أكد تاج الدين الحسيني، الخبير في العلاقات الدولية، أن المجتمع المدني هو المنبت الحقيقي لكل أداء متميز وكل تطور منظور للعلاقات المجتمعية داخل مجتمع معين، أو حتى لتلك العلاقات التي تعبر الحدود الوطنية لتؤثر على ما سواها. من هذا المنظور، يرى الحسيني أن القضية الأساسية والمحورية في السياسة الخارجية المغربية والاهتمام الداخلي هي قضية الوحدة الترابية.
وقال الحسيني، في ندوة نظمتها فعاليات مدنية بفاس حول قضية الصحراء المغربية والنموذج التنموي الجديد، إن وحدة التراب شيء أساسي في المنظور الدستوري والقانوني وفي اهتمام المجتمع السياسي والأحزاب السياسية واهتمامات المجتمع المدني، لأن الوطن هو المرجع الأساسي لكل مواطن.
وأضاف الحسيني: “لقد اقترحت عدة مرات أن تكون مسألة السياسة الخارجية اهتماماً يستحق أن يؤسس له مجلس وطني، ولعل وزارة الخارجية تبدأ في هذا المجال ولو بداية متواضعة تؤسس من خلالها خلية للتنسيق بين السياسة الخارجية التقليدية وأطياف المجتمع المدني والاقتصادي والسياسي، من أجل التعاون في رسم الاستراتيجية الوطنية للعلاقات الخارجية”.
وأبرز المتحدث ذاته، أن من بين المشاكل التي تصادفها الكثير من البلدان، ومن بينها المغرب، أن تكون الأصوات التي تدافع عن القضايا الداخلية في الخارج متناقضة أو متعارضة، حيث يقول “أظن أنه حان الوقت لكي نفكر بكيفية جدية بأن تكون مواقف الدبلوماسية الرسمية منضبطة مع حاجيات وتطلعات المجتمعين”.
وأشار الحسيني، إلى أنه قبل صياغة اتفاقية أديس أبابا التي أنشأت منظمة الوحدة الإفريقية في سنة 1963، كانت الاجتماعات الأولى والمهمة تنعقد في المغرب منذ سنة 1961، لدرجة أن المغرب كان في هذا المجال يتزعم ما يسمى بالمجموعة الثورية في إفريقيا، والتي كانت تضم قيادات وازنة مثل جمال عبد الناصر والحبيب بورقيبة وغيرهم.
ويسترجع الحسيني، ما حدث أثناء جلسة تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، حيث اعترضت المملكة المغربية على بند ضمن الاتفاقية يشير إلى قبول الحدود التي أسفر عنها الاستعمار. يؤكد الحسيني أن المغرب لم يستكمل استقلاله بعد، حيث كانت الصحراء وسيدي إفني لا تزال مستعمرتين من طرف إسبانيا.
ويتابع الحسيني قائلا، “على الرغم من التحفظ المغربي الواضح عن مسألة الحدود الموروثة عن الاستعمار، فقد سارت الرياح بعكس ما تشتهيه السفن وعرف هذا الملف تطورات متعددة”، مشيرا إلى الزيارة التي تلقاها الملك الراحل محمد الخامس من السفير الفرنسي بالمغرب لبدء مفاوضات حول الحدود الشرقية، “لكن العاهل الراحل محمد الخامس وبنبرة التضامن القوي مع شعب الجزائر قال لا يمكنني أن أوجه الخنجر إلى ظهر المواطنين الجزائريين الذين يحاربون من أجل الاستقلال”.
وذكر الحسيني، أن فرحات عباس عندما التقى بعد ذلك بالملك المغربي اعترف بالواقع ووقع التزام بأن جبهة التحرير مباشرة بعد الحصول على الاستقلال ستدخل مفاوضات معمقة مع المغرب لتسوية مسألة الحدود الشرقية، “هذه أشياء مثبتة في التاريخ، ولا أحد من حقه أن يغير مسار التاريخ أيا كانت الظروف”.
