وجهة نظر

هل من صلاحيات الملك الدستورية إقالة رئيس الحكومة أو مطالبته بتقديم استقالته؟

تداولت، يوم الجمعة، الصحافة الإلكترونية والمنصات الرقمية “وثيقة مجهولة المصدر” تتضمن مطالب ما يسمى بحركة “شباب زاد”، والتي تضمنت داخل دفتيها مطالب، اجتماعية وسياسية وأخرى دستورية، ومن جملة هذه المطالب، نجد مطلب إقالة أو إعفاء رئيس الحكومة الحالية من قبل الملك.

وهذه النقطة بالذات، أعادت النقاش الأكاديمي من جديد عن صلاحية الملك المتعلقة بإقالة رئيس السلطة التنفيذية، وقد برزت في هذا السياق بعض التحليلات الأكاديمية والصحفية ووجهات نظر جامعية، القاسم المشترك بينها كونها حسمت، بأنه ليس من صلاحية الملك دستوريا أن يُقِيلَ رئيس الحكومة أو يدفعه لتقديم استقالته، وذلك بمبرر أن الفصل 47 من دستور 2011، يعطي للملك فقط، إما بمبادرة منه إمكانية إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم (البند 3 من الفصل 47)، وإما إعفاء عضو أو أكثر من أعضائها بناء على طلب من رئيس الحكومة أو بناء على استقالتهم (أعضاء الحكومة) الفردية والجماعية (البندين 3 و4 من الفصل 47)، أما إمكانية الحديث عن إقالة أو إعفاء الملك لرئيس الحكومة أو مطالبته بتقديم استقالته فتكون بمبادرة تلقائية من الأخير أي أن رئيس الحكومة هو الذي يتقدم بها من تلقاء نفسه وبمبادرة منه على أساس أن ذلك يجد سنده في (البند 6 من الفصل 47).

وانطلاقا، من هذه التحليلات واستنادا للقراءة النصية والحرفية لمنطوق الفصل 47 من الدستور، فإن الملك لا يملك صلاحية إعفاء رئيس الحكومة أو مطالبته بتقديم استقالته من مهامه الدستورية. لكن في تقديري الشخصي، يمكن القول إن القراءة الإختزالية أو الضَّيِّقة لفصول دستور 2011 دون استحضار منطق الكتلة والتأويل الدستوريين، خاصة في الجانب المتعلق بالإعفاء الملكي لرئيس الحكومة أو مطالبته بتقديم استقالته، تُبَيِّن ظاهريا وشكليا أن الملك ليس من اختصاصه إعفاء رئيس الحكومة أو حمله على تقديم استقالته، وذلك استنادا إلى نص الفصل 47 من الدستور المومأ إلى منطوقه أعلاه. لكن في المقابل من ذلك، وبعيدا عن القراءات الضَّيِّقة للمقتضيات الدستورية الخاصة بصلاحيات وسلط المؤسسة الملكية في علاقتها بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، يتضح عبر قراءة عرضانية غير اختزالية للمقتضيات الدستورية أن ما لا يتيحه الفصل 47 من دستور 2011 للملك فيما يتعلق باعفاء أو إقالة رئيس الحكومة أو مطالبته بتقديم استقالته، قد تُتِيحه له بشكل ضمني وغير صريح تباعا بعض الفصول في مواضع أخرى من الوثيقة الدستورية، هذا أخذا بعين الاعتبار أن الفصل 47 من الدستور بدوره ليس فيه ما يمنع الملك بشكل صريح من إعفاء رئيس الحكومة أو إعفاء جميع أعضاء الحكومة دفعة واحدة أو عبر مراحل، وما يستتبع الإعفاء الكلي لأعضائها من تبعات قد تضع رئيس الحكومة أمام خيار تقديم استقالته للملك، حتى لو لم يكن رئيس السلطة التنفيذية يرغب فيها، وذلك انطلاقا من مُمكِنات التأويل الملكي للفصل 47 وفصول أخرى من الوثيقة الدستورية انطلاقا من أن الدستور يشكل كتلة دستورية موحدة غير منفصلة.
وفي هذا الإطار، قد يشكل التلويح الملكي بتطبيق الفصل 51 من الدستور بداية للتدخل الملكي غير المباشر من أجل حمل رئيس السلطة التنفيذية ـ بطريقة ضمنية ـ على تقديم استقالته التلقائية والإختيارية حتى لو لم يكن له رغبة في ذلك، خاصة وأن هذا الفصل يتيح للملك صلاحية وإمكانية حل مجلسي البرلمان (النواب والمستشارين) أو أحدهما (مجلس النواب مثلا) بموجب ظهير شريف ووفق شروط شكلية.

