وجهة نظر

الريسوني .. رجل المرحلة وخطاب “20 غشت”

الريسوني وشبيبة العدالة والتنمية

هناك ملاحظات أولية يجب بيانها في مقدمة هذا المقال قبل الدخول في تفاصيل “تصريحات” د. أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لموقع “بلانكا بريس”، يوم 29 يوليو 2022، حول موضوعات ذات طابع سياسي وجيوسياسي واستراتيجي متعددة الأبعاد، وهي ملف الأقاليم الصحراوية المغربية ومنطقة تندوف والمحتجزين فيها، وملف موريتانيا واستقلالها وسيادتها الوطنية:

أولا، أن “الكلمة” مسؤولية شرعية وسياسية توزن بآثارها وعواقبها قبل إلقائها، فكيف بالريسوني الفقيه المقاصدي والأكاديمي ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يجري على لسانه كلما جال في خواطره دون حساب العواقب، وهو كذلك منذ بداية خرجاته وكتاباته الإعلامية، فيثير زوابع وأزمات ويحدث بهذه التصريحات والمواقف، حتى عن غير قصد، “مفاسد” تطال شعوبا ومنطقة بكاملها، بل ويقحم فيها اتحادا عالميا لعلماء المسلمين يرأسه، اتحاد تدعمه دول وتنظيمات، قطر وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين، لها أجندات وحسابات سياسية وجيوسياسية تعمل لتحقيقها في العشرية الحالية.

ثانيا، أن طبيعة تصريحات الريسوني وأفكاره وآراؤه “العفوية والشفوية غير مكتملة البيان”، بحسب تعبيره في التوضيح الذي نشر في موقع الاتحاد عقب عودته لقطر، تجد لها جذور في ثقافته “الإخوانية” والتي تتسم بـ “التبسيط” و”السطحية” في أمور سياسية معقدة، وهو ما تأكد في تعاطي هذه المدرسة الفكرية والحركية والتنظيمية مع أحداث الربيع العربي وقبله وبعده في مصر وليبيا واليمن والأردن وتونس والجزائر، وكان لها تأثير كبير على العقل الحركي الإسلامي المغربي أيضا، خاصة الفصائل التي توحدت وانصهرت في مشروع حزب العدالة والتنمية وفي حركة التوحيد والإصلاح.

ثالثا، أن الشخصية الانقيادية التبسيطية يتم دائما توظيفها بسهولة لسذاجتها وفقدانها للحنكة السياسية وتعقيداتها، كما أنها لا تصدر رأيا شرعيا واضحا وصريحا حينما يتطلب الموقف ذلك، مثل مسألة التطبيع وموقف الشرع من المطبعين، وتكتفي ببعض التوليفات والتعبيرات الفضفاضة العائمة تجنبا لغضب السلطة، وهي صفة في المدرسة الإخوانية.

رابعا، أن تصريحات الريسوني الأخيرة مسجلة وموثقة ولا مجال للادعاء بأنه تم تأويلها تعسفيا أو بنية مغرضة أو أسيء فهمها، وهي تصريحات توثق ضعف الرجل في الشؤون السياسية وفي فهم الصراعات الجيوسياسية وأبعادها الإقليمية والدولية، ولا يلغيها التوضيح الذي أعقبها.

ها هو الريسوني يفجر اليوم، كعادته، أزمة مجانية عابرة للحدود، في حوار مع صحافي مغمور، تطايرت شظاياها في الاتجاهات الأربعة لتشعل حريقا في جسد الشعوب العربية المكلومة، وذلك عشية خطاب عيد العرش الملكي الأخير الداعي لفتح صفحة جديدة مع الجزائر وبين الشعبين المغربي والجزائري، وفي ظرفية لازالت دماء شهداء الاعتداء الصهيوني على شعبنا في غزة الأبية وفلسطين المجاهدة لم تجف بعد، وفي سياق حالة الاحتقان القصوى والانسداد داخل المجتمع المغربي والنقاشات في دائرة السلطة الضيقة ومستقبلها، كما تتابعه وتتناوله وسائل التواصل الاجتماعي، وفي حالة أزمة دائمة بين الرباط وكل من الجزائر ونواكشوط، فماذا يريد الريسوني من وراء هذه الزوبعة وفي هذا التوقيت؟ ولصالح من هذه التصريحات الخاطئة بمقاييس السياسة والشرع والحاضر والمستقبل والشعوب؟

