وجهة نظر

كيف نتواصل مع جيل زد الغاضب؟

خرج شباب من “جيل زد” المغربي إلى الشوارع للتعبير عن مطالب مجتمعية عامة: الصحة والتعليم ومحاربة الفساد والكرامة، وتوسعت احتجاجاتهم لتشمل مدنا مغربية كثيرة، لكن التحاق مخربين بهؤلاء الشباب المحتج وتحطيمهم لممتلكات المواطن والوطن، يعيد طريح أسئلة أخرى.

فبعد هذا التحرك الرقمي وعلى أرض الواقع، تحركت الحكومة أخيرا وطلبت للتحاور مع المحتجين، وهذا أمر مستغرب، إذ إن أغلبهم فتية وشباب ربما من خبرة. بالمقابل يتم الطلب منهم تحديد اسم أو أسماء من أجل محاورتهم حول الملفات والقضايا التي حددوها، ربما من أجل تهدئة الخواطر، وجلب تعاطف من الرأي العام المغربي مع “حكمة” الحكومة. لكن ما الحل؟

من باب تحقيق مصلحة البلاد والمغاربة، فإنه من الضروري أن يفكر الكل في أمور وأعمال قد تحقق كثيرا من مطالب جيل زيد والشعب المغربي، وتحفظ لنا كيان دولتنا المغربية وأجهزتها والممتلكات العامة التي تم بناؤها من عرق المواطنين وبتخطيط وتنفيذ من الدولة!

أول من يعرف التحاور مع الشباب هم الشباب أنفسهم، وهنا على أحزاب محددة أن تضع خططا عاجلة للتواصل مع جيل زد، كما أن على بعض المفكرين والعلماء والسياسيين وبعض المسؤولين في أجهزة الدولة الذين لديهم حظوة لدى المغاربة التواصل مع المحتجين.

صحيح أن الدولة أخطأت في إضعاف المؤسسات الوسطية بين الشعب والحكومة، بل عملت على تفريخ أحزاب وجمعيات وغيرها زادت من إفشال الأدوار المنوطة بالمجتمع المدني، لكن لا ينكر أحد أن هناك أحزابا وجمعيات لا تزال تحتفظ ببعض الثقة لدى جزء مهم من الرأي العام المغربي.

 

وعلى هذه الأحزاب والجمعيات المدنية ألا تكتفي ببيانات وتحليلات إعلامية لمظاهرات جيل زد، بل أن تأخذ بزمام المبادرة وتقوم بمهامها وعلى رأسها التواصل مع الشباب.

 

من أهم أساليب التحاور مع المحتجين مواقع التواصل الاجتماعي التي انطلقت منها الدعوات للاحتجاج، فلا يعقل أن يبقى المجتمع المدني رهينا لعمل تقليدي مباشر فقط، بل يفترض أن تكون لديه لجان شبابية تتقن التواصل واقعيا ورقميا.

وهذه مهمة حزبية ووطنية في الآن نفسه، وليس الغرض منها تحقيق مكاسب سياسية الآن، بل حفظ الوطن ممن يريد به سوءا، داخليا وخارجيا، والحوار والتفكير في المطالب التي رفعها جيل زد.

كما أنه من المهم انخراط شباب الأحزاب والجمعيات في المظاهرات التي تخرج في هذه المدينة أو تلك، وذلك من أجل المساندة من جهة والتواصل مع الشباب من جهة أخرى.

لا أدري ما فائدة مقار الأحزاب والجمعيات والمسارح إذا لم تحتضن نقاشات عامة حول القضايا المطروحة وغيرها، وتدارك الخلل الذي تعيشه الأحزاب التي لا تظهر إلا أيام الانتخابات!

ويمكن نقل تلك النقاشات عبر المنصات الرقمية مما يسمح بمتابعتها النقاش، إن كانت تعبر عن حوار صريح وبناء وموضوعي، مع إمكانية المشاركة الرقمية بأسئلة وقراءة آراء بناءة ترد عبر الإنترنت.

أما السياسيون والمثقفون والعلماء، فهم ليسوا مطالبين بالتحاور مع الشباب فقط، بل مطالبون بابتكار وسائل جديدة لحسن الإنصات للشباب وفهمهم، وحسن التحاور والتوعية بما لديهم من خبرات وأخطاء.

أما الصحافة المغربية فرغم كثرة وسائلها، ورغم بعض أعمالها الرائعة، فإنها الحاضر الغائب عن المشهد عموما. فالشباب هم من يصنع الحدث الآن، وهم من يستطيع أن يفسر لماذا يحتجون؟ وخلفيات مطالبهم، وكيفية تحقيقها وغيرها من الأمور والزوايا التي تحقق نوعا من التواصل البناء مع جيل زد.

إن حفظ الوطن وتحقيق مصالح المواطن من وظائف الإعلام الأساسية، ولا قيمة ومكانة لوسائل الإعلام أمس واليوم وغدا إن لم تكن ابنة بيئتها، وعاكسة لما يجري فيها.

قد يرى البعض أنني ركزت على أطراف دون أخرى، وهذا مقصود، فلباقي الأطراف من الأجهزة والعقول التي قد تبدع أساليب وأعمالا مواكبة لتطورات العصر والإنسان. أما تكرار أساليب قديمة في الاحتواء، فهي مثل دواء مسكّن ينمحي أثره بسرعة، ويخفي المرض ويهيئه لألم أشد وانفجار أقوى، لا قدر الله.