منتدى العمق

الفجوة الرقمية في المغرب: من الاتصال إلى العدالة الرقمية

رغم أن تقارير حديثة مثل Social Media Barometer 2025 كشفت أن 81% من المغاربة اليوم متصلون بالإنترنت، فإن الوجه الآخر للمعادلة يكشف أن قرابة 19% من المواطنين ما زالوا خارج الفضاء الرقمي. هذا الرقم ليس مجرد إحصاء تقني، بل مؤشر اجتماعي وسياسي يكشف عن خلل عميق في توزيع فرص المعرفة والمشاركة والولوج إلى الخدمات الأساسية.

الفجوة الرقمية لا تعني فقط وجود أو غياب الإنترنت، بل تشمل جودة الاتصال، سرعة الخدمة، تكلفة الاشتراك، ومستوى التمكّن من المهارات الرقمية. بينما يستفيد سكان المدن الكبرى من تغطية واسعة وخدمات متطورة، ما زالت مناطق قروية وجبلية تعاني ضعف الصبيب أو انعدامه، ما يحرم آلاف التلاميذ والطلبة من متابعة دراستهم في ظروف متكافئة.

الأمر يتعدى التعليم، إذ إن المواطنين غير المتصلين يجدون أنفسهم مستبعدين من الخدمات الإدارية الرقمية (مثل التسجيل في برامج الدعم الاجتماعي أو الخدمات البنكية)، ما يجعل الهوّة بين “المتصل” و”غير المتصل” أشبه بفاصل طبقي جديد.

إلى جانب الفوارق المجالية، تبرز الفجوة العمرية: الشباب والفئات الوسطى أكثر حضورًا في الفضاء الرقمي، بينما نسبة مهمة من كبار السن والنساء في المناطق الهشة تظل خارج الشبكة. هذا الواقع يخلق جيلين: جيل مغمور بالبيانات والتطبيقات، وجيل آخر يعيش بمنطق “الورقي” التقليدي.

حين يصبح الإنترنت شرطًا للولوج إلى التعليم، التوظيف، والخدمات الصحية والإدارية، فإن الفجوة الرقمية تتحول إلى فجوة في الحقوق. التعليم الجامعي مثلًا اليوم يفرض منصات رقمية للتسجيل والتواصل، ما يجعل الطالب غير المتصل محرومًا مسبقًا من فرص متكافئة. وهو ما يشكل خطرًا على مبدأ العدالة الاجتماعية ويعيد إنتاج اللامساواة بأشكال جديدة.

سدّ هذه الهوّة لا يقتصر على نشر الألياف البصرية أو توسيع التغطية فقط، بل يتطلب رؤية شمولية تشمل:

تخفيض كلفة الاشتراكات خاصة للفئات الفقيرة.

إدماج التكوين الرقمي في المناهج منذ التعليم الابتدائي.

تطوير مراكز مجتمعية رقمية في القرى لتمكين الجميع من خدمات الإنترنت.

ضمان أن التحول الرقمي في التعليم والإدارة لا يُقصي المواطنين غير المتصلين.

الفجوة الرقمية اليوم هي الفجوة الاجتماعية الجديدة. وإذا كان المغرب قد نجح في إيصال الشبكة إلى أغلب المواطنين، فإن التحدي القادم ليس الكمّ بل الكيف: كيف نجعل الرقمنة أداة للعدالة والتمكين، لا مجرد وسيلة لإعادة إنتاج الإقصاء بوجه عصري.