ملتقى الشرفاء أولاد أبي السباع ببوجدور.. النسخة الرابعة بين التنظيم والتأجيل! لماذا الغياب؟ ولمصلحة من؟

مدينة بوجدور، أو كما تُعرف بلقبها “مدينة التحدي”، تُعد من الحواضر المغربية التي جسدت على الدوام روح الصمود والوفاء للوطن. تقع هذه المدينة العزيزة في موقع استراتيجي متميز على الطريق الوطنية الرابطة بين شمال المملكة وجنوبها، وتمتد بمحاذاة الشواطئ الأطلسية في لوحة طبيعية تجمع بين البحر والرمال الذهبية والمساحات الممتدة، مما يمنحها مكانة جغرافية فريدة تجعلها همزة وصل بين الأقاليم الجنوبية وباقي ربوع الوطن.
ويُعرف إقليم بوجدور بأراضيه الفلاحية الممتدة ومياهه العذبة، ما يمنحه مؤهلات طبيعية واعدة في مجال التنمية الفلاحية والرعوية، إلى جانب إمكانياته البحرية الهائلة التي تجعل منه خزانًا اقتصاديًا مستقبليًا واعدًا. وقد شهد الإقليم خلال السنوات الأخيرة ازدهارًا وتنمية شاملة غير مسبوقة من خلال مشاريع الطاقة النظيفة، خاصة في ظل العناية الخاصة التي يوليها له صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، من خلال الأوراش الملكية الكبرى والمشاريع التنموية التي ساهمت في فك العزلة عن هذا الإقليم الفتي، وتعزيز مكانته ضمن الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وفي ظل قيادة السيد العامل الحالي، السيد ابراهيم ابن ابراهيم عرف الإقليم تحولات عمرانية واجتماعية واقتصادية كبرى، فامتدت الأحياء السكنية الحديثة، وجُلبت الاستثمارات الوطنية الكبرى، وشُجع الشباب على المبادرات المقاولاتية والتنموية التي فتحت آفاقًا جديدة لأبناء الإقليم. كما عرفت المدينة تحسنًا ملحوظًا في البنية التحتية والخدمات الاجتماعية، مما جعلها نموذجًا في تدبير الشأن المحلي بروح المسؤولية والوطنية الصادقة.
وتتميز بوجدور بتلاحم ساكنتها وتعايشها النموذجي بين مختلف القبائل الصحراوية المغربية، في جو من الودّ والتراحم والتناغم، يعكس الإخلاص والولاء للعرش العلوي المجيد، ويؤكد استحقاق الإقليم عن جدارة لتسميته بـ “إقليم التحدي”. فساكنته جسّدوا على مر السنين نموذجًا فريدًا في الوطنية الصادقة والانخراط الواعي في مسيرة التنمية والدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
وفي هذا السياق، احتضنت مدينة بوجدور ثلاث نسخ ناجحة ومتميزة من ملتقى الشرفاء أولاد أبي السباع، الذي أصبح موعدًا وطنيًا سنويًا يجمع بين التاريخ والثقافة والانتماء، ويجسد صورة مشرقة للتلاحم بين أبناء القبائل الصحراوية المغربية في خدمة الوطن. لقد كانت تلك النسخ الثلاث مثالًا في التنظيم والإبداع والوطنية، حيث جرى تمويلها من طرف أبناء القبيلة ببوجدور بوسائلهم الذاتية، وبروح عالية من المسؤولية والغيرة الوطنية ونكران الذات.
غير أن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود، إذ واجه المنظمون صعوبات جمّة وإكراهات متعددة، تمثلت في ضعف الدعم المالي واللوجيستي، وغياب المساندة المؤسسية الكافية، فضلًا عن بعض حملات التشويش والتثبيط السرية والعلنية التي سعت إلى عرقلة الجهود المخلصة التي بذلت لإنجاح هذا الحدث الوطني. وقد وقف السيد العامل المحترم بحكمته المعهودة وحنكته الإدارية سداً منيعاً في وجه تلك العراقيل، وساهم بمتابعته الدقيقة وتدخله الإيجابي في تيسير إنجاح الدورات السابقة، إيمانًا منه بقيمة هذا الحدث ودوره في تعزيز الهوية الوطنية والروابط الاجتماعية.
أما النسخة الرابعة، التي كان من المنتظر تنظيمها هذه السنة تزامنًا مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة، فقد تعذر تنظيمها رغم ما تمثله من رمزية وطنية بالغة، وذلك نتيجة تراكم مجموعة من الإكراهات المادية والتنظيمية والنفسية والإدارية، إضافة إلى غياب الدعم المالي واللوجيستي الكافي، ما جعل الجهة المنظمة تعجز عن مواصلة الجهود بنفس الزخم السابق. ومن هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى تدخل مؤسسة شيخ الشرفاء أولاد أبي السباع بالصحراء المغربية، باعتبارها المرجع الجامع والرمز المعنوي للقبيلة، من أجل استلام المشعل والتسيق مع الجمعية المشرفة على تنظيم الملتقى ومواصلة المسيرة التي بدأها شباب القبيلة الغيورون على وطنهم، بزعامة الشريف أحمد ابيتان.
إن المطلوب اليوم هو عقد اجتماع تنسيقي يضم السيد العامل المحترم، ومؤسسة الشيخ التي يمثلها الشيخ الشريف عبداللطيف بيرة، والجمعية المنظمة التي يرأسها الشريف أحمد أبيتان، إلى جانب ممثلي السلطات المحلية والمنتخبين والفاعلين المدنيين، من أجل وضع خطة عملية لإحياء النسخة الرابعة من الملتقى، على أسس جديدة تضمن استمراريته وقوته التنظيمية. فإحياء هذا الحدث الوطني في هذه السنة الرمزية سيكون رسالة قوية لخصوم الوحدة الترابية شرق الجدار، ودليلاً على أن بوجدور – مدينة التحدي – قادرة على تحويل الصعاب إلى فرص، والإكراهات إلى إنجازات.
إن ملتقى الشرفاء أولاد أبي السباع ببوجدور ليس مجرد تظاهرة ثقافية، بل هو عنوان لوحدة القبائل الصحراوية وإخلاصها للوطن، وفضاء لتعزيز الانتماء الوطني والتعريف بالمشاريع الملكية الكبرى التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بالإقليم. ويبرز في هذا الإطار دور قبيلة الشرفاء أولاد أبي السباع في دعم مشروع الحكم الذاتي الذي يمثل الحل الأمثل لتدبير الشأن المحلي بالصحراء المغربية، ويؤكد التزام القبائل الصحراوية بالولاء للعرش العلوي المجيد وحماية الوحدة الوطنية.
لقد أثبتت النسخ السابقة للملتقى قدرة القبائل الصحراوية على العمل المشترك والانخراط الفعّال في المبادرات الوطنية، ما يعكس استقرار وضعها وانخراطها الكامل في مشروع الحكم الذاتي الذي يمنح الساكنة ضمانات التنمية والمشاركة في تدبير الشأن المحلي. كما أظهرت هذه النسخ عمق الروابط الإقليمية والدبلوماسية مع الجوار، بما في ذلك الوفود المشاركة من الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وساهمت في توجيه رسائل واضحة لخصوم الوحدة الوطنية شرق الجدار، وللمجتمع الدولي حول التلاحم الوطني واستقرار المنطقة.
بهذا المعنى، يمثل الملتقى أكثر من حدث ثقافي؛ إنه منصة وطنية ودبلوماسية تعكس الوجه الحقيقي للصحراء المغربية، وتبرز نجاح مشروع الحكم الذاتي في ضمان الأمن والاستقرار والعيش المشترك للساكنة، وتؤكد أن تنظيم النسخة الرابعة للملتقى ضرورة وطنية للحفاظ على هذا الإرث الثقافي وتعزيز الولاء والانتماء للوطن، بما يجعل بوجدور منارة للتحدي والوفاء والإشعاع الوطني.
اترك تعليقاً