وأشار الحسيني إلى أن “المغرب تجرع ما حدث، وقبل ما يسمى بالكوميتي أد هوك التي عينتها منظمة الوحدة الإفريقية برئاسة القادة الأفارقة، وتم الصلح واعتمدت الحدود على ما هي عليه، ووقعت اتفاقية إفران. لكن الأهم هو عندما استرجع المغرب الصحراء بالمسيرة الخضراء وبالمفاوضات العسيرة التي تمت مع الإسبان، وبالطموح المغربي الواضح، وحتى الصراع داخل محكمة العدل الدولية من أجل الرأي الاستشاري وصلنا إلى نتيجة وسطية”.
هذه النتيجة، يقول المتحدث، “تم تطويرها بشكل إيجابي، لكن ظهر واضحا أن الذين تضامننا معهم بالأمس هم أعداء اليوم، وأن النظام العسكري الجزائري يأخذ مسيرة لا يدري أحد نتائجها ومضاعفاتها، قد تكون حربا مدمرة في المنطقة، وهذا نوع من المغامرة الخطيرة التي لا تقف ضد نظام معين، لكن تقف ضد شعب بأكمله”.
ويضيف الحسيني أن منظمة الوحدة الإفريقية ما كان لها أن تعترف بالبوليساريو كدولة، وليس حتى من الناحية القانونية، لأن مسألة تغيير طبيعة المبادئ والشروط التي ينبغي توفيرها في منظومة معينة لكي تكون دولة لا يتوفر عليها هذا الكيان، و”المغرب كان يتمسك بضرورة تحكيم أغلبية الثلثين للبت في ما إذا كانت هذه الدولة تتوفر على الشروط المطلوبة للقيام، لكن تم تجاوز كل ذلك. والأمين العام لمنظمة الوحدة الإفريقية آنذاك اتخذ بمبادرته الشخصية عملية حسابية سريعة ليقول إن النصف زائد واحد يوافق على “الجمهورية الصحراوية” لتعتبر كدولة، وهناك انسحب المغرب من المنظمة لأن ما حدث كان ضد الشرعية القانونية”.
ويقول الحسيني “مرت سنوات وأنا كنت شخصيا ممن يؤيدون عودة المغرب إلى المنظمة، خصوصاً وأنها تحولت إلى إطار جديد وهو الاتحاد الإفريقي، لكن عملية التكيف الجديد قد تعود لمستويات أعلى في حالة الكرسي الفارغ، وأخطر ما قد يواجه دبلوماسية كيفما كانت هي إشكالية الكرسي الفارغ”.
وأضاف أن العاهل المغربي “كان حريصاً، وله خطاب بهذا الخصوص يقول فيه: إن عودتنا إلى الاتحاد الإفريقي ليست من أجل أن نعترف بواقع غير مقبول، ولكن هدفنا هو أن نصحح وضعية هذه المنظمة من الداخل بنضالنا”
وأشار إلى أنه في تلك اللحظات، كانت الجزائر قد أعدت خطة لتعيين شخص كان هو الرئيس السابق للموزمبيق، وهو عدو للمغرب، ونجحت في تمكينه من أن يأخذ موقع الممثل للاتحاد الإفريقي داخل الأمم المتحدة كناطق باسمه، وكان الهدف هو أن ينقل إلى المجتمع الدولي ككل والى منظمة الأمم المتحدة، الموقف الإفريقي كله الذي يتكون من 54 دولة بلسان واحد كلها تقول إن البوليساريو دولة معتبرة في هذه المنظمة.
ويرى الحسيني أن أحسن تطور عرفته وقضية الصحراء هو الذي ارتبط بمقترح الحكم الذاتي، الذي صاغ اتفاقية تتطابق مع المعايير الدولية وفق القانون الدولي للحكم الذاتي، مضيفا أن بلدانا مثل إسبانيا وفرنسا شاركت في تزويد المغرب بالمعلومات والعناصر من أجل أن يكون مقبولا من طرف الجميع، ومرة أخرى يأتي النظام العسكري الجزائري ليعبر عن موقفه وسوء نيته اتجاه المغرب، وهذا الموقف بالتحديد هو الذي يجرنا منذ 2007 إلى اليوم.