إن الريسوني واحدا من ثلاثة رجال: إما هو رجل أجرت، بعلمه أو بغير علمه، على لسانه جهات عليا نافذة هذه التصريحات عشية الخطاب الملكي لعيد العرش، تصريحات وجدت في نفسه، شيئا مما يؤمن به تاريخيا كما قال في حواره بأنه على “فكرة علال الفاسي حول المسألة الموريتانية”، في هذه الظرفية الدقيقة والحساسة لحسابات جيوسياسية، مما قد يعتبر تصعيدا استباقيا موازيا لما سيأتي في خطاب الملك خلال مناسبة عيد العرش من تودد ودعوة للجزائر لإنهاء القطيعة بين البلدين، أو هو رجل يتحرك في إطار أجندة عالمية من داخل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بدعم من قطر وتركيا، لخلط الأوراق بين الأنظمة المغاربية، خاصة وأن الريسوني خاطب في تصريحاته الشعوب وهي وقود ثورات الربيع العربي عام 2011، لتسقط ما سماه بـ “الصناعة الاستعمارية” وورثتها الحاليين في الصحراء وتندوف وموريتانيا خلال العشرية الجارية، 2021-2031، خاصة وأن التربة الاجتماعية والوعي الجمعي والغضب النفسي مهيأة للانفجار مرة أخرى وبشكل أقسى وأكبر؟ هناك تقاطع موضوعي بين تحركات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المدعوم من تركيا وقطر من جهة، وبين مخططات الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية من جهة أخرى، وبين هذان الطرفان وبين القوى العالمية الصاعدة من جهة ثالثة، روسيا والصين تجاه المغرب العربي كمنطقة احتياطية وهشة بعد الفوضى التي عمت منطقة الشرق العربي.

وقد يكون الريسوني نوعا ثالثا من الرجال، لا هو وسيلة وظفت من قبل جهات عليا نافذة، ولا مبادرة ضمن تحرك إخواني دولي لتجييش الشعوب وإفساد العلاقات بين أنظمة المغرب العربي، المغرب والجزائر وموريتانيا نموذجا، وإنما هو، بكل بساطة، عبر عن رأيه وأفكاره، بـ “عفوية وشفوية وبشكل غير مكتمل البيان”، حسب تعبيره في التوضيح الذي نشره في موقع الاتحاد غداة عودته للدوحة، كباحث انطلاقا من التاريخ والحضارة بدون أي حسابات سياسية ضيقة كما فعل من هاجموه، حسب قوله، وكرر نفس الكلام مع بعض الاستدراك بشأن قضية موريتانيا والزحف إلى منطقة تندوف لتحرير المغاربة المحتجزين هناك، دون ذكر “الجهاد بالمال والنفس” للتحلل من تهمة التحريض على “الإرهاب” كما فعل خصومه. فهل يعقل أن “عالما” و”فقيه المقاصد” ورئيس اتحاد عالمي لعلماء المسلمين بهذه “السذاجة” السياسية، في مسائل بين دول في غاية التعقيد والحساسية؟ ثم أليس الحديث في مثل هذه القضايا الخطيرة حديثا سياسيا استعصت على دول لعقود ولازالت، فيأتي “فقيه المقاصد” ليفسد الأجواء زيادة في المنطقة كلها والعالم العربي والإسلامي كما شهدنا ذلك في وسائل إعلامية كثيرة ويثير زوبعة داخل اتحادات العلماء في كثير من الدول بما في ذلك الاتحاد الذي يرأسه.

الغريب في الأمر والملفت للنظر هو أن ينشر الريسوني “توضيحاته” و”استدراكاته”، “بطلب من بعض الإخوة الأعزاء، الناصحين المخلصين”، بتعبيره، وليس مبادرة منه “دفعا للبس والتأويل”، في موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علما بأن علي محيي الدين القره داغي، أمين عام الاتحاد، العراقي-القطري الجنسية، كردي انفصالي طامع في كرسي الرئاسة، خرج في “تصريحات” متملقة ومداهنة للنظام الجزائري يبكي شهداء “تندوف الحبيبة” والجزائر ويذكر “بمناقب” الجزائر في الدفاع عن قضايا الأمة وفلسطين، وعد بأن الريسوني سيقدم “اعتذارا”، بل زعم هذا الانتهازي، وما أكثرهم، بأن الريسوني لن يترشح لولاية ثانية على رأس الاتحاد، إلا أن الريسوني، فور عودته للدوحة بعد “الفوضى” التي فجرها من المغرب، مما يدل بأنه ليس من الوارد أن يتخذ “علماء الاتحاد” في قطر أي قرار أو موقف من تصريحات الريسوني.

سؤال: لماذا اختار الريسوني المغرب وعشية خطاب العرش ليطلق هذه “الحرب” الكلامية ويلغم المنطقة والبلاد العربية كاملة وليس قطر؟ أدعو الريسوني، إذا كان من النوع الثالث من الرجال ويحمل هذا الوعي والحلم والمشروع أن يغادر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عند أول محطة قادمة، ويتفرغ لهذا المشروع من بابه الشرعي وليس السياسي.

وللعودة “لآراء وأفكار” الريسوني، خلال حواره مع موقع “بلانكا بريس”، حيث فتح ملف الصحراء والمغرب التاريخي على مصراعيه، ليبرر استرجاع موريتانيا بدعوى البيعة التي دفع بها المغرب لدى محكمة العدل الدولية عام 1975 لتأكيد مغربية الصحراء، وهي البيعة، برأيه، التي كانت قائمة بين أهل شنقيط وسلاطين المغرب على مدى قرون، نقول للفقيه الريسوني ما هو تأصيلك لمسألة البيعة الشرعية بين ممارستها في العهد النبوي والراشيدي وبين ممارستها بين السلاطين والملوك والرعايا في مختلف الأمصار تحت الحكم العاض والجبري منذ سقوط الخلافة الراشدة؟ هل تتمتع هذه البيعة بنفس الشرعية والشروط وبأنها واجبة الاتباع والولاء شرعا على كل مسلم وفي كل زمان؟ لا يمكن التعامل مع تصريحات الريسوني من المغرب على أنها، كما قال، “شفوية وعفوية وغير مكتملة البيان” أو مجرد “زلة لسان” غير محسوبة. إن إصراره على مواقفه في التوضيح تؤكد بأن الريسوني يعي ما يفعل وما يقوم به.

على صعيد آخر، يعتقد الكثير من الباحثين والعاملين في مجال الدعوة والحركة الإسلامية بأن جماعة الإخوان المسلمين لم يكن لها وجود بالمغرب، نعم لم يكن لها امتداد تنظيمي على غرار فروعها في البلاد العربية والإسلامية وأوروبا وأمريكا، ولكن كان لها ولازال امتداد فكري ساهم في صناعة العقل الحركي والاجتهاد الفقهي والطرح السياسي الذي تبنته جل التنظيمات الإسلامية بعد محنة حركة الشبيبة الإسلامية عام 1975، وإجهاض مشروعها الدعوي في المغرب وذهاب ريحها وتشتت قوتها بين تنظيمات عدة، وكان الأكثر تمثيلا وتقليدا للفكر “الإخواني” ولخطه السياسي “التعايشي” و”التبسيطي” الذي لا يجد حرجا شرعيا وسياسيا في التعامل مع أنظمة لا علاقة له لا بالشرع ولا بالديمقراطية ولا بدولة الحق والقانوني، هي الجماعة الإسلامية بقيادة عبد الإله بنكيران، أسست عام 1986، ثم تحولت لحركة الإصلاح والتجديد عام 1988، ثم إلى حركة التوحيد والإصلاح عام 1996 بعد الوحدة التي كونتها مع رابطة المستقبل الإسلامي بقيادة أحمد الريسوني، ثم انتهى هذا “التجميع” إلى إدماج جزء كبير من قيادات وأبناء الحركات الموحدة في حزب عبد الكريم الخطيب، الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، سليلة حركة المخزن الشعبية، عام 1957، وحليفة “الفديك”، عام 1963، لتنشق عن الحركة الأم عام 1967، وتدخل في سبات سياسي لثلاثة عقود، وتبعث من الرماد لإستقبال الإسلامين في رحمها، وتتحول إلى حزب العدالة والتنمية عام 1998.

ولقد رافق هذا الاختراق الفكري والفقهي دعوة العديد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في المشرق العربي للمشاركة في فعاليات نظمت بالمغرب، الدروس الحسنية والجامعة الصيفية والمنتديات الفكرية خلال العقود الأربعة من القرن الماضي، كان من بينهم توفيق الشاوي، كان مستشارا لعبد الكريم الخطيب في البرلمان وأستاذا بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس وقاضيا بالمحكمة العليا منذ فجر الاستقلال، ويوسف القرضاوي وصالح أبو رقيق ومصطفى مشهور وعمر التلمساني من مصر، وعمر بهاء الدين الأميري من سوريا ومحمد محود الصواف من العراق، فعاليات وندوات كان يرعاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأسبق عبد الكبير المدغري وعبد الكريم الخطيب، لعبت دورا محوريا في صناعة فكر وعقل أجيال من أبناء الحركة الإسلامية ثم دمجهم، بعد محنة الشبيبة عام 1975 وشتاتها، في النسق السياسي الرسمي تحت إشراف وزارة الداخلية والأوقاف.

