقل بروزا على سطح الواقع، كما أنها تمكن من الإحاطة بمختلف أبعاد العلاقة بين المواطن والدولة، من خلال السياسات العمومية أو خطط السلطة ومقارباتها في الضبط التسيير، أو كذلك نظرة المواطن إلى المؤسسات وتقييمه لأدائها. ويمكن القول إن تصاعد مظاهر الاحتجاج والغضب الشعبي تنبئ عن تفاقم الأزمات وانسداد الآفاق، حيث صار معلوما من الأرقام المعلنة أن عدد الاحتجاجات قد تضاعف مع مرور السنوات، ففي المغرب مثلا تشير بعض الدراسات إلى أنّ ما بين سنة 2005 وسنة 2013 أي في ظرف ثماني سنوات فقط، تطور عدد الحركات الاحتجاجية من حوالي 700 في السنة بمعدل حركتين كلّ يوم، إلى أزيد من 20000 حركة في 2013 بمعدل 56 حركة احتجاجية كلّ يوم، وهو رقم بالغ الدلالة.

ولعل أهم ما يبرز للدارس وهو يتناول بالبحث والتحليل أسباب التوترات الاجتماعية وأشكالها وأساليبها وشعاراتها والفئات المشاركة فيها، هو نسبة حضور الشباب وإسهامه بفعالية في مختلف الأشكال الاحتجاجية، مما يدفعنا إلى محاولة تفسير هذا الحضور بأبعاده الاجتماعية والسياسية والثقافية والتقنية.

ـ ولعل أهم عامل يمكن تناوله لتوضيح العلاقة بين الشباب والاحتجاج في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط نموذج المغرب، هو العامل النفسي المرتبط بالسن، والذي يجعل الشباب متميزا بطبيعته المتوترة والدينامية وفورة الاندفاع والنزعة الثورية، وهي عوامل نفسية تجعل الشباب في عمق الحراك الشعبي والتوترات الاجتماعية، وفي طليعة القوى المطالبة بالتغيير.

ـ أما العامل الثاني الذي يربط بين الشباب والاحتجاج فهو وضعية القهر الاجتماعي التي يتواجد بها معظم الشباب في البلدان التي تعرف تصاعدا في نسبة البطالة والفقر والتهميش، وهي أوضاع تصبح في حالة عدم توفير حلول عملية لها من طرف الحكومات المتعاقبة أسبابا رئيسية لانتفاضة الشباب وغضبه.

ـ ومن جانب آخر يمكن اعتبار الطبيعة السلطوية لبعض الأنظمة سببا رئيسيا لانتفاضة الشباب، إذ يرى بعض الدارسين السوسيولوجيين بأن العوامل الاجتماعية مثل الفقر والتهميش ليست كافية لتفسير الظاهرة الاحتجاجية في أوساط الشباب، ذلك أن الطابع السلطوي للنظام السياسي يجعل الحياة متوترة بين الدولة والمجتمع، كما يدفع الشباب إلى الشعور بالاختناق والاحتقان وهو الذي بطبيعته توّاق إلى التحرّر.

ـ وبالعكس من المعطى السابق فقد ألحّ بعض الدارسين على أن الانفتاح السياسي أيضا، الذي يعرف فيه البلد انفراجا نسبيا يؤدي بدوره إلى ازدياد الرغبة في الاحتجاج، حيث يشعر الشباب بحرية أكبر في التعبير عن مواقفه وخاصة منها مواقف التذمر وعدم الرضا عن أسلوب تدبير الشأن العام.

ويعني هذا أن نسبة انغلاق أو انفتاح الحياة السياسية له تأثير كبير على النبض الاحتجاجي للشارع وخاصة لدى الحركات الشبابية.

ـ ومن أهم الأسباب والعوامل المساعدة على انخراط الشباب في الحركات الاحتجاجية المتوترة مسلسل “اللبرلة” الذي يعتمد نهج الانفتاح التام على الليبرالية الجديدة التي تسمى بـ “المتوحشة” والتي أدت وتؤدي بالكثير من البلدان التي تعاني من هشاشة في اقتصادها الوطني إلى تغذية الاحتقان الشعبي.

ـ إلى جانب ما ذكرنا من عوامل وأسباب يمكن الإشارة إلى أن الضعف الكبير للمؤسسات الوسيطة أو للتشكيلات السياسية خاصة الأحزاب وللتنظيمات المدنية ممثلة في الجمعيات، ينجم عنه بشكل حتمي انقطاع حبل الود بين الدولة والشباب والفئات الاجتماعية العريضة، ذلك أن الشباب في أي بلد من البلدان بحاجة إلى وسطاء يخاطبهم ويوصل إليهم رسائله وخطاباته، ويتوصل منهم بتفسيرات وتوضيحات للسياسات العمومية المعتمدة، ولكن عندما يغيب هؤلاء الوسطاء تخلق هوة عميقة بين الشباب والمسؤولين، مما يزيد من الاحتقان ويُسرّع أسباب التصادم.

ـ وقد ينتقل احتجاج الشباب من الطابع السلمي إلى الحراك المتوتر والعنيف، وذلك بسبب ضعف تأطير المجتمع من طرف المؤسسات وقنوات الاتصال والتواصل التي تحتكرها الدولة، حيث من شأن هذا التأطير أن يجعل المطالب وطرق الاحتجاج سلمية في صفوف الشباب، بينما من شأن غياب ذلك التأطير أن تصبح الاحتجاجات درامية، مما يؤدي بالتالي إلى ردود فعل عنيفة من السلطة والقوات العمومية.

وقد يكون من البديهي أن ارتباط الشباب بالتوترات الاحتجاجية قد جعله أكثر بروزا عامل آخر هو التطور التقني للعالم الرقمي، إذ أصبحت التكنولوجيات الجديدة من أهم وسائل التعبئة الجماهيرية في عصرنا، مما انعكس بشكل كبير على أساليب الاحتجاجات وطرق تنظيمها وتدبيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *