منتدى العمق

مـن روائـع العـربـيـة.. الطل و الوابل

إن من البيان لسحرا، فإدراك ذلك السحر يتوجب الحذق بلسان العرب و فصيح كلامهم ومعرفة أسرار مقاصدهم وغاية معانيهم وفرائد أدبهم في الأمثال و الحكم؛ ثم أ ليس في عي اللسان، و رداءة البيان مذمة واضحة، و تأنيبا شنيعا؟ يقول تعالى في هذا المعنى: “أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين”

اُنظر إلى دقائق المعاني: فالمطر الضعيف غير القوي، أضعفه الطل، و أشده الوابل، جاء في الآية 265 من سورة البقرة: “كمثل جنة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل”؛ مثل النفقة في نمائها عند الله، كبستان بمكان مرتفع؛ لأن الشجر فيه أزكى و أحسن ثمرا، فلما أصابه المطر العظيم القطر أصبحت ثمراته ضعفين، فإن لم يصبه غير مطر لين ضعيف يكفيه لكرم منبته، وكما أن كل واحد من المطرين: الوابل أو الطل يضعِّف أكل البستان فكذلك نفقتهم كثيرة أو قليلة بعد أن يطلب بها وجه الله زاكية زائدة في زلفاهم عنده. وفي هذه المعاني الدقيقة من السحر و الروعة ما لا يخفى…

و ينصرف استعمال الوابل إلى معاني متعددة تفهم من السياق كإفادة السخاء و الكثرة و الغزارة و الشدة و العاقبة و مغبة الأمر. يقول الشاعر :

“هو الجواد بن الجواد بن سبل 🟔 إن ديموا جاد و إن جادوا وبل”

ينفق بسخاء و كثرة و زيادة فهو رجل وابل في العطاء جواد سخي. أما قولهم: “أمطره بوابل من الشتائم”؛ أي سيل منها، ما يفيد الكثرة. ومنه أيضا: “أمطره بوابل من الرصاص”؛ أي طلقات عديدة. و “مدينة تحت وابل من النيران”؛ أي تحت هجوم كاسح لا يبق و لا يدر. “فأخذناه أخذا وبيلا”؛ أي شديدا. “فذاقوا وبال أمرهم”؛ أي عاقبة و مغبة أمرهم، وهي الخزي في الدنيا و العذاب في الآخرة. و أمام سحر هذه اللغة، و دقة معانيها لا أملك إلا أن أردد مع الشاعر :

“لا تــلــمــنــي فــي هــواهــا 🟔 أنـــا لا أهــــــوى ســـــواهــــا
لــســت وحــدي أفــتــديـــها 🟔 كــلــنـــا الـــيــــوم فـــــداهــــا”

و كــل عــام و لـغـتـنـا الـجـمـيـلـة بـألـف خـيـر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *