منتدى العمق

البطالة بالمغرب.. قدر إلهي محتوم أم سياسة حكومية فاشلة؟

في ظل سياسة الأذان الصماء ، والوعود الإنتخابية الجوفاء ، أصبحت مسألة التشغيل والتوظيف من بين أهم القضايا التي تقف عائقا أمام تفعيل و ترسيخ مضامين النموذج التنموي الجديد بمغرب اليوم ، الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل حول مدى فعالية الاستراتيجيات التي تعمل بها الحكومة للحد من تفاقم ظاهرة البطالة .

ومن جهة أخرى يبدو لنا جليا مدى غياب مبدأ تكافؤ الفرص في توزيع مباريات الوظيفة العمومية ، أو في شروط الولوج إليها ، كما هو الحال بالنسبة لمباراة التعليم ، والتي تم بموجبها إقصاء خيرة الكفاءات المغربية بسبب الشروط القاسية التي فرضتها الحكومة الحالية .

فقد فضل حزب الحمامة أن يحلق عكس سرب النموذج التنموي الجديد ، وأن يغرد خارج امال وانتظارات الشباب المغربي ، متبعا في منهجية التوظيف وضعية ( سرير بروكرست ) التي تفصل فيه مقاسات الوظائف على حساب بتر إرادة الشباب الطلابي العاطل .

تحت هاته الظروف ، أصبحت إشكالية التشغيل رهينة بشروط تفتقر للعقلانية والتدبير الواقعي ، الشيء الذي ساهم في ارتفاع معدل البطالة في صفوف خريجي الجامعات من ذوي الشهادات العليا بشكل ملحوظ .

وقد تبين ذلك في التقرير الذي أعده المجلس الاقتصادي والإجتماعي والبيئي سنة 2019 ، حيث أكد على أن فئة حاملي الشهادات هي الأكثر عرضة للبطالة ، خاصة خريجو الجامعات الذين تبلغ نسبة البطالة في صفوفهم 25.7 في المائة ، وخريجو التكوين المهني الذين تتراوح نسبة البطالة في صفوفهم ما بين 21 و24 في المائة حسب مستوى التأهيل . ولعل الأسباب الكامنة وراء هاته النسب المقلقة تكمن بالأساس في قلة فرص العمل وانخفاض جودته ، وعدم قدرة سوق الشغل المغربي على إدماج فئة عريضة من الشباب ، إما نتيجة لضعف تكوينهم أو لعدم ملائمة تكويناتهم مع متطلبات سوق الشغل . وكل هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى نوع من الهزيمة النفسية التي تتولد في نفوس الشباب الطلابي و التي تعطل معها بالتالي كل رغبة في الفعالية والبناء والتجديد داخل المجتمع.

إن تحقيق الديناميكا الاجتماعية وخلق النموذج التنموي المتسم بالفعالية والجودة والإستدامة ، رهين بتوفير الشرط الوجودي في عملية التشغيل ، حتى يتمكن الأفراد من تلبية حاجاتهم أولا وتحقيق ذواتهم ثانيا ، ذلك على اعتبار أن الفرد في نهاية المطاف هو فاعل في العملية التنموية ومستفيد منها في نفس الوقت ، فمن حقه أن يستفيد من ثمار كدحه ، وأن يحس بقيمة وجوده وانتمائه لمجتمعه معنويا وماديا ومؤسساتيا.

لكن الإشكال ليس في مسألة الإستفادة من ثمار التنمية وعائد الشغل فقط ، بل في إمكانية توفير الدولة لهذه الشروط التي يلبي فيها الأفراد حاجاتهم المادية والنفسية ، فالطالب المغربي اليوم ، لا يرى أصلح من الوظيفة العمومية الرسمية التي تخول له ضمان مستقبله بنوع من الاستقرار النفسي والمادي .

