أدّت عملية إسقاط إحدى الطائرات المسيرة المالية من طرف ما سمته الجزائر في بيان لوزارة خارجيتها بقوات الدفاع الجوي عن الإقليم، إلى اندلاع أزمة جديدة بين تحالف دول الساحل من ناحية، والجزائر من ناحية أخرى. ولكن ما يثير التساؤلات هو الاتهامات المالية التي باتت تعتبر أن دولة الجزائر هي الحاضنة الأولى للجماعات الإرهابية بمنطقة الساحل الإفريقي، حيث إن مالي تشير اليوم إلى الجزائر باعتبارها المحرك الرئيسي لهذه الجماعات والفاعل الأول المسبب لأزمة انعدام الأمن بمنطقة شمال مالي والساحل عامة.
فهم خلفية رئيس الحكومة الانتقالية المالية في تفجير ملف علاقة الجزائر بالإرهاب
عندما يتحدث الجنرال آسيمي غويتا، رئيس الحكومة الانتقالية، عن خطر الإرهاب، ودور الجزائر في انعدام الاستقرار في المنطقة، فإنه يتحدث استنادًا إلى خلفيته العسكرية السابقة كضابط عمليات خاصة، حارب وقاد مجموعة من قوات النخبة المالية خلال مختلف فترات الحرب المالية التي خاضتها الدولة ضد الجماعات الإرهابية والانفصالية، بداية من 2012 إلى حدود 2018. وعليه فإننا إذن أمام قائد عسكري متمرس يعي جيدًا الوضع في شمال مالي وجنوب الجزائر، ويعي أيضًا طبيعة العلاقات الجزائرية الأزوادية، والعلاقات الجزائرية مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
تنظيمات إرهابية ذات نشأة جزائرية بقيادات من جنسية جزائرية
التنظيم المهيمن على منطقة الساحل والصحراء هو التنظيم الذي يعرف اختصارًا بـ”جنيم” أو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وكما هو معلوم فإن تنظيم جنيم هو النسخة المحدّثة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي كان إلى حدود لحظة اغتيال قائده الجزائري المنتمي لولاية البليدة عبد المالك دروكدال، تنظيمًا ذا أغلبية جزائرية وقيادة جزائرية خالصة. وبعد التوصل إلى اتفاق بين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وخمسة تنظيمات جهادية إضافية، تم إنشاء تحالف عرف باسم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين سنة 2017، وبذلك تم إنشاء تنظيم جديد يضم كتائب جهادية عديدة ككتيبة المرابطين التي أسسها مختار بلمختار الجزائري الأصل.
إن علاقة الجزائر بهذه القيادات المذكورة تم الكشف عنها في تسريبات ويكيليكس الخاصة ببريد هيلاري كلينتون، الذي يذكر في إحدى المراسلات المسربة تواصل الجزائر عبر مخابراتها مع مختار بلمختار وحثه على توجيه ضربات عسكرية في شمال مالي وموريتانيا والأقاليم الجنوبية للمغرب، في محاولة لزعزعة استقرار الإقليم بكامله.
ونجد أيضًا من ضمن القيادات الجهادية في منطقة الساحل عبد الرزاق، الملقب بعبد الرزاق البارا، الضابط السابق في قوات المظليين الخاصة بالجيش الوطني الشعبي الجزائري، والذي ظهر كقائد لتنظيم إرهابي قبل أن يعود إلى الجزائر ليختفي بعدها إلى حدود اليوم. بالإضافة إلى عدنان أبو الوليد الصحراوي، أحد أهم أمراء تنظيم داعش في منطقة الساحل، والذي ينتمي لتنظيم البوليساريو في مخيمات تندوف.
ومن ضمن أهم القيادات التي تسيطر عليها وتوجهها المخابرات العسكرية الجزائرية، القيادي الحالي لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين إياد أغ غالي، المتزوج من جزائرية والقاطن جنوب الجزائر تحت مراقبة الدرك والجيش الجزائريين، معية مجموعة من أبنائه الذين يلتقون به بشكل منتظم بتنسيق استخباراتي جزائري. إن تحفّظ الجزائر على زوجة إياد أغ غالي الثانية وأبنائه، يضمن للجزائر ولاء أعمى من طرف زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تجاه النظام العسكري الجزائري.
أما بالنسبة للحدود، فقد ثبت أن الجزائر توفّر قواعد دعم وإسناد للحركات الإرهابية بالمنطقة، خصوصًا عن طريق حشد أقليات الطوارق المتواجدين فوق أراضي الجزائر كجنود وكتائب إسناد، وكذلك توفير غطاء جوي لهذه الجماعات عن طريق تحييد أي طائرة مالية تقترب من منطقة شمال مالي بهدف الاستطلاع أو القصف، عن طريق استعمال صواريخ جو – جو التي تحصلت عليها مؤخرًا في صفقة طائرات SU-35 القادرة على قصف أهداف خارج حدودها الدولية.
أسباب الدعم المقدم من طرف الجزائر نحو التنظيمات الإرهابية في الساحل:
إن عقيدة الجزائر منذ نشأتها كدولة عسكرية تتركز على عنصرين أساسيين، أولًا: اعتماد استراتيجية الحرب بالوكالة، التي تم تبنيها من خلال علاقات الجزائر الوثيقة بالسوفيات الذين اعتمدوا على ما لقب خلال الحرب الباردة بالحركات الماركسية التحررية، التي تم دعمها بالسلاح والمال من طرف السوفيات لزعزعة الأنظمة الموالية للمعسكر الغربي آنذاك. وهي نفس الاستراتيجية التي نهجتها الجزائر من خلال دعم جبهة البوليساريو ضد كل من المغرب وموريتانيا، ودعم تنظيم الأزواد ضد كل من مالي، النيجر وليبيا. أما بالنسبة للشق الثاني، فهو مستنبط من المقاربة الإيرانية التي تتركز حول إنشاء أذرع مسلحة في المنطقة تكون ذات ولاء أعمى لإيران، وهو نفس ما تقوم به الجزائر عن طريق بناء ودعم تنظيمات إرهابية موالية لها، تهدف من ورائها الجزائر العسكرية إلى زعزعة أمن المنطقة لبناء قوة تخلق الاضطراب في محيطها الإقليمي.
ومن الواضح أن ملف احتضان الجزائر للجماعات الإرهابية، الذي فجرته دول تحالف الساحل، وذهاب دولة مالي إلى حد وضع شكاية أمام مجلس الأمن ضد النظام العسكري، سيجعل المجتمع يلتفت لما ظلت تخفيه الجزائر لسنوات طويلة. فالتوقيت الذي جرى فيه حادث إسقاط طائرة مالية من طرف الجيش الجزائري ورد فعل مالي، يفتح ملفًا أمنيًا كبيرًا حول خطر التنظيمات الإرهابية الموجودة جنوب الجزائر، وقضية استعمال الجزائر لهذه التنظيمات في تهديد الاستقرار الإقليمي بالساحل وشمال إفريقيا، كما يثير الانتباه إلى الأسلوب الجزائري الخطير الشبيه بأسلوب إيران في احتضان تنظيمات إرهابية وميليشيات مسلحة واستعمالها كأذرع لتهديد دول في محيطها الإقليمي.
* باحث في الدراسات الأمنية بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس بالرباط / خريج جامعة الأخوين.