وفي هذا السياق، حَدَّدَ الفصل 96 من الدستور الشروط الشَّكلية، التي تسبق مسطرة الحَلّ الملكي للمجلسين معا أو أحدهما (مجلس النواب مثلا) وهذه الشروط الشكلية هي: استشارة رئيس المحكمة الدستورية؛ اخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، لكن شريطة أن يقع الحل الملكي للبرلمان بمجلسيه أو أحدهما بعد خطاب يوجهه الملك إلى الأمة، بَيْدَ أنه للملك وحده صلاحية تقدير توافر الشُّرُوط المُوجِبَة لحل المجلسين أو أحدهما من عدم توافرها.

وهنا يطرح تساؤل جوهري، ما الذي سيحدث في حالة تفعيل الملك صلاحيته الدستورية المتمثلة في حل المجلسين معا (النواب والمستشارين) أو على الأقل حل مجلس النواب مثلا؟، الجواب نجده في الفصل 97 من الدستور، ذلك أنه من الطبيعي والعادي أن يحدث فراغ على مستوى مؤسسة البرلمان بمجلسيه أو على مستوى مجلس النواب في حالة حله لوحده، وعليه فإنه درءا لحالة الفراغ التي ستصيب الجهاز التشريعي بعد حله كله أو الاكتفاء بحل مجلس النواب وحده من لدن الملك في إطار صلاحيته المنصوص عليها في الفصل 51 من الدستور، فإنه بموجب الفصل 97 يتم انتخاب برلمان جديد في ظرف شهرين على أبعد تقدير من تاريخ الحل الملكي للمجلسين معا ـ صحيح قد يقول قائل أن تنظيم انتخابات جديدة له تكلفة مالية وأيضا سياسية بمبرر صيانة الإختيار الديمقراطي باعتباره من الثوابت الجامعة للأمة بموجب الفصل الأول من الدستور، لكن ما وجب التنبيه له هو أنه إذا كانت التكلفة السياسية لتنظيم انتخابات جديدة وسابقة لأوانها تعتبر إلى حد ما مبررا مقبولا لعدم اللجوء إلى هذا الحل، فإن مبرر التكلفة المالية لتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، لا يمكنه أن يصمد في وجه الأزمات السياسية، أو الاجتماعية … التي من المحتمل جدا أن تتعرض لها الدولة بشكل فُجَائي وغير متوقع، خاصة إذا كانت الأغلبية الحكومية هجينة وتفتقد للانسجام داخل مكوناتها، علما أن تنظيم انتخابات مُبَكِّرة، يعتبر إجراء وحلا ديمقراطيا، وهو ما حدث سابقاً بالمغرب، يوم الجمعة 25 نونبر 2011، حيث تم تنظيم انتخابات مبكرة باعتبارها إجراء ديمقراطيا للتداول على السلطة بشكل سلمي ومخرجا مقبولا، من كل مكونات الطبقة السياسية لأزمة سياسية فُجائية، وهو إجراء له تكلفة أقل من تكلفة حالة الاستثناء التي تبقى بدورها خيارا دستوريا واردا ومطروحا يُمكِن أن يلجأ إليه الملك بموجب الفصل 59 من الدستور، حيث يُخَوَّلُ الملك صلاحية اتخاذ كافة الإجراءات التي يَقتَضِيھا الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.

