مجتمع

“الواحة والتحولات المجتمعية”.. إصدار جديد يقارب مجتمع الواحة المغربي ويوصي بتأهيلها

صدر مؤخرا، إصدار جديد بعنوان “الواحة والتحولات المجتمعية.. الإنسان والمجال والمجتمع”، يتضمن مداخلات أساتذة جامعيين ومسؤولين في موضوع التحولات والإكراهات التي يعرفها مجتمع الواحة بالمغرب، ويقترح فيه المساهمون أيضا حزمة من التوصيات من أجل تنمية الواحات وتأهيلها.

الكتاب يتضمن مساهمات علمية، لا تكاد تخرج عن ثلاثة ثيمات أساسية، هي: المجال الواحي، وإنسان الواحة، وتحولات المجتمع الواحي بالمغرب، وتعرض جملة من التجارب المؤسساتية والرسمية في حفظ الواحات وتنميتها.

ويطرح الكتاب أيضا الإكراهات التي تواجه الواحات بالمغرب اليوم؛ طبيعية، ترابية، سياسية… وموارد الواحةِ الطبيعيّة، علاوة على رهاناتها تنمويا وإيكولوجيّا.

وتدور مداخلات الباحثات والباحثين وتشترك في نقطتين اثنتين، أولهما تسعى لمحاولة تشخيص الواقع الواحي بالمغرب، وإبراز إكراهات وإشكالاته واختلالاته، دون إغفال ما تتسم به من مميزات ومؤهلات.

فيما النقطة الثانية، همّت تقديم اقتراح بدائل وخطط وتوصيات رامية إلى الإسهام في تجاوز عدد من تلك الإكراهات والصعوبات على اختلافها الكتاب وثيقة أساس في موضوع الواحة لما لمقالاته من وجاهة وأهمية، بالنظر إلى قيمتها وإمكان إسهامها في الارتقاء بوضع الواحة المغربية اليوم.

كتاب “الواحة و التحولات المجتمعية، الإنسان والمجال والمجتمع”، جمّع مداخلات وأفكار أساتذة باحثين ومسؤولين شاركوا في الندوة العلمية المذكورة، في 543 صفحة، قام فيه بمهمة التنسيق كل من محمد الدرويش، جمال فزة، محسن أفطيط، فيما قام بالمراجعة اللغوية، فريد أمعضشو.

ومن توصيات اللقاء العلمي، كما فصّل فيها الكتاب المذكور، إحداث مراكز ثقافية تعنى بقضايا الواحات تاريخا وثقافة ومكونات طبيعية وإيكولوجية. وتثمين جهود الدولة في مجال حفظ الواحات وتنميتها، مع الإقرار بعدم كفايتها، وبالتالي دعوتها إلى بذل مزيد من المجهودات لكي تتبوّأ الواحة المكانة التي تستحقها، وذلك بالنظر إلى أدوارها الكثيرة المهمة، مع الإلحاح على تبني مقاربة تشاركية مندمجة في هذا الإطار، تنفتح على كافة الأطراف التي يمكنها الإسهام في حماية الواحة وتنميتها، بما في ذلك جمعيات المجتمع المدني.

وجاء في التوصيات أيضا، دعوة الحكومة إلى الإسراع بتوفير الظروف اللازمة من أجل الإعلان عن الواحة تراثًا وطنيًا. والترافع لدى الهيئات الأممية من أجل تسجيل مظاهر من الواحة المغربية ضمن التراث الثقافي العالمي (مثل الخطّارات). مع الحفاظ على خصوصية العمارة الواحية بالمملكة المغربية.

دون إغفال ترميم كافة القصور الواحية التي تحتاج إلى ذلك، وكذا السواقي والخطارات الواقعة في سافلة الواحات (الريصاني مثلا)، لما لها من أهمّية واضحة في الحفاظ على المياه السطحية من التبخر. وتشجيرالسفوح المُطِلّة على السدود، ولاسيما التلية، بالمجالات الواحية، لحمايتها من التعرية والتوحُّل. وحفظ التراث الثقافي اللامادي للواحات، كالأغنية الزجلية في تافيلالت مثلا.

ومن التوصيات المقدمة أيضا، الدعوة إلى الاهتمام بوضع المرأة المغربية بالواحات؛ لكونها عنصرا أساسيا في الأسرة داخلها، تضطلع بأداء عدة أدوار حيوية، ولاسيما في حالات غياب ربّ الأسرة، وهجرته إلى خارج الواحة بحثاً عن شروط حياة أفضل له ولعائلته. والنظر إلى الأسرة الممتدة بوصفها مدخلا للتنمية الاجتماعية الحقيقية في الواحات، وتثمين إرْثِها المادي والرمزي الغني.

في مجال التعليم العالي، شددت مداخلات المشاركين على الإسراع بإنشاء مؤسسة تعليمية جامعة بكامل المواصفات في جهة درعة تافيلالت، التي يضطر أبناؤها من حاملي شهادة البكالوريا إلى التوجه إلى جامعات أخرى لاستكمال دراساتهم العليا، في الرشيدية ومكناس ومراكش وغيرها، مقترحين تسميتها بـ “جامعة مولاي علي الشريف”.

كما دعت التوصيات أيضا، إلى تغيير الاستراتيجيات غير الفعالة، واستبدالها بأخرى ذات نجاعة في المجال الواحي، مع وضع الواحة في صلب أي مخطط تنموي يستهدف المناطق المُحتضِنة لها خصوصا، مع تطوير الفلاحة وعصرنتُها بالواحات، مع العمل على استدامة التنوع البيولوجي فيها.

إضافة ذلك، أوصى المشاركون بضرورة خلق وحدات صناعية مرتبطة بمنتجات الواحة كالتمور، حتى يكون بإمكان فلاّحِي الواحات الإشراف على جميع عمليات الإنتاج والتعليب والحفظ، وتحويلُها جاهزةً إلى الأسواق مباشرة. وتشجيع السياحة الواحية بصورة حقيقية، ولاسيما الإيكولوجية/ البيئية.

ولضمان الاستقرار البشري في الواحات، ومساعدة ساكنتها على مواجهة التحديات التي يطرحها العيش وعلى التكيف مع التغيرات الحاصلة بها مؤخرا، شدد المشاركون على البحث عن بدائل حقيقية لضمان ذلك، مع الاستفادة من الاستثمارات والمشاريع والإعانات الموجَّهة إلى الواحات على نحو عادل، مع التركيز أكثر على صغار الفلاحين والحرفيين، وعلى الفئات الأكثر هشاشة.

جدير بالذكر أن الإصدار الجديد يتضمن مقالات عن “الهجرة والتحولات المجتمعية” تعرف بمجموعة من الممارسات الاجتماعية داخل الفضاء الواحيّ بالمغرب، وبجوانبَ من ثقافته وقِـيَمه. وأخرى عن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المجالات الواحية.

ويعد هذا الإصدار العملي، الصادر عن منشورات فكر وكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط، بدعم من قطاع الثقافة وجمعية جهات المغرب، عبارة عن توثيق لأشغال الندوة العلمية الوطنية المنظمة من طرف مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم بشراكة مع جمعية جهات المغرب، وبمشاركة وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، ووكالة التنمية الفلاحية في الموضوع بالريصاني، إقليم الراشيدية، شهر ماي المنصرم.

وقد وقع اختيار الريصاني لاحتضان هذه الفعالية الكبرى، وفق المنظمين، بالنظر إلى ما تمثله من رمزية خاصة لدى المغاربة، لكونها منطلق الدولة العلوية الشريفة، ومهد أجدادها ومؤسِّسيها، وفي مقدمتهم مولاي علي الشريف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *