بعد اعتراف قصر الإليزيه بمغربية الصحراء.. بلوان يرصد عمق العلاقات المغربية الفرنسية

تُشكل العلاقة المغربية وفرنسية واحدة من أبرز العلاقات الثنائية على الصعيد الدولي، إذ تمتد جذورها إلى سنوات مضت شكلت نسيجًا متشابكًا من التفاعلات الثقافية والسياسية والاقتصادية.
ومرت هذه العلاقة بمراحل تاريخية متعددة، شهدت تقلبات وأحداث حاسمة إلا أن العلاقات بين الثنائية في عهد الملك محمد السادس، يمكن اعتبارها الأبرز حيث ارتفعت قيمة المبادلات التجارية ونسبة الاستثمار، كما شهدت العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين تطورا ملحوظا رغم الأزمات التي تعرضت لها.
وتستمر العلاقات المغربية الفرنسية في التطور والتغير، حيث تسعى الدولتان إلى بناء شراكة استراتيجية تعكس التحديات والفرص المشتركة في عالم متغير، ولعل أبرز مؤشر على هذه الرغبة الاعتراف الرسمي لقصر الإليزيه صبيحة اليوم بمغربية الصحراء واعتبار الحكم الذاتي الحل الوحيد لحل هذا النزاع.
وعرفت المبادلات التجارية بين البلدين نمواً ملحوظاً خلال العام الماضي، حيث قفز حجمها إلى 13.4 مليار يورو (أي ما يعادل 147 مليار درهم)، مسجلة زيادة قدرها 24% مقارنة بالعام السابق.
ووفقاً للأرقام الرسمية، ارتفعت صادرات فرنسا إلى المغرب بنسبة 40% لتصل إلى 6.5 مليارات يورو، في حين زادت صادرات المغرب بنسبة 12.1% لتبلغ 6.9 مليارات يورو.
وشهدت العلاقات المغربية الفرنسية، منذ تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم، تحولات جوهرية وتحديثات عميقة في الرؤية والآليات الدبلوماسية، كما يرى المحلل السياسي وخبير العلاقات الدولية، حسن بلوان، فقد نجح الملك في تطوير العقيدة الدبلوماسية المغربية، مما أتاح للمملكة التعامل بمرونة مع مختلف المتغيرات الإقليمية والدولية.
وأوضح خبير العلاقات الدولية، أن المغرب خلال فترة حكمه هذه تعامل مع مجموعة من الرؤساء الفرنسيين، وتمكن من الحفاظ على المصالح الاستراتيجية للمملكة، مؤكدا أن العلاقات بين الطرفين استراتيجية وتاريخية، تشكل دائمًا نموذجًا للتعاون بين الشمال والجنوب وحوارًا مثمرًا داخل الفضاء المتوسطي.
وأشار بلوان إلى أن المملكة خلال عهد العاهل المغربي طورت الآليات التي تتعامل بها في إطار العلاقات مع فرنسا، مضيفا أن العلاقات الثنائية شهدت على مر 25 سنة نوع من المد والجزر وآخرها فترة البرود والتشنج في العلاقات خلال ولاية الرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون.
وأضاف أن العلاقات بين البلدين مرت بمحطات تاريخية بارزة، حيث كانت فرنسا شريكًا استراتيجيًا للمغرب داخل العمق الأوروبي وأروقة مجلس الأمن.
وأبرز المتحدث أن المغرب كان دائما يمثل بالنسبة للنخبة الفرنسية بوابة رئيسية لإفريقيا وشريكًا موثوقًا يُعتمد عليه، مشيرا إلى أنه وعلى الرغم من التحديات، إلا أن العلاقات بين البلدين استمرت في التطور بما يخدم المصالح المشتركة للطرفين.
وبخصوص الاعتراف الفرنسية بمغربية الصحراء، اعتبر خبير العلاقات الدولية حسن بلوان، أن الموقف “القوي والشجاع” الذي عبرت عنه فرنسا اليوم بشأن قضية الصحراء كان منتظرًا نظرًا لقوة العلاقات التاريخية بين البلدين والتطور الملحوظ في العلاقات الثنائية في الآونة الأخيرة.
وبحسب المتحدث فإن هذا الموقف، وجه ضربة قوية للجزائر والفكر الانفصالي وداعميه داخل قصر المرادية.
وأشار بلوان إلى أن الموقف الفرنسي سينعكس إيجابًا على عمق العلاقات بين المغرب وفرنسا، إذ من المتوقع أن تتقدم العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق الأمني والعسكري، بالإضافة إلى ذلك فإن العلاقات الثقافية والاقتصادية، التي شهدت تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، ستستفيد أيضًا من هذا الدعم الفرنسي.
واستطرد الخبير السياسي بالقول، الموقف الفرنسي يعادل في قوته موقف الولايات المتحدة وإسبانيا، ويساهم بشكل فعال في طي ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وأكد أن رسالة الرئيس الفرنسي تعكس اقتناع المجتمع الدولي بضرورة إنهاء هذا النزاع في إطار السيادة المغربية، ما يعزز الاستقرار والسلام في المنطقة.
وخلص المتحدث بالتأكيد على أن النخبة الحاكمة الفرنسية أبدت اقتناعها بأن المغرب هو البوابة الحصرية لمصالحها الاستراتيجية داخل العمق الإفريقي، خاصة بعد تراجع نفوذها في العديد من الدول الأخرى، مشيرا إلى أن هذا الاعتراف يؤكد الدور المحوري الذي يلعبه المغرب في المنطقة وأهميته كحليف استراتيجي لفرنسا.
جدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون أعلن رسميا في رسالة وجهها إلى الملك محمد السادس أنه “يعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”، وذلك بحسب ما نقله بلاغ للديوان الملكي.
وفي الرسالة ذاتها، والتي تتزامن مع تخليد الذكرى ال 25 لعيد العرش، أكد رئيس الجمهورية الفرنسية للملك “ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة”، وأن بلاده “تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي”.
وللإشارة، فإنه على الرغم من استمرار تفوق المغرب في الميزان التجاري، إلا أن الفارق قد تضاءل بشكل كبير خلال العام الماضي. فقد انخفض الفائض التجاري من 1.5 مليار يورو في عام 2021 إلى 432 مليون يورو في العام التالي.
اترك تعليقاً