سياسة، مجتمع

معركة إسقاط المسطرة المدنية تدخل منعطفا جديدا.. والمعارضة تطرق باب القضاء

دخلت معركة الإطاحة بمشروع قانون المسطرة المدنية منعطفا جديدا، قبل عبوره قنطرة البرلمان، و أثار تمرير مشروع قانون المسطرة المدنية بمجلس النواب، موجة من الغضب بين المحامين المغاربة الذين يرون فيه تعديًا على حقوقهم وتهديدًا لاستقلالية القضاء.  وأعربت جمعية هيئات المحامين بالمغرب عن رفضها للمشروع، معتبرةً أنه “يتضمن بنودًا غير دستورية ولا يضمن التقاضي العادل للمواطنين لا سيما المادة 17 منه”.

وتظل إمكانية إسقاط مشروع القانون المصادق عليه من قبل مجلس النواب، والمتنظر عرضه على مجلس المستشارين لمناقشته قبل المصادقة النهائية عليه، قائمة إذا ما أفلح المعارضون له من البرلمانين في إحالته على المحكمة الدستورية لتبت في مدى مطابقته للدستور، حتى وإن تمت المصادقة عليه نهائيا، وهو الأمر الذي أعلن فريق التقدم والاشتراكية نيته اللجوء إليه.

وينص الفصل 132 من الدستور المغربي على أنه يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، وخُمس أعضاء مجلس النواب، وأربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين أو الاتفاقيات الدولية، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، أو قبل المصادقة عليها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور.

وتمنح المادة 17 من مشروع القانون، المثيرة للجدل،  النيابة العامة الحق في الطعن في الأحكام القضائية النهائية.ويثير هذا الحق المطلق وغير المقيد بآجال محددة ، مخاوف وتساؤلات حول آثاره على الأمن القضائي واستقرار المعاملات وآثارها أيضا على الدفاع وحقوق المتقاضين.

تحقيق للعدالة الناجزة

وفي تعليقه على الطروحات التي تقول أن المادة 17 تخرق الدستور، أوضح وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أن المادة لا تمنح النيابة العامة سلطة على القضاء عند تقديم طلب بطلان مقرر قضائي. وأكد أن المحكمة هي الجهة الوحيدة المخولة بتقدير مدى مخالفة المقرر للنظام العام، مشيرًا إلى أن المادة تسعى لتصحيح الأخطاء القضائية الجسيمة وليس لمساس باستقلال القضاء.

وأكد وهبي في مقال رأي ينتصر من خلاله لمضمون المادة 17، من مشروع قانون المسطرة المدنية المثيرة للجدل، مؤكدًا ” ضرورة قراءة هذه المادة في سياق الفصل 110 من الدستور الذي يلزم القضاة بتطبيق القانون بشكل عادل. وهبي أشار إلى أن المادة 17 تهدف لتعزيز حماية حقوق المتقاضين من الأضرار الفادحة الناتجة عن الأخطاء القضائية الجسيمة”.

وأوضح وهبي أن المادة 17 تتضمن آليات لحماية حقوق المتقاضين دون تجاوز الدستور، وأنها توفر وسيلة للطعن في الأحكام التي تتسبب في أضرار فادحة. كما أكد أن المادة لا تلزم المحكمة بالبت في هذه الطعون إلا وفقًا للقانون، مشددًا على أن مشروع القانون يهدف لتسريع وتيرة تنفيذ الأحكام وتحقيق العدالة الناجزة.

وجاء في المادة 17 من مشروع قانون المسطرة المدنية المصادق عليه من طرف الغرفة الأولى بمجلس النواب، أنه: “يمكن للنيابة العامة المختصة، وإن لم تكن طرفا في الدعوى، ودون التقيد بأجل الطعن المنصوص عليها في المادة السابقة، أن تطلب التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شأنه مخالفة النظام العام”.

وتابعت المادة نفسها، أنه: “يتم الطعن أمام المحكمة المصدرة للقرار، بناء على أمر كتابي يصدره الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تلقائيا أو بناء على إحالة من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في حالة ثبوت خطأ قضائي أضر بحقوق أحد الأطراف فادحا”.

خرق سافر

الباحث في القانون والناشط الحقوقي فاروق مهداوي، اعتبر أن تحليل وزير العدل عبد اللطيف وهبي للمادة 17 والدفاع عنها يعزز اللامشروعية وانتهاك القانون الذي دأب عليه  في سائر القوانين التي اقرته الوزارة خلال هاته الولاية الحكومية.

وأكد مهداوي في تصريح لجريدة “العمق”، أن المادة 17، “غير دستورية” لأنها تخرق الفصل 126 من الدستور الذي ينص على حماية الأحكام النهائية من الطعن، موضحا  أن تفعيل المادة 17 سيؤدي إلى انعدام الأمن القضائي، حيث ستظل الأحكام النهائية معرضة للطعن دون تحديد آجال للنيابة العامة في الطعن بالبطلان، مما يهدد مصداقية واستقلالية القضاء.

