وجهة نظر

كرمان: حمامة سلام أم بومة شؤم؟!

جرت العادة أن تخصص عديد المؤسسات والجامعات والأكاديميات عبر العالم جوائز متفاوتة الأهمية في شتى المجالات الأدبية والعلمية والسياسية والاقتصادية والرياضية وغيرها، قصد التشجيع على الخلق والإبداع والمزيد من التنافس والعطاء المثمر، تقديرا لما يبذل من جهود في هذه الاتجاهات سواء من قبل الأفراد أو الفرق أو المنظمات. ومن الجوائز ذات الشهرة العالمية، هناك جائزة نوبل في الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والاقتصاد، لكن الجائزة الأبرز والأهم هي جائزة نوبل للسلام، التي تهدف إلى تعزيز قيم السلام والتعاون الدوليين، وتمنح لأجل جهود السلام والالتزام بالقيم النبيلة مثل العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان.

وفي هذا الإطار ظل المغاربة مثل باقي الشعوب العربية والإسلامية يفخرون بحصول الناشطة اليمنية “توكل كرمان” على جائزة نوبل للسلام في عام 2011 إبان ما عرف ب”الربيع العربي” الذي لم يلبث أن تحول إلى “خريف عربي”، باعتبارها أول امرأة عربية وثاني مسلمة تحظى بهذا الشرف في سن الثانية والثلاثين من العمر كأصغر شخصية تتوج بهذه الجائزة ذات المستوى الرفيع، التي تمنح في حفل بهيج بالعاصمة النرويجية أوسلو في يوم 10 دجنبر من كل سنة.

فالناشطة “كرمان” المحسوبة على تيار جماعة الإخوان المسلمين والمقيمة في تركيا، هي صحافية وحقوقية يمنية ورئيسة منظمة “صحافيات بلا قيود”، كانت من أشد المعارضين لنظام الرئيس اليمني “الراحل” على عبد الله صالح. وإلى جانب ما عرف عنها من دفاع عن حقوق الإنسان وخاصة ما يتعلق بحرية الرأي والتعبير والحقوق الديمقراطية، اشتهرت كذلك بعدة ألقاب خلال فترة “الربيع العربي” ومنها “أم الثورة” و”المرأة الحديدية”، لما قامت به من أدوار طلائعية في انتفاضة الشباب المؤيدة للديمقراطية، التي شهدتها بلادها خلال سنة 2011، إذ ساهم دورها القيادي في النضال السلمي ومكافحة الفساد والاستبداد في نيل الجائزة العالمية، ولاسيما أنها كرست جهودها آنذاك لتعزيز ونشر ثقافة السلم، جاعلة منها منهجا تؤكد عبره للعالم مع رفاقها مدى تطلع الشعب اليمني للسلام، خلافا لما يتم الترويج له من صورة نمطية عن أن اليمن مصدر العنف والإرهاب.

بيد أن “كرمان” التي كان يفترض أن تشكل قدوة حسنة في تعزيز قيم السلام والتآزر ونشر ثقافة الحوار الهادف، ونبذ مختلف أشكال العنف والاعتداء على حقوق الغير، احتراما لرمزية تلك الجائزة الكبرى، سرعان ما خيبت ظن المغاربة فيها، بعد أن قامت لغرض أو أغراض وحدها تعلم جيدا طبيعتها، باستغلال احتجاجات حركة “جيل Z” المطالبة بإصلاحات سياسية داخلية في اتجاه تأجيج غضب المتظاهرين، وتحريضهم على الانخراط في أعمال عنف وتخريب في مختلف المدن المغربية، وذلك عبر نشرها مجموعة من التدوينات المغلفة بشعارات ثورية على حساباتها الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أنها وصفت تلك المشاهد من التخريب والحرائق بما أسمته “مجد للشعب المغربي الثائر”، وتزييف الحقائق من خلال الادعاء بكون المحتجين يقتربون من الهجوم على القصر الملكي…

أفلا يعكس مثل هذا الموقف العدائي والمنحاز لتلك الشرذمة من المندسين والمخربين تناقضا صارخا بين شعار السلام، الذي نالت على إثره جائزة نوبل للسلام، وبين الخطاب التحريضي المتهور، الذي يدعو إلى إشعال الفتنة ويشرعن الفوضى والتدمير؟ ثم عن أي مجد تتحدث “كرمان” أمام تلك الممارسات التخريبية الدنيئة والمرفوضة، التي يسعى الواقفون خلفها من أمثالها إلى تهديد الاستقرار وتكريس الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة بلا أدنى رحمة، فضلا عن محاولة الاستيلاء على أسلحة أحد مراكز الدرك الملكي بالقليعة؟

فما يستغرب له كثيرا هو أن تتجاهل “مؤسسة نوبل” تجاوزات “كرمان” التي طالما قامت بالتحريض على العنف والدعوة إلى إسقاط أنظمة سياسية في بعض الدول العربية، لاسيما أن هناك شخصيات سياسية وحقوقية وإعلامية من عدة دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا، بما في ذلك هيئة المرأة العربية سبق لها جميعها أن طالبت بإلحاح شديد بسحب جائزة نوبل من هذه “البومة” جراء نعيقها المستمر ومعاداتها لوطنها وجميع البلدان العربية، في الوقت الذي تساند فيه بقوة الكيانات والدول الداعمة للإرهاب والكراهية.

ذلك أن الكثير من الحقوقيين والفاعلين السياسيين يرون أنه كان من المفروض أن تظل حريصة على تكريس قيم السلام والتعايش، بدل تمجيد الشغب والتخريب وتحويل خطبها إلى وقود لإشعال الحرائق وإثارة السخط والاستياء، رافضين مثل هذا التناقض الأخلاقي والسلوك الأرعن، بعد أن كانت تشكل أيقونة للسلم والسلام. حيث لم يعد أحد يصدق ما تتبجح به من شعارات عن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، بينما هي تكاد لا تتوقف عن ممارسة التحريض في أبهى تجلياته، رغم أنها ترى كل ذلك الكم من العنف والاعتداء على المباني والمتاجر والبنوك والسيارات بما فيها سيارات قوات الأمن…

إن ما يحز في النفس هو أن “توكل كرمان”، التي سبق للمملكة الشريفة أن استقبلتها استقبال كبار الشخصيات السياسية سنة 2014 خلال انعقاد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان ووفرت لها جميع شروط الراحة في أفخر الفنادق، هي نفسها من تعود اليوم للتحريض على القتل والنهب والسلب والدعوة إلى التمرد على النظام في واضحة النهار، مما يتعارض مع الشروط الواجب توفرها في الشخصيات التي تمنح لها جائزة “نوبل للسلام”، ويستدعي وجوبا سحب هذه الجائزة القيمة منها في أقرب الآجال…
اسماعيل الحلوتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *