خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة التشريعية لشهر اكتوبر عادة ما تكون له أهمية خاصة؛ إذ يعتبر بمثابة برنامج اشتغال المؤسستين الحكومية والبرلمانية على امتداد سنة تشريعية كاملة، يتضمن المشاريع والبرامج والسياسات التي يتعين وضعها، خصوصا من خلال التداول في مشروع القانون المالي داخل غرفتي البرلمان.
غير ان سياق خطاب افتتاح الدورة المذكورة لهذه السنة يتميز على مستويين اثنين، أولهما هو سياق خارجي مرتبط بقضية الوحدة الوطنية، مع ما تعرفه من مستجدات على مستوى هيئة الأمم المتحدة، وهي مستجدات تعكس حجم واهمية النتائج التي ما فتئت بلادنا تجنيها بفضل تبصر رؤية جلالته، وقد أكد في ذلك على أهمية استنهاض همم البرلمانيين والأحزاب السياسية، والقيام بالأدوار المنتظرة منهما في مجال الديبلوماسية الموازية؛
المستوى الثاني هو سياق وطني، يتعلق بانتظارات المواطنات والمواطنين، في مجالات الشغل والصحة والتعليم والتنمية، وفي هذا وضع جلالته خطة متكاملة، تقتضي بداية تحمل الجميع لمسؤولياته في مجال التواصل والتعريف بالإصلاحات الكبرى المنجزة، فجلالته بذلك يشير إلى النقص الذي يعتري التعريف بالإنجازات الكبيرة والتي غيرت واقع البلاد واثرت بشكل إيجابي على الواقع المعيشي للمواطن، وفي هذا يمكن ان نشير إلى القفزة النوعية التي تحققت على مستوى التنمية الاقتصادية التي اصبحت بموجبها بلادنا تحقق ريادة في العديد من القطاعات على صعيد علاقتها مع الشركاء الاقتصاديين، الشيء الذي خلق مناخا اقتصاديا مفتوحا يخلق فرص الشغل، ولقد ترافق ذلك مع إقرار نظام متقدم في مجال الحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى ما انجز على مستوى البنية التحتية الطرقية والاهتمام بمجالات حيوية كثيرة.
وفي نفس السياق اعتبر جلالته ان المرحلة المقبلة يتعين فيها الإسراع في وضع جيل جديد من برامج التنمية الترابية، وهي التي وصفها ببرنامج رابح رابح بين المجالات الحضرية والقروية؛ إن جلالته يدعو إلى اعتماد برامج التنمية المجالية على أساس العدالة بين القرية والمدينة، بحيث تستفيد القرية من الاهتمام الذي تستحقه لتحافظ على دورها كأحواض للحياة تتوفر فيها جميع الخدمات التي يحتاجها المواطن، بحيث لا مجال لتنمية جزئية تستفيد منها المدن دون المجالات الجبلية والقروية، ومن هنا دعوته لمحاربة الفوارق المجالية، وإيلاء المجالا الجبلية والواحات بالإضافة إلى الساحل ما تستحقه من برامج تضعها في صلب العملية التنموية للبلاد.
ان خطاب جلالة الملك، على الرغم من كونه قد ورد في إطار خطاب افتتاحي للسنة التشريعية الخامسة للحكومة الحالية، فان مضامينه ممتدة إلى تأطير مرحلة زمنية ابعد من ذلك، حيث انه يتضمن دعوة إلى تفعيل ثورة جديدة في مجال التدبير العمومي، يقوم على التضامن الاجتماعي والمجالي، بين الجهات على اختلاف امكانياتها، من جهة أخرى فان خطاب جلالته دعا إلى اجراء تغيير ملموس في العقليات وفي طريقة العمل يرسخ ثقافة الإنجاز والنتائج، وهي ثقافة تدبيرية من شأنها ان تحقق ما تصبو اليه المملكة خلال المرحلة القادمة.