تصحيح الخرائط ومراجعة المناهج.. خطوات قانونية تنتظر ترسيم الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء

في خطوة تمثل تحولا جوهريا في قضية الصحراء المغربية، اعترفت الجمهورية الفرنسية قبل أسابيع بشكل رسمي بمغربية الصحراء، وهو قرار تاريخي يكتسي أهمية بالغة، ليس فقط لكون فرنسا المستعمر الرئيسي السابق للمغرب، ولكن أيضًا كونها كانت شاهدةً على تقسيم خريطة المملكة خلال فترة الاستعمار.
الاعتراف الفرنسي ورغم أهميته إلا أنه بحاجة إلى خطوات عملية لضمان ترجمته إلى واقع ملموس على الصعيدين الوطني والدولي، وضمان أن يكون لهذا الاعتراف أثر قانوني فعلي، ما سيؤدي إلى الإقرار التاريخي بمغربية الصحراء من جهة، كما يؤكد للمنظمات الدولية ومختلف الهيئات الفرنسية التحول الجوهري الذي حدث على مستوى موقف قصر الإليزيه.
أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية والمختص في شؤون الصحراء، أكد أن الشرعية المغربية تستمد قوتها من التاريخ والحضارة، في حين أن محاولات فرض كيان وهمي داخل المنطقة تعتمد على شرعية الاستعمار.
وتساءل نور الدين: “بأي شرعية دخل الاستعمار الفرنسي والإسباني إلى إفريقيا؟” مشيرًا إلى أن الاستعمار دخل بقوة السلاح، وهو ما يثير التساؤل حول كيفية تحول تلك القوة إلى شرعية قانونية.
وفي سياق الحديث عن العلاقات المغربية-الفرنسية بعد اعتراف باريس بمغربية الصحراء، أشار نور الدين إلى أن الرئيس الفرنسي وضع الكرة في ملعب المغرب، وهو ما يتعين عليه إبرام الاتفاقيات الضرورية التي تتضمن اعترافًا فرنسيًا صريحًا بمغربية الصحراء خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي.
وأضاف نور الدين ضمن حوار أجرته معه جريدة “العمق المغربي”، أن هذه الاتفاقيات يمكن أن تؤدي إلى تأثير قانوني ملموس، مثلما حدث عندما وقع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على الاعتراف بمغربية الصحراء، وتم تسجيل ذلك في السجل الفيدرالي الأمريكي، الذي يُعد نظيرًا للجريدة الرسمية في المغرب.
وشدد الخبير في العلاقات الدولية، على ضرورة أن تستند الاتفاقيات التي ستوقعها فرنسا إلى الأسانيد القانونية والتاريخية، مع ضرورة نشر هذه الاتفاقيات في الجريدة الرسمية الفرنسية لضمان تأثيرها على المستوى الداخلي.
كما أشار المختص في سؤون الصحراء، إلى أهمية تصحيح الخرائط داخل وسائل الإعلام الفرنسية، خاصة قناة “فرانس 24” التابعة لوزارة الخارجية الفرنسية، واستبدالها بالخرائط الرسمية الشرعية التي تمتد من طنجة إلى الكويرة.
ودعا أيضًا إلى مراجعة المقررات الدراسية الفرنسية فيما يتعلق بالخرائط، مؤكدًا ضرورة أن توجه فرنسا رسالة إلى مجلس الأمن تعلن فيها عن موقفها الرسمي، وتعمم تلك الرسالة كوثيقة رسمية لمجلس الأمن.
واعتبر المتحدث ذاتهن أنه ينبغي على فرنسا تقديم مذكرة تاريخية تشمل تاريخ مغربية الصحراء، خاصة وأنها كانت المستعمر السابق، وهي من قامت باقتطاع مجموعة من الأراضي ومنحها للجزائر.
وشدد الخبير في مقابلة له مع “العمق” على ضرورة تقديم أدلة من الأرشيف الفرنسي حول تاريخ الصحراء وتركيبة قبائلها، مع التأكيد على الاعتراف بمغربية الصحراء.
ويشكل إعلان الجمهورية الفرنسية، العضو الدائم بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تطورا هاما وبالغ الدلالة في دعم السيادة المغربية على الصحراء. ويندرج في إطار الدينامية التي يقودها الملك محمد السادس، وتنخرط فيها العديد من البلدان في مختلف مناطق العالم، لفائدة الوحدة الترابية للمغرب ولمخطط الحكم الذاتي كإطار حصري لتسوية هذا النزاع الإقليمي.
وحسب أحمد نور الدين فإن هذه المذكرة يجب أن تُوجه إلى مجلس الأمن والتمثيليات الدبلوماسية لدى فرنسا والمنظمات الدولية الأخرى، مثل الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي، لضمان إحداث أثر قانوني للاعتراف الفرنسي.
وسجل الخبير في العلاقات الدولية التأكيد، أن إسبانيا مطالبة بالقيام بخطوات مشابهة، سواء من خلال إبلاغ مجلس الأمن أو توقيع اتفاقيات تعترف فيها بمغربية الصحراء ونشرها في الجريدة الرسمية.
جدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن خلال الذكرى الـ25 لعيد العرش، عن اعتراف بلاده الرسمي بمغربية الصحراء معتبرا أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”، وذلك بحسب ما نقله بلاغ للديوان الملكي.
وفي رسالة، وجهها الرئيس الفرنسي للملك محمد السادس أكد رئيس الجمهورية الفرنسية للملك “ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة”، وأن بلاده “تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي”.
ووجه الملك محمد السادس، دعوة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للقيام بزيارة رسمية للمملكة بعد أن أعلنت باريس عن موقف داعم لسيادة المغرب على الصحراء، فيما تفاعلت الأحزاب السياسية المغرب وعموم المغاربة بشكل إيجابي مع الإعلان الفرنسي الجديد.
ومما جاء في رسالة الملك إلى الرئيس الفرنسي: “إنني أقدر عاليا الدعم الواضح الذي تقدمه بلادكم لسيادة المغرب على هذا الجزء من أراضيه، وثبات الدعم الفرنسي على مساندة مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل لهذا النزاع الإقليمي”.
ويرى محللون أن الموقف الفرنسي الجديد من الصحراء المغربية ليس انتصارا ضد أحد أو هزيمة لأي جهة، بل يعكس الحقيقة التاريخية والشرعية القانونية. كما أن هذا الموقف الداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية يكرس الاستقرار الإقليمي ويدعم الوحدة الوطنية للمغرب، ويرفض النزعة الانفصالية وتقسيم الأمم.
ويندرج موقف فرنسا في إطار دينامية دولية بقيادة الملك محمد السادس لوضع حد للنزاع المفتعل حول الصحراء، كما يعكس الموقف الوطني لفرنسا، والذي تم التعبير عنه من قبل أعلى سلطة دستورية، إضافة إلى أنه متجذر في إطار الاستمرار المؤسساتي، بعيدًا عن الظرفيات السياسية.
ويؤكد مراقبون، أنه بالرغم من تزامن القرار مع الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، إلا أن قرار فرنسا الجديد ليس ظرفيا أو عرضيا، بل إنه قرار مهيكل وشرعي ومشروع. كما أن هذا الموقف لم يأت من عدم، بل يندرج في إطار استمرارية التزام فرنسا تجاه المغرب وقضيته العادلة لوحدته الترابية.
وتأتي رسالة الرئيس الفرنسي لتؤكد على الرؤية المشتركة للبلدين وتضفي نفسا جديدا للعلاقة الاستراتيجية التي تجمعهما، كما أن فرنسا بهذا القرار الجديد، تدعم تنمية جهة الصحراء المغربية وتنحو نحو حل يرفض سياسات الانسداد التي ترهن مستقبل المغرب العربي، مؤيدة بذلك نهجًا يعزز الاستقرار والتنمية في المنطقة.
وأكد رئيس الجمهورية الفرنسية للملكة محمد السادس “ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة”، وأن بلاده “تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي”.
وتحقيقا لهذه الغاية، شدد إيمانويل ماكرون على أنه “بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية. وإن دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت”، مضيفا أن هذا المخطط “يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “.
وبخصوص مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، يرى رئيس الدولة الفرنسية أن “توافقا دوليا يتبلور اليوم ويتسع نطاقه أكثر فأكثر”، مؤكدا أن “فرنسا تضطلع بدورها كاملا في جميع الهيئات المعنية”، وخاصة من خلال دعم بلاده لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ولمبعوثه الشخصي. وشدد الرئيس ماكرون في رسالته قائلا “حان الوقت للمضي قدما. وأشجع، إذن، جميع الأطراف على الاجتماع من أجل تسوية سياسية، التي هي في المتناول”
اترك تعليقاً