وفي حالة ما أقدم الملك على حل البرلمان بمجلسيه أو مجلس النواب لوحده، تزداد فرضية وإمكانية دفع رئيس الحكومة إلى تقديم استقالته لأسباب لم يكن يريد حدوثها أو لم يتصور حدوثها، وإنما حدثت بناء على مبادرة ملكية في إطار السعي لإعفاء أو إقالة رئيس السلطة التنفيذية، وتصبح صلاحية الملك في إقالة رئيس السلطة التنفيذية متاحة لكن عن طريق دفعه لتقديم استقالته بمبادرته، خاصة في حالة ما تَصَدَّر حزب سياسي آخر المرتبة الأولى، بحصوله على أغلبية المقاعد في مجلس النواب بمناسبة انتخاب البرلمان الجديد، لأنه في هذه الحالة سيفقد رئيس السلطة التنفيذية المُوجِبَات السياسية والدستورية لاستمراريته على رأس مؤسسة الحكومة، كمؤسسة دستورية منتخبة من قبل المواطنين وتحتاج لأغلبية برلمانية تساندها. وهكذا، سيفرض المنطق الدستوري والإختيار الديمقراطي والإرادة الشعبية أن يقدم رئيس الحكومة القائمة استقالته بشكل فوري وعاجل، وذلك بالرغم من أنه لا يوجد في منطوق الفصول: 47؛ 51؛ 96؛ 97 و98 من الدستور ما ينص صراحة على ضرورة تقديم رئيس الحكومة القائمة لاستقالته بعد حصول حزب جديد على المرتبة الأولى بمناسبة انتخاب البرلمان الجديد، لكن إجرائيا ودستوريا واحتراما للإرادة الشعبية وتفاديا لاسقاط رئيس الحكومة من لدن البرلمان، عن طريق آليات الرقابة البرلمانية المتاحة (ملتمس الرقابة)، فإنه لا يمكن أن يستمر رئيس حكومة في قيادتها وهو غير مسنود بالأغلبية البرلمانية، أو لم يحظ بثقة الناخبين مجددا، علما أنه من المحتمل جدا أن يتمسك الحزب الذي حاز على غالبية المقاعد في البرلمان الجديد بأحقيته في تشكيل حكومة جديدة ببرنامج حكومي وتعاقد سياسي جديدين انطلاقا من برنامجه الانتخابي الذي حظي بثقة الناخبين أو رغبة منه في الدخول في تحالفات جديدة، وفي هذه الحالة نكون – طبقا للفصل 42 من الدستور- الذي يجعل من الملك ضامنا لحسن سير المؤسسات الدستوريةـ أمام تعيين أو تكليف ملكي لرئيس الحزب الجديد الذي حاز على أغلبية المقاعد البرلمانية بتشكيل حكومة جديدة ونكون بهذه الطريقة أمام حالة قريبة من الإعفاء أو الإقالة الملكية الضمنية لرئيس الحكومة القائمة، حتى في حالة استقالة رئيس الحكومة بشكل اختياري، لكن بشكل غير مباشر تكون قد تمت هذه الاستقالة عن طريق تدخل ملكي مغاير شكلا ومضمونا لما هو منصوص عليه في الفصل 47 من الدستور، الذي لا ينص صراحة على إعفاء أو إقالة رئيس الحكومة من لدن الملك أو مطالبته بتقديم استقالته، كما لا يمنع الملك بشكل صريح من ذلك. وهكذا يكون الدستور منح الملك وخَوَّله طريقة أخرى يمكنه بواسطتها دفع رئيس الحكومة إلى تقديم استقالته بشكل طوعي واختياري حتى ولو لم يكن يرغب فيها من تلقاء ذاته، وهكذا تكون الاستقالة الطوعية لرئيس الحكومة أمام الملك شبيه بالإقالة أو الإعفاء الملكي الضمني أو غير الصريح.

* عبد الغني السرار: أستاذ العلوم السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *