الوثيقة المطلبية لجيل Z، بين بساطة الديباجة و عمق المحتوى

بعد خمسة أيام من بداية “الحراك الشبابي”، حراك جيل Z و بعد إحتجاجات سلمية إلا من بعضها، تلك التي زاغت عن سلميّتها و أدت للأسف إلى وفيات ثلاث و إصابة كثير من رجال القوات العمومية و الشباب المتظاهر و إلى تخريب الممتلكات العمومية و الشخصية، أجمعت “قيادة” هذا الحراك، و التي لا نعرف مكوناتها بشكل أدق، على صياغة وثيقة مطلبية تم توجيهها مباشرة إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وثيقة إبتدأت بالبسملة و وُجِّهت كما هو مكتوب، إلى “صاحب الجلالة الملك محمد السادس أمير المؤمنين حفظ الله مقامه العالي”.
بداية بدلالات قوية و واضحة. صيغة مقدمة الوثيقة، في إعتقادي، وجهت رسالتين إثنتين. أما الرسالة الأولى فمفادها أن من وراء هذا الحراك هم ملكيون متشبتون بملكهم و بإمارة المؤمنين الضامنة و الجامعة و الملجأ حين يكون هناك كربٌ و ضيقٌ كنِتاجٍ لسياسات عمومية المسؤول عنها أولا و أخيرا هي الحكومة بكل تكويناتها. الرسالة الثانية أن هذا الحراك الشبابي حراك بسياق داخلي خاص و غير متأثر بالخارج و حدد سقفا للمطالب بشكل أولي و من يريد الإنخراط في هذا الحراك عليه الإلتزام بهذا السقف. و أقول لمن يريد أو يحاول أن يجد رابطا لما يقع و ما وقع في 2011، أن لكل حراك نسقه و خصوصيته و أولوياته. سقف 2011 كان ضبابيا و مكونات الإحتجاج غير متجانسة و القرارات غير مُلزِمة.
ديباجة الوثيقة المطلبية بسيطة من حيث إختيار كلماتها و هي تعكس البرغماتية و الخطاب المباشر دون المنهجيات التقليدية التي تفرضها صياغة الخطابات السياسية.
ذكرت الوثيقة بالحقوق التي يكفلها دستور 2011 بإعتبارها إنجازا مهما و خصوصا عبر إقرار ربط المسؤولية بالمحاسبة و التي، حسب الوثيقة، لم يتم تفعيله على أرض الواقع و من خلال “الممارسة اليومية”.
الوثيقة حددت ثمانية مطالب مع الحرص على تأسيس هاته المطالب على مبادئ دستورية إنسجاما مع مدخل هذه الوثيقة و ضمانا أكثر لشرعيتها و مشروعيتها القانونية.
هذه المطالب الثمانية يمكن قراءتها على أربعة مستويات:
1. إقالة الحكومة
2. محاربة جميع أشكال الفساد
3. حرية التعبير و الإحتجاج و الإفراج عن معتقلي الرأي
4. الدعوة إلى حوار وطني تحث إشراف الملك.
“إقالة الحكومة الحالية”، و ذلك “إستنادا للفصل 47 من الدستور” تعتبر المطلب الأول و الرئيسي لجيل Z و هذا كان منتظرا بإعتبار أن الشعار القوي الذي رفع في الخرجات الإحتجاجية هو إقالة حكومة أخنوش كمسؤولة عما يقع في المغرب من بطالة و إفلاس للتعليم و للصحة و “لفشلها في حماية القدرة الشرائية للمغاربة و ضمان العدالة الاجتماعية”.
محاربة الفساد مطلب أساس في وثيقة جيل Z بضرورة تفعيل الآليات القانونية لمحاسبة الفاسدين و ناهبي المال العمومي و المستفيدين من الإثراء الغير المشروع. كما طالبت الوثيقة بحل الأحزاب الفاسدة و التي أسهمت في خلق شبكات للريع و الإمتيازات النخبوية ضاربة عرض الحائط لمبدأ المساواة و تكافؤ الفرص لضمان حقوق المواطنة من تعليم و صحة و شغل و عيش كريم.
