وجهة نظر

مرة أخرى.. في الحاجة إلى فكر الجابري والعروي والخطيبي

نعتقد أننا اليوم، ونحن العرب المسلمون نستعد للدخول في مرحلة تاريخية جديدة، مفصلية، مرحلة ما بعد كورونا، في حاجة ماسة إلى إعادة القراءة أو لنقل القراءات في فكر مجموعة من رواد الفكر في وطننا العربي الإسلامي ومنهم الرواد المغاربة.

وفي هذا الصدد، دعنا نلامس معا – دون ادعاء بامتلاك حقيقة الفهم – منظور الرواد الثلاثة: الجابري والعروي والخطيبي، للماضي/ للتاريخ. ثم نلامس ما يجمعهم في هذا الصدد، لفهم الحاضر وتحديد الاتجاه الصحيح للمستقبل.

يدعو المؤرخ عبد الله العروي الذي يستند بشكل أساسي إلى ” المنهج التاريخاني “، بصراحة، للعودة إلى الماضي وقراءته بشكل موضوعي لفهم الحاضر.

وفي مقاله المتميز بأحد أعداد مجلة ” أفكار” المغربية (التي توقف إصدارها)، ذهب محمد بنيونس – أستاذ باحث في الفلسفة الإسلامية – إلى أن الجابري ينطلق من خلفية إيديولوجية تاريخية يصرح بها، ومنهجية إبستمولوجية نقدية، في التأسيس لمشروع يقوم على مطلب إعادة كتابة تاريخ الفكر العربي الإسلامي نظرا للتداخل الحاصل في حقبه من حيث الزمان والمكان، لإيجاد إطار مرجعي يشكل سندا لكل محاولة في إعادة قراءة الثقافة العربية ومراجعتها بكيفية نقدية موضوعية، وذلك من خلال تيمة مركزية تقوم على وحدة الموضوع، أي العقل العربي.

والنقد عند الجابري – حسب الباحث نفسه – ليس مطلوبا من أجل ذاته، وإنما هو مشروع هدفه تحرير العقل العربي من قيوده وبث الحياة فيه. وفي ذلك يقول (رحمه الله): ” فنحن لا نمارس النقد من أجل النقد، بل من أجل التحرر مما هو ميت أو متخشب في كياننا العقلي وإرثنا الثقافي، والهدف: فسح المجال للحياة كي تستأنف فينا دورتها وتعيد فينا زرعها (…) ولعلها تفعل ذلك “.

ومن ضمن المقولات الافتتاحية التي اختارها أيوب يوسف – باحث في الفلسفة – وهو يقدم دراسته حول ” نحن والثراث ” للمفكر الجابري، مقولة السوسيولوجي الخطيبي: ” لكي نقطع الصلة مع الثرات يجب أن نعرفه جيدا كما يجب أن نكون قد أحببناه وتشبعنا به “.

إن قراءة متمعنة فيما تقدم من أفكار الرواد الثلاثة توحي بتكاملهم الفكري. وبالتالي تجعلنا نستشف بعض المشترك بينهم علنا نستفيد منه في وقتنا الراهن والمستقبلي ونحن نعاني من تبعات ” كورونا “، والخفي أعظم:

-دعوتهم الصريحة إلى إعادة قراءة الماضي/ التاريخ بناء على أسس علمية موضوعية وبروح نقدية، للتمكن من فهم الحاضر.

-ودعوتهم إلى الاتجاه نحو المستقبل، اعتمادا على العلم/ العقل.

-وتأكيدهم على أنه إذا عرفنا جيدا تراثنا وأحببناه وتشبعنا به – كما هو حال اليابانيين والصينيين… – يصبح حاضرا باستمرار في ذواتنا وسلوكاتنا وثقافتنا. ويصبح جزءا لا يتجزأ منا.

إن القراءة الجيدة للتاريخ والثرات، تبعث الثقة بالنفس التي يجسدها الاعتراف بالأخطاء، و” كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ” كما جاء في الحديث النبوي.
أجدني ممن يعتقدون أن التاريخ ليس مجرد مجموعة من الأحداث والوقائع، بل هو ترجمة حقيقية لحياة الشعوب وتطورها الحضاري. ومن تم فالإجابة على مجموعة من الأسئلة المركزية منها: ما موقعنا في عالم يتغير من حولنا باستمرار وفق مصالح صناعه؟، تتطلب القراءة الموضوعية النقدية للماضي والحاضر لتحقيق مستقبل أفضل.

الخلاصة، يبدو أن ” نظاما عالميا جديدا ” وشيك لا محالة، في مرحلة ” ما بعد كورونا “. لذلك ما أحوجنا اليوم إلى مدرسة العقل، لتجاوز المشكلات والتحديات الصعبة التي سيواجهها الإنسان العربي المسلم في المستقبل القريب والبعيد، بل بدأ يواجهها وهو في أسوأ مراحله التاريخية المعاصرة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا (…)

إننا إذا لم نصنع مستقبلنا من خلال التسلح بالنظرة الاستشرافية الحية، والتصورات العقلانية، والتصالح بين دول الجوار، والتكثلات الاقتصادية القوية بين الدول العربية والإسلامية وتوسيع نطاقها ليشمل الدول الافريقية(…)، فإن القوى العظمى ستصنعه لنا وفق مصالحها الاستراتيجية.

* إعلامي وباحث.

تعليقات الزوار