منتدى العمق

التوترات الاقليمية.. كيف يمكن للمغرب مواجهة التصعيد الجزائري؟

شهدت نهاية الأسبوع الماضي تصعيدا جديدا من الجزائر مرة أخرى، وهو جمع مجموعة من المفلسين ماديا وفكريا و أخلاقيا لضرب استقرار المغرب، وهو تطور لا يمكن السكوت عنه، كما حدث في سبعينات القرن الماضي، حين تجاهلت المملكة تحركات مماثلة أدت لاحقا إلى نزاع طويل الأمد ما زلنا نعاني من تداعياته منذ أكثر من خمسين سنة.

على المغرب، وبشكل عاجل، الدعوة إلى اجتماع طارئ في مجلس الأمن الدولي وفي جامعة الدول العربية، بالتنسيق مع حلفائه، لمناقشة هذا الوضع الذي لا يهدد استقرار المملكة فقط، بل استقرار شمال إفريقيا بأكملها، وحتى أوروبا، وخاصة جنوبها. إن التحركات الجزائرية الحالية الصبيانية تمثل تهديدا للأمن الإقليمي والعالمي، نظرا للموقع الجغرافي الحساس للمنطقة، حيث إن مضيق جبل طارق والبحر الأبيض المتوسط ليسا ممرين إقليميين فحسب، بل شريانان حيويان للتجارة العالمية، وأي اضطراب في هذه المنطقة سيؤثر على اقتصادات دول قريبة وبعيدة على حد سواء، إذ تعتمد هذه الدول على مرور سفنها وتجارتها عبر هذه الممرات الاستراتيجية، حيث أنه حتى الدول التي تبدو بعيدة جغرافيا، كالصين مثلا، ليست بمعزل عن هذا التأثير، وأي تهديد لاستقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا قد يؤثر بشكل مباشر على استقرار حلفائها وشركائها التجاريين.

ومن هنا، فإن التحركات الجزائرية ليست مشكلة محلية أو إقليمية فقط، بل قضية دولية تتطلب استجابة جماعية وفورية على المغرب استغلالها للجم تصرفات هذا النظام الحاكم.

إحدى النقاط الجديرة بالنقاش في هذا السياق لدى عموم الشعب المغربي و المسؤولين، هي الاعتراف المغربي بإسرائيل، فإذا لم يساهم هذا الاعتراف في تعزيز مصالح المغرب الاستراتيجية والدفاع عن قضاياه الإقليمية، فما الجدوى منه؟ ورغم أن هذا الاعتراف لم يغير من الموقف المغربي الثابت تجاه القضية الفلسطينية من شئ، فإنه أثار تساؤلات واسعة بين فئات الشعب.

إن استثمار هذه الظرفية لصالح المغرب أمر حتمي، والصمت أو الانتظار غالبا ما يؤدي إلى تفاقم المشكلات، كما حدث مع قضية البوليساريو التي تفاقمت بسبب التردد في التعامل معها بحزم في بداياتها.

من ناحية أخرى، يثير السلوك الجزائري تساؤلات حول أولويات نظامها، وعلى الرغم من ثرواتها النفطية الكبيرة، فإن الجزائر تفتقر إلى رؤية تنموية حقيقية لتحسين مستوى معيشة شعبها كدول الخليج النفطية، حيث إنه بدلا من ذلك، تركز سياستها الخارجية على عداء دائم للمغرب، في محاولة للهيمنة الإقليمية المزعومة.

ويمكن القول إن وضع يد الجزائر في يد المغرب قد يعزز من التنمية الاقتصادية للشعبين، ويوفر استقرارا أمنيًا قويا وقطبا اقتصاديا قويا، مما قد يؤدي إلى خلق اتحاد مغاربي قوي يعود بالنفع على شعوب المنطقة بأسرها. فهذا الاتحاد، إن تحقق، يمكن لكل دولة من دوله أن تلعب فيه دورا رائدا في مجال معين، بما يحقق تكاملا اقتصاديا واجتماعيا تاما، عكس ما يحدث الآن من تنافر، وخصوصا أن دول المنطقة تتشارك في نفس الثقافة، ونفس الديانة، ونفس اللغات الرسمية ولهم تاريخ مشترك، مما يجعل فرص التعاون أكبر وأكثر واقعية من الاتحاد الأوروبي الذي يتكون من دول لكل منها لغته وثقافته.

لكن، ما لا يدركه النظام الجزائري هو أن النهج الحالي لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة والإخفاقات، في وقت تشهد فيه المنطقة والعالم تحولات تتطلب تعاونا إقليميا حقيقيا لمواجهة التحديات المشتركة.

وما يهمنا كمغاربة، أن على المغرب أن يستغل هذا التصعيد كفرصة لإعادة ترتيب أوراقه الإقليمية والدولية، والانتقال من رد الفعل إلى الفعل المؤثر في مواجهة هذه التحديات بكل حزم أكثر وأكثر.