وأشار المتحدث ذاته، إلى أن المادة 17 ستؤدي إلى تدخل النيابة العامة في الأحكام المدنية دون أن تكون طرفًا في النزاع، مما يخل باستقرار الأحكام القضائية ويزعزع الثقة في النظام القضائي المغربي.

وحذر المحامي بهيئة الرباط، من  أن هذه المادة ستؤثر سلبًا على البنية المجتمعية لأنها ستفقد المجتمع ثقته في القضاء، لسمحها بإمكانية تدخل النيابة العامة للطعن في قرار نهائي بشأن نزاع بين طرفين استنادًا إلى عبارة “مخالفة النظام العام” الواردة في المادة.

الإحالة الإختيارية

رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، رشيد حموني، أكد على موقف فريقه الذي صوت بالرفض على مشروع القانون، معلنا نية الفريق تحريك مسطرة الإحالة الاختيارية على المحكمة الدستورية، إذا ما تم المصادقة بشكل نهائي على المشروع بعد عرضه على مجلس المستشارين.

وأضاف حموني ضمن تصريح لـ”العمق”، أن المادة 17 المثيرة للجدل، تم إدراجها كتعديل خلال دراسة المشروع باللجنة وتم المصادقة عليها، موضحا أنه لم يتم مناقشتها بشكل مستفيض.

ولفت المتحدث ذاته، إلى أن تصويت الفريق بالرفض على المشروع، يأتي لوجود عدد من المواد وصفها بـ “غير الواضحة”، خاصة أن التعديلات التي تقدم بها الفريق التقدمي والتي تم رفضها، تتماشى مع مطالب وموقف المحاميين.

ونجح وزير العدل عبد اللطيف وهبي في تمرير مشروع قانون المسطرة المدنية بالغرفة الأولى للبرلمان، وذلك بعد جلسة ماراثونية امتدت لـ7 ساعات، وصادق مجلس النواب، في الرابع والعشرين من شهر يوليوز الماضي، على مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، وذلك بموافقة 104 نواب، ومعارضة 35 نائبا، دون تسجيل أي امتناع.

وكشف وزير العدل عبد اللطيف وهبي،  أن الحكومة قبلت 321 تعديلا على مشروع قانون المسطرة المدنية، وهو ما يمثل 27% من مجموع التعديلات التي تقدمت بها فرق الأغلبية والمعارضة بالغرفة الأولى.

وقال وزير العدل، في معرض تقديمه لمشروع القانون، إن التعديلات المدرجة تهدف، بالأساس، إلى إرساء قواعد الاختصاص النوعي على مبدأي وحدة القضاء والتخصص، من خلال ملاءمة قواعد الاختصاص النوعي مع القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، ودمج جميع الأحكام والنصوص القانونية الخاصة بكل من القضاء الإداري والقضاء التجاري وقضاء القرب، بالإضافة إلى نسخ المقتضيات المتعلقة بالغرف الاستئنافية بالمحاكم الابتدائية، تبعا لكونها حذفت بمقتضى قانون التنظيم القضائي.

كما تصبو هذه التعديلات إلى تعزيز دور القضاء في ضمان حسن سير العدالة، والارتقاء بمستوى أدائها، من خلال تبسيط المساطر والإجراءات القضائية، وتيسير سبل الولوج إلى العدالة، وكفالة اللجوء إلى القضاء وفق أحكام الدستور بشكل فعال، ومجابهة التقاضي الكيدي من أطراف الدعوى، وتقليص الآجال، وترشيد الطعون وعقلنتها لاعتبارات تتعلق بالعدالة، وكذا توسيع مجال الإعفاء من الرسوم القضائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • حميد
    منذ 12 شهر

    وزير العدل يتلاعب بالالفاظ ولا يريد الدخول في صلب الاشكال الذي طرحته المادة 17 من المسطرة المدنية وهي كلمة مخالفة النظام العام ، ومفهومها القانوني والذي يجب حصره وتحديده ، والنظام العام مفهوم فضفاض قد يحمل اي معنى وقد تستعمل لتصفية حسابات سياسية وانتهاك حقوق وحريات افراد او جماعات . مما قد يسبب اضطرابات سياسية او حتى حرب اهلية . اضافة الى امكانية مراجعة احكام قضاءية نهاءية بحجة مخالفتها للنظام العام وبالتلي فانه ضرب في الصميم للثقة في الاحكام القضاءية الامر الذي يعتبر مخالفا للدستور ،

  • عابر الطريق
    منذ 12 شهر

    فكيف لسعادة الوزير ومن معه من أهل القانون بإدخالهم لهاته المادة 17 التي تعطي سلطة تغيير الشيئ المقتضى للأحكام بدرجاتها والمفروضة نهائية بدعوة الإخلاء بالنظام العام، الغير المحدد. فهل المقصود هو الرجوع الى سلطنة حكم عهد الكلاوي لتفادي الأخطاء الجسيمة في التحكيم كما يزعمه سعادته؟. أم أن الإعتراف المضمن لهاته الأخطاء بهشاشة التحكيم وضعف مردوديته والشبهات والسماسرة التي تنخره عوض التصدي لها لإصلاح المنظومة وجدت في سعادة الوزير مؤازراً لاستدامتها بهاته المادة ولو تضارب الدستور.