تقع جغرافيا الصحراء في المغرب لمساحة تمتد لأكثر من 266ألف كيلومتر غرب شمال افريقيا، تعد قضية الصحراء القضية الأولى بالنسبة للدولة والشعب المغربي منذ استقلال المغرب سنة 1956 والسعي متواصل بلاهوادة لاسترجاع الأقاليم الصحراوية، خصوصا أن الدولة المغربية عملت منذ سنة 1963 على المطالبة باسترجاع هذه الأقاليم بناءا على طلب موجهة للأمم المتحدة لانهاء الاستعمار الاسباني وذلك لعدة اعتبارات تاريخية وثقافية واجتماعية وبالأخص سياسية، حيث تحضر القضية في جميع الجبهات المفتوحة من قبل الدولة وسياساتها الاستراتيجية في فرض سيادتها على كامل التراب الوطني المغربي، فمنذ طلب المغرب سنة 1974 من الأمم المتحدة الاجابة عن سؤال جوهري مفاده: هل الصحراء أرض لم يكن يسكنها أي أحد قبل استعمارها من قبل الجيوش الاسبانية؟ أليس هناك شرعية تاريخية دينية وقانونية مكتوبة تجمع بين ساكنتها وبين حاكمهم؟
ليقدم الجواب في 16 أكتوبر سنة 1975 من قبل محكمة العدل الدولية بناءا على طلب الأمم المتحدة، جاء بشكل واضح وقانوني مفصل يشرح بوجود وثائق أصلية مضبوطة تبين بلا ما يدع مجالا لأي تأويل أن هناك روابط ولاء قانونية بين سلطان المغرب وبعض القبائل الصحراوية وقت الاستعمار الإسباني. فقرارمحكمة العدل الدولية بلاهاي يبين وجود معلومات مقدمة إليها تثبت رابط للسيادة الإقليمية بين ساكنة الصحراء والمغرب، فهذا التوجه السيادي المغربي نحو اصدار قرار من أعلى هيئة قضائية بالأمم المتحدة يعطي صورة واضحة على سياسة المغرب في رغبته حل مشكل الصحراء بشكل سلمي وهو ما أكده الخطاب الملكي للراحل الحسن الثاني في 24 أكتوبر سنة 1975 من خلال دعوته الى تنظيم المسيرة الخضراء حيث قال: »هذه هي مسيرتنا شعبي العزيز، هذه مسيرتنا منذ سنة ومنذ ونحن نخطط ونحن نرسم ونحن نجمع الحجج تلو الأخرى، الحجج التاريخية والقانونية والبشرية ونحن نحاول أن نفتح الأذهان والأفكار للعالم بأسره حتى يقتنع من قوة حججنا وحتى يؤمن بحقوقنا. قضيتنا سنة كلها ونحن ليل نهار حتى يمكننا أن نلتقي بك شعبي العزيز في الصحراء أن نلتقي بك في مسيرة غراء مسيرة مبنية على رؤى حققها الله سبحانه وتعالى، ولندخل صحراءنا إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسنا ومقصرين وغير خائفين وسنلقاكم تنتظرونا مستبشرين فرحين».
جاء خطاب الراحل الملك الحسن الثاني الموجه 350 ألف من المتطوعين المغاربة بجيمع فئاتهم في المسرة الخضراء من مدينة أكادير في 5 نونبر 1975، حيث قال: » شعبي العزيز، غداً إن شاء الله ستخترق الحدود، غداً إن شاء الله ستنطلق المسيرة، غداً إن شاء الله ستطؤون أرضاً من أراضيكم وستلمسون رملاً من رمالكم وستقبلون أرضاً من وطنكم العزيز»،وأكد الملك الحسن الثاني على الطابع السلمي للمسيرة الخضراء حيث شدد على عدم مواجهة أي جندي اسباني أو الاعتداء عليه بل الدعوة الى تعامل مع بأخلاق وشيم المغاربة في الجود والكرم وفق تعاليم الدين الاسلامي، كما بين أن المشاركة سلمية بدون سلاح ولا عتاد وهي رسالة واضحة الى ضرورة انسحاب الجيوش الاسبانية من مناطق تواجدهم، و الاسثناء الوحيد السلمية سيكون في حالة تعرض أي متطوع لأي اعتداء سيقابل برد من الجيش المغربي على ذلك في حينه.
يلاحظ اليوم وبعد مضي مايقارب الخمسين سنة أن هناك من يعيش في سراب الأوهام استيقظت مليشيا البوليساريو وأدركوا أن الملك الحسن الثاني كان ذكيا في التعاطي مع ملف الصحراء في تركه في يد الأمم المتحدة عام 1991 حيث أقبرت مطالب تقرير المصير والاستقلال أو ما يسمى قضية الصحراء الغربية نهائيا خاصة وأن المغرب قد حسم ملف الصحراء عسكريا على الأرض وفرض سادته على كامل التراب الوطني للصحراء، بعد اكماله بناء الجدار الرملي وألقى بمليشيات البوليساريو خارج الجدار وتركهم يتقاتلون على صراع الزعمات ولولاءات ينطح بعضهم بعضا ويسترزقون بالأوهام و يتجارون بالمحتجزين والمساعدات المقدمة لهم ومن الأمور التي ساهمت في ذلك السياق الدموي الذي كانت تمر منه الجزائر خلال العشرية السوداء أي منذ 1991 وهو تاريخ وقف إطلاق النار .
ان القبول بأمر الواقع لوقف إطلاق النار في ذلك التاريخ يوضح أن جميع الشروط لم تعد مواتية لبروز وهم الدولة الموعودة من قبل دولة الجنرالات بالجزائر، كما يقول باحث جزائري مستقل :سياسة العناد الجزائري كانت حربا طاحنة ضد الذات الجزائرية وفي مقدمتها الشعب الجزائري نفسه وضد المصالح العليا للوطن الجزائر ، يتضح جليا الحصاد الذي خلفه العناد الصبياني وهو أكبر خطإ ارتكبه النظام الجزائري بخصوص هذا الملف ، لقد كانت فرصة وقف اطلاق فرصة مواتية للنظام الجزائري لحسم أمر مليشيا البوليساريو في ذلك التاريخ .
تمكن المغرب من اتقان سياسة اللعبة الدبلوماسية في حين اعتبرها النظام الجزائري مسألة عناد وظل يردد الخطاب الكلاسكي المتحجر والمراوغ، هذه المكابرة تسببت في بقاء الديناصورات الحاكمة على القرار السياسي في الجزائر ومن تفويت فرص الاندماج والوحدة المغاربية، وهو ما أسقط الجيران كما يقول نفس الباحث الجزائري في التخلف المزمن لأن الذي لم يعمل على الإقلاع الاقتصادي في بداية الألفية الثالثة فقد بقي مع مُخَلَّفَات الألفية الأولى وليس حتى مخلفات الألفية الثانية وبقي هناك إلى الأبد.
ظل الخطاب الرسمي السياسي والاعلامي المغربي لسنوات وهو يتفادى التصعيد المجاني مع الجارة الجزائر لعدة اعتبارات جيوسياسية بالأساس، لكن الظرفية الحالية تغيرت وفرضت تحولا جديدا في الخطاب الصريح والمباشر ولم تعد سياسة الخارجية المغربية في موقع الدفاع بل أضحت تفرض وجودها دوليا في الدفاع المبدئي والاستباقي عن مصالحها الاستراتيجية بشكل جعل أطراف دولية تقبل بشروط المغرب وبمصالحه وتخرج من المنطقة الرمادية كما هو الشأن لمجموعة من البلدان الافريقية والأوربية كألمانيا واسبانيا وفرنسا…التي وعت بأن الوقوف بين الضددين وقوف في موقع الصفر، وأن المغرب لم يعد يقبل سياسة لعب الأدوار في ملف مصيري ومبدئي بالنسبة له.