إن ما يجري اليوم، وقد كشفت تصريحات الريسوني بعضا منه، أن ما صرح به من المغرب ليس مجرد زلة لسان أو حالة انفعال أو كلام مرسل أو، كما قال في توضيحه بعد ذلك من الدوحة، بأنها آراء “غير مكتملة البيان”، وإنما هو عنوان مرحلة مشحونة بالصراعات حول البلاد العربية، والمغرب العربي خاصة، عشر سنوات بعد الربيع العربي، وفي سياق سعي ملحوظ غربي وصهيوني وروسي وصيني وتركي وإيراني يسابق الزمان قبل انفجار شعوب المنطقة بسبب حالة الاحتقان القصوى والانسداد السياسي المطلق.

لا أظن أن الريسوني يدرك أبعاد الصراع وتعقيداته، بين جميع الأطراف المذكورة أعلاه، وإنما جاءت تصريحات كالقطرة التي أفاضت الكأس وأخرجت الصراع للعلن من المغرب تحديدا عشية خطاب العرش الملكي، وتبقى هناك أسئلة مطروحة: لماذا لم يدع إلى تحرير المدينتين السليبتين سبتة ومليلية والجزر الجعفرية من الاستعمار الإسباني؟ لماذا لم يتناول الوضع الاجتماعي المتأزم ومطالب الشعب المغربي ودعوته لإسقاط حكومة أخنوش ومن يدعمها محليا ودوليا؟ لماذا لم يتطرق للوضع السياسي وحالة الانسداد والصراع السياسي بالبلاد؟ لماذا لم يتطرق للتطبيع الصهيوني التركي القطري؟ ولأنه رئيس اتحاد عالمي لعلماء المسلمين، لماذا لم يتناول وضع الشعوب العربية المعذبة تحت حكم أنظمة استبدادية؟ لماذا لم يتطرق في حواره لوضعية حقوق الإنسان بالمغرب واعتقال المعارضين الصحفيين ونشطاء الحراك الاجتماعي في الحسيمة وجرادة وسيدي إيفني والعيون وطنجة والمعطلين والمضربين في جل القطاعات المهنية والنقابيين والمؤثرين؟ أليس أولى له أن يدعو هؤلاء المستضعفين المظلومين من خيرة رجال ونساء المغرب إلى مسيرة وزحف سلمي لإسقاط حكومة أخنوش ومن وراءها بقوة الشارع؟

لقد أثار الريسوني زوابع مرتجلة كثيرة كان رأيه بشأنها دائما كلاما مرسلا لا يستند لأي ضبط شرعي أصيل، حيث قال قبل قرابة ثلاثة عقود في صحيفة “المستقلة” اللندنية بأن “وقت السياسة لم يحن بعد”، وهو رأي إنشائي لا يصدر عن عالم شرعي، كما سبق أن أثار زوبعة عام 2003 حول علاقة إمارة المؤمنين بالفتوى وأهلية الملك لذلك، وكان رئيسا لحركة التوحيد والإصلاح، وتم إعفاؤه من رئاستها والتضحية به من قبل “إخوانه” تجنبا لردة فعل القصر، كما سبق أن أجاز عام 2020 الاستفادة من قروض بنكية تجارية في إطار برنامج حكومي بنسبة فائدة صغيرة لإنجاز مشروعات ولم يقدم دليلا شرعيا معتبرا، واعتبرها رسوما إدارية وليست فوائد ربوية، مما أثار جدلا كبيرا، كما أذكر أنه قبل عقدين كنت قد دعيت لبعض اللقاءات بالرباط كانت تشارك فيها كوكبة من كوادر حزب العدالة والتنمية، من بينهم الريسوني، وكانت هذه اللقاءات تتناول محورا فكريا أو موضوعا فقهيا أو سياسيا يقدمه أحد الحضور، ثم تتم مناقشته، وكان أن طُرح للنقاش في إحدى المرات مبادرة الشيخ الشهيد أحمد ياسين باسم حركة حماس حول مبادرة توقيع هدنة عشرة سنوات مع الكيان الصهيوني، وكان الريسوني متحمسا ببساطته لها وينافح عنها مما يؤكد سذاجة الرجل السياسية، إلا أن المبادرة لم يكتب لها النجاح، واغتال الصهاينة بعد ذلك الشيخ أحمد ياسين ورفيق دربه عبد العزيز الرنتيسي رحمهما الله.

وفي حوار أجرته معه صحيفة “العمق المغربي” نشر في عدد الجمعة 26 نوفمبر 2016، قال الريسوني “إنني سررت وشعرت بالارتياح بعد إزاحة الدكتور محمد مرسي عن الرئاسة في مصر، وهو رأي طالما عبرت عنه في بعض مجالسي، وخاصة خلال الأيام الأولى للانقلاب، ثم أفصحت عنه علناً في الحوار المذكور”، مضيفا في توضيح ثاني أن “الارتياح والسرور المعبر عنه، إنما هو لفائدة محمد مرسي وجماعته وحزبه، حبا لهم، وإشفاقا عليهم مما كانوا قد تورطوا فيه”. هل يقول سياسي حصيف فضلا عن “عالم” أو “فقيه مقاصد” مثل هذا الكلام غير المسؤول والرئيس وإخوته في السجن والعذاب والإهمال والخذلان لسنوات، ويفرح للانقلاب العسكري ضد رئيس منتخب ديمقراطيا من قبل الشعب؟

وإذا افترضنا في أحسن الأحوال بأن الريسوني مستقل ولم يقصد الإساءة في تصريحاته، حتى لا يغضب منا المتعاطفون معه الذين يرمون من ينتقد مواقف الريسوني بـ “الخيانة” و”البغض” و”خدمة أجندة صهيونية”، فهناك من هم أكثر منه علما وغزارة في الإنتاج العلمي في التاريخ القديم والحديث، ولم يمنعهم علمهم أن يقفوا إلى جانب الظلمة في العهد الأموي والعباسي والعثماني، قديما، والعهد البعثي والناصري والجبري، حديثا، وأفتوا بقتل وإعدام علماء ربانيون قالوا كلمة حق عند سلطان جائر، على سبيل المثال لا الحصر، سبط الرسول الكريم الإمام الحسين بن علي والصحابي عبد الله بن الزبير والتابعي سعيد بن جبير والإمام أحمد بن حنبل والإمام أبو حنيفة والإمام ابن تيمية والمجاهد عز الدين القسام والإمام البنا والشهيد سيد قطب والشهيد عمر المختار والمجاهد عبد الكريم الخطابي والشهيد أحمد ياسين رضي الله عنهم، وكذلك مع اندلاع ثورات الربيع العربي حيث أفتى علماء السوء بإعدام ليس فقط علماء، ولكن شعوبا بأكملها في مصر وتونس واليمن وسوريا وليبيا باسم الإسلام.

وفي نفس السياق، فقد تضمن خطاب “20 غشت” الملكي تنويها صريحا وإشارة مباشرة لموقف الريسوني بشأن ملف الصحراء وتندوف، حيث اعتبر الملك قضية الصحراء ومغربيتها “النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”، وهي نبرة جديدة تتناغم مع تصعيد الريسوني في تصريحاته الأخيرة، موجها “تحية إشادة وتقدير لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، والريسوني من الجالية، الذين يبذلون كل الجهود للدفاع عن الوحدة الترابية، من مختلف المنابر والمواقع، التي يتواجدون بها”، والريسوني على رأس منبر إسلامي عالمي. لو كنت مكان الملك، لعينت الريسوني وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية، فهو رجل المرحلة ورجل خطاب “20 غشت”.

* باحث في التاريخ السياسي المغربي المعاصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • متتبع
    منذ سنتين

    تحليل تحرى الدقة والموضوعية في البداية ...لكن العبرة في الخاتمة. حاد التحليل عن الموضوعية و لامس الواقع المغربي بنوع من تصفية حسابات مع تنظيم معين وحكومة معينة ونظام اجمع عليه المغاربة منذ مدة ...وسقط فيما نهى عليه ...التحريض واثارة الفتنة بشكل ما

  • فخر حميد
    منذ سنتين

    من هذا المقال اشم رائحة كريهة من تصفية حسابات لا أقل ولا أكثر فالريسوني قال ما يجول بخاطر السواد الاعظم من المغاربة " خوفا " من ردة فعل من امثالك. فما محل النظام الجزائري من الاعراب في مقالك الطويل الفارغ من كل المآسي التي تسبب فيها لشعوب المغرب العربي؟