خلق قرار قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس، القاضي بمتابعة القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين، بتهمة “المساهمة في القتل العمد” للطالب بنعيسى آيت الجيد، جدل كبيرا في الأوساط القانونية والقضائية كما فعل في الساحة السياسية والاجتماعية. وقد أحدث القرار انقساما في أوساط المحامين بين من يرى أن الملف سياسي محض وتقف وراءه أيادي تريد محو رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان من الساحة، وبين من يرى أن الملف جرمي يستوجب المتابعة والمساءلة، وهناك تقدم جريدة “العمق” وجهتي نظر بعض المحامين حول الملف.
ثقة في القضاء
من ضمن الذين دافعوا على قرار قاضي التحقيق القاضي بمتابعة المستشار البرلماني عبد العالي حامي الدين، المحامي بهيأة الرباط، عبد الفتاح زهراش، قائلا: “يجب أن نثق في ما ناضل من أجله المغاربة قاطبة وهو استقلال القضاء وسيادة دولة الحق والقانون”، داعيا كل من لديه دفوعاته أن يتقدم بها أمام القضاء، مشددا على أن السياسيين يجب أن يكونوا في الواجهة وفي الرديف الأول للدفاع عن استقلالية القضاء.
وانتقد المحامي في تصريح لجريدة “العمق”، التصريحات التي أفضت بها شخصيات عامة مسؤولة وملزمة بسر التحفظ أمثال وزير الدولة المكلفة بحقوق الإنسان مصطفى الرميد، قائلا: “فقد أعطى موقفا من هذه القضية التي كان لا يجب أن يقوم به. فالفعل الذي أقدم عليه مجرم بمقتضى الدستور والقانون وما أفضى به رئيس الفريق في قبة البرلمان وأساء لمبدأ استقلال السلطة القضائية”.
وأضاف زهراش أن القضاء هو من يقرر في متابعة حامي الدين، موضحا أن هذا لا تلغي مبدءً أساسيا متعارف عليه في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ألا هو قرينة البراءة، مضيفا أن حامي الدين بريء إلى أن تثبت إدانته، متسائلا فلماذا هذا التطبيل والمس بمبدأ ناضل عليه المغاربة وهو استقلال السلطة القضائية، قائلا: “على الجميع بما فيهم الوزير الرميد ورئيس الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية وحزبهم ككل الانتظار إلى حين قول القضاء لكلمته في الموضوع إذا كانت عندنا جميعا الثقة في ما نقوم به كأفراد وجماعات في ما يتعلق بسيادة دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات”.
حقوق مقدسة
لكن المحامي عبد اللطيف وهبي، ذهب مذهبا غير ذلك الذي سلكه زهراش، فقد رأى أن الموضوع أكبر من حامي الدين، قائلا “فهو موضوع حول مدى احترام القانون وتطبيق المبادئ الدستورية والقواعد المتعارف عليها منذ أكثر من 100 سنة، عندما أصبح لهذا البلد قانون جنائي وقانون للمسطرة الجنائية”.
وشدد وهبي على أن “تعليل قاضي التحقيق مخالف لدوره الأساسي كقاضي التحقيق في مراقبة حسن تطبيق القانون وحماية المتهم”، لافتا إلى أن حقوق المتهم هي “حقوق مقدسة لأنها حقوقنا جميعا في إطار دولة القانون وليس فقط حق حامي الدين”، على حد قوله.
واعتبر المحامي أنه في جميع الأحوال سيتحول حامي الدين إلى إشكال قانوني، داعيا إلى الاهتمام بهذا الموضوع “لأن الإصلاحات التي سيدخلها قانون المسطرة الجنائية في المستقبل سيكون من بين قضاياها هذه المواضيع”، مضيفا أن “المادة 292 من المسطرة تم تفسيرها بشكل ضيق جدا، لأن حقوق المتهم يجب التوسيع في فهمها وليس تضييقها”.
قضية رأي عام
أما المحامي جواد التويمي، فاعتبر قرار قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس، القاضي بمتابعة القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العلي حامي الدين، بتهمة “المساهمة في القتل العمد” للطالب بنعيسى آيت الجيد، “صائبا”، موضحا أن الملف أخذ مسارا طويلا.
وأوضح التويمي في تصريح صحفي أن مجموعة من المحامين سيدافعون عن القضية باعتبارها قضية رأي عام، مشيرا إلى أن آيت الجيد كان مناضلا له صيت على مستوى الجامعة وتم إسكاته بالقتل من طرف مجموعة من الأشخاص.
زعزعة الأمن القضائي
إلا أن المحامي عبد العزيز النويضي، نبه إلى خطورة خرق القواعد القانونية المعمول بها في مجال القضاء وإحياء الملفات، قائلا: “لو فتحنا هذا الباب ضدا على قاعدة حجية الأمر المقضي ومبدإ عدم جواز المحاكمة مرتين على أفعال سبق الحكم فيها بشكل نهائي لتزعزع استقرار الأمن القانوني والقضائي ودخلنا في متاهات لا نهاية لها وصار بالإمكان لأي كان أن يرفع دعاوى جديدة ضد أفعال حكمت نهائيا”.
واستغرب النويضي في تصريح لجريدة “العمق”، من متابعة حامي الدين بعد حفظ الملف مرارا لسبق البث، قائلا “فنفس الوقائع سبق لمحكمة الاستئناف، أن أصدرت بفاس سنة 1994 قرارا يدين عبد العالي حامي الدين رفقة آخرين بسنتين سجنا نافذة بعد متابعتهم بتهمة المشاجرة بين فصيلين طلابيين أسفرت عن وفاة، ثم إن قاعدة التقادم تمنع إعادة فتح الملف فالأفعال حدثت بتاريخ 25 فبراير 1993 ومهما كان تكييفها فقد مضى عليها أكثر من 25 سنة”.
وشدد المحامي على ضرورة احترام استقلال القضاء عبر توفير ضمانات قوية لهذا الاستقلال، موضحا أن احترام القضاء يعني أيضا احترام قرارته بما فيها تلك التي اكتست صبغة نهائية وتركه يعمل باستقلال بعيدا عن التجاذبات السياسية لأنه أيضا مرفق عمومي يجب أن يعمل في إطار مبادئ الحياد والاستمرارية وجودة الخدمات لا أن يكون وسيلة من وسائل الصراع ضد الخصوم السياسيين أو مناهضي الفساد والاستبداد.