لم تغفل الوثيقة الحقوق المدنية عبر المطالبة ب”تعزيز حرية التعبير و الحق في الإحتجاج السلمي” مع التأكيد على شجب و إستنكار أعمال التخريب و الإعتداء على الممتلكات الخاصة و العامة.
فيما يتعلق بضمان الحق في الإحتجاج السلمي و المحاكمة العادلة، طالب جيل Z بضرورة “إطلاق سراح جميع المعتقلين المرتبطين بالإحتجاجات السلمية” و “الإفراج عن كافة معتقلي الرأي و الإنتفاضات الشعبية و الحركات الطلابية”. تلك مطالب بحمولات سياسية تعبيرا لمبدأ البناء الديمقراطي الذي أصبح من الثوابت الأساسية الوطنية.
كمطلب ثامن و أخير، حددت الوثيقة آلية لأجرأة و تنزيل مطالبها عبر عقد “جلسة وطنية علنية للمساءلة” يترأسها “جلالة الملك بصفته الضامن لوحدة الأمة و إستقلال السلطة القضائية”.
في ختام الوثيقة أكد من صاغوها، مخاطبين مباشرة جلالة الملك، فَقْدَ ثقتِهم في كل الوسائط السياسية من حكومة و برلمان و أحزاب. خاتمة جلدت كل المؤسسات الوسائطية و تحميلها لما آلت إليه الأوضاع التي كانت الشرارة في الإحتقان و الخروج إلى الشارع بعد تجاهل لكل المؤشرات و الإشارات التي كان من الممكن تلقيها و تجنيب البلد لما يعرفه خلال أيامنا هذه.
الوثيقة المطلبية تعبير عن سخط شريحة مهمة من الشباب المغربي على السياسات العمومية للحكومة الحالية. سخط بدأت مؤشراته منذ مدة. أحداث تطوان و سلا و ما رافقهما من عنف و عنف متبادل كانت كفيلة لكي تتحرك الحكومة التي إستقوت بعددها و عدتها و هيمنتها على البرلمان و الجهات و المدن و المجالس. هيمنة لم تفلح في إيجاد حلول لأكثر من أربعة مليون شابة و شاب بدون شغل و تكوين و تدريب. قنبلة بشرية ساخطة تتحرك في فضاء دون حدود و حاضر و مستقبل. حكومة غير شعبية و مكوناتها ليست من جلدة السواد الأعظم من الشعب. حكومة وقودها ناس يقدسون المال و الأعمال و رجال الأعمال و لغة و أماكن عيش من إغتنوا و إنسلخوا عن معاناة المغربي. حكومة لا تعرف كيف تخاطب المغاربة. تخاطبهم “بعرنسية” مُقززة و مستفزة و كأن الخطاب السياسي الممزوج ببعض كلمات موليير “هيبة” و ترقي إجتماعي.
رد الفعل كان قويا و عفويا و مؤلما. عندما يطالب جيل Z بإلغاء الوسائط كرها لها و سخطا على تواجدها، فهذا إفلاس في المؤسسات و ردة في الإنتقال و البناء الديموقراطي و كأننا نرجع إلى نقطة الصفر في ترسيخ مبادئ الديمقراطية و الحرية.
الرسالة وصلت و آن الأوان لتحمل المسؤوليات و الضرب من حديد على كل من يحمل معاول هدم الإستقرار كيفما كان موقعه لأن الإستقرار السياسي بالمغرب كلفنا كثيرا من التضحيات و الإمكانات. معاول هدم بناء مغرب الإنجازات تحت قيادة الملك محمد السادس الطامح في جعل هذا البلد في مصاف بلدان الرخاء الإقتصادي و الإجتماعي و هو الذي يتوفر على كل مقومات ذلك شريطة وجود نخبة سياسية “عندها الكبدة على بلادها” و عدالة مجالية ضامنة لتوزيع عادل للثروات على الجميع دون حيف أو جور، و محاسبة الفاسدين و المفسدين و محاربتهم و معاقبتهم صيانة لكرامة الشعب و تقوية تماسكه خصوصا و أن كثيرا بين ظهرانينا من يريد شرا و كيدا لنا. الفساد السياسي خيانة للوطن و للملك
اترك تعليقاً