يشو: أزمة الصحة أعمق من رفع الميزانية وتقييم الإصلاحات يقاس بـ”معاناة المواطن” (فيديو)
أكد الدكتور ياسين يشو، الطبيب والباحث المتخصص في العلوم العصبية وجراحة الدماغ والمقيم في فرنسا، أن أزمة قطاع الصحة في المغرب ليست أزمة موارد مالية أو ترسانة قانونية، بل أزمة حكامة مؤسساتية وفساد بنيوي، مشددا على أن «رفع الميزانيات وحده لن يغير الواقع ما دامت طريقة تنفيذ المشاريع لم تتغير».
وقال يشو، في حوار مصور مع جريدة “العمق”، إنه «من خلال التجربة الميدانية في التعليم والصحة، يمكن القول إن العلاقة بين المواطن والدولة تقاس أولا بمدى جودة الخدمات الصحية والتعليمية»، موضحا أن أول احتكاك للمغربي مع الدولة يكون غالبا في المستشفى أو المدرسة، ومن هنا تتشكل ثقته أو فقدانه لها.
ويرى الطبيب المغربي أن مشاكل الصحة والتعليم تراكمية وتاريخية، وأن المطالب بإصلاحهما ليست جديدة، بل تعود إلى ما بعد الاستقلال، وتستمر إلى اليوم في مختلف الحركات الاجتماعية، مضيفا أن الإصلاح الحقيقي يجب أن يكون ديناميكيا ومتدرجا، لأن المشاكل تتغير مع الزمن، والمواطن لا يقيس جودة الإصلاح بالقوانين أو الخطابات، بل بالنتائج الملموسة في حياته اليومية.
وشدد يشو على أن المغرب «استثمر خلال العقود الماضية في مشاريع صحية واجتماعية كثيرة، بعضها كان جيدا على الورق، لكن التنفيذ فشل في تحقيق الأثر الملموس»، مبرزا أن المشكل ليس في الأفكار أو القوانين، فهي في الغالب «رائعة ومبتكرة»، بل في غياب تقييم واقعي للنتائج، وفي تكرار نفس الأخطاء.
وأضاف أن «الملك محمد السادس نفسه أشار إلى أن المغرب يسير بسرعتين، وهذا يعكس الفرق بين سرعة التشريع وسرعة التنفيذ». داعيا إلى ضرورة تقييم المشاريع بناء على معاناة المواطن: فالمريض الذي ينتظر ستة أشهر لموعد طبي وثلاثة أشهر أخرى لتلقي العلاج، لا يمكن اعتباره مستفيدا من الإصلاح.
ويؤكد يشو أن الأزمة الحقيقية ليست في هجرة الأطباء، بل في الكارثية التي يعرفها النظام الصحي ككل، موضحا أن «الهجرة غريزة بشرية وليست ظاهرة مغربية»، وأن خروج الطبيب من البلاد لا يعني فشل المنظومة، بل فشلها هو في عجزها عن خلق بيئة مهنية تضمن الكفاءة والعدالة.
وشدد على أن الدولة «ليست مؤسسة إحسانية بل سياسية وإدارية»، وأنها مطالبة بوضع إطار قانوني وتنفيذي صارم يحمي المنظومة من الفساد ويضمن العدالة الصحية. أما أخلاقيات الطبيب الفردية، فلا يمكن أن تكون أساس بناء النظام الصحي.
وأوضح يشو بأن الحل لا يكمن في الخطاب الأخلاقي أو في تحميل الطبيب وحده المسؤولية، بل في بناء نظام مؤسساتي فعّال يربط التمويل بالنتائج، ويضمن للمواطن الحق في خدمة صحية محترمة، بعيدًا عن منطق الشعارات أو المبادرات المؤقتة.



اترك تعليقاً