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا ترسخت فكرة الوظيفة العمومية في ذهنية الشباب الطلابي كعامل ضامن لإستقرارهم الوجودي بالمجتمع ؟

ذلك لأن واقع القطاعات الخصوصية لا يبشر بالخير ، ولا يضمن الاستقرار المادي والنفسي للأفراد ، ولهذا لا يمكن للدولة أن تعيد صياغة هذه التمثلات ما لم توفر نفس الشروط النفسية والمادية التي تحظى بها الوظيفة العمومية ، وتعممها على كل القطاعات الخصوصية الأخرى، وأن تلزم بها كل الشركاء من المؤسسات الحيوية الأخرى التي تشكل عناصر فاعلة في مسار التنمية بالمجتمع المغربي.

ومن وجهة نظر سوسيولوجية ، نرى أن تشبع العقل المغربي الشاب بفكرة الوظيفة العمومية كنوع من الخلاص النفسي والمادي ، أصبحت جزءا من الثقافة الشعبية التي تتداولها الألسن بعفوية تامة أثناء النقاش ، فترى الطالب المغربي يردد في كل لحظة إنهزام وخوف من المستقبل عبارة ” ضروري خص نحط رجلي فالدولة باش نرتاح ” ، وكأن مسألة التشغيل تقتصر فقط على مسألة التوظيف العمومي ، حتى خلقت بشكل غير مباشر لفظة ( العمومي والخصوصي ) كدلالة رمزية على التفاوت الحاصل بينهما في الشروط الوجودية ككل.

وهذا من شانه أن يولد بالمجتمع ، جيلا متهاونا من الشباب الطلابي الذين يريدون العمل في القطاع العام لا من أجل المبادرة والتضحية والجدية ، وإنما من أجل ضمان مقعد يؤمن لهم الراحة فقط ، دون إحترام معايير الإلتزام العملي الذي يفرضه الضمير الأخلاقي.

إن المسألة هنا مسألة ثقة قبل كل شيء ، إنها قضية العقد الاجتماعي المبني على قاعدة الحقوق والواجبات ، واجبات الأفراد التي يجب أن تستعيد فعاليتها ، والحقوق التي يجب أن تعمل الدولة على بعثها مجددا في الجسد الاجتماعي بشكل ملموس وصريح.

ولذلك يجب أن تعمل الحكومة على إعادة كسب ثقة مواطنيها من جديد لأن إشكالية غياب الثقة في مؤسسات الدولة يمكن أن تخلق تذبذبا في روح المواطنة لدى الشباب بالخصوص ، وهو ما نبه إليه ملك البلاد في الخطاب الذي وجهه للأمة المغربية بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش ، حيث أوصى بضرورة توطيد الثقة والمكتسبات ، لكونها أساس النجاح وشرط تحقيق الطموح . ثقة المواطنين فيما بينهم وفي المؤسسات الوطنية ، والإيمان بمستقبل أفضل.

إن الدولة مطالبة اليوم بجميع مؤسساتها أن تعيد خلق عقد إجتماعي جديد بينها وبين الشباب المغربي ، خاصة الشباب الطلابي من حاملي الشهادات الجامعية الذين يعانون كل يوم من شبح البطالة.

إن هذا العقد الاجتماعي يجب أن يتم في جو من التبادل المعنوي الذي يكون أساسه الثقة المتبادلة بين السياسي والمواطن المغربي ، والذي يستدعي من الجهات المسؤولة أن تلتزم بقاعدة إجتماعية كونية أساسها : الإنصات والتوجيه والتكوين والإشراك والإدماج . فكما جاء على لسان ملك البلاد في خطابه للإمة أثناء إفتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة أن المغاربة اليوم يحتاجون للتنمية المتوازنة والمنصفة التي تضمن الكرامة للجميع وتوفر الدخل وفرص الشغل ، وخاصة للشباب، وتساهم في الإطمئنان والإستقرار ، والإندماج في الحياة المهنية والعائلية والإجتماعية ، التي يطمح إليها كل مواطن ، من أجل تحقيق طفرة تنموية يكون عمادها الشباب المغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *