وجهة نظر

السجون المغربية.. بقع سوداء منسية

لا يمكن أن تمر محاولة “الهروب الجماعية” من سجن “عكاشة” نواحي الدار البيضاء ليلة الخميس 28/07/2016، مرور الكرام، فلابد من الإجابة عن التساؤلات المطروحة حول سببها، وهل حقا نزلاء السجن ضاقوا ذرعا بما يتعرضون له داخله؟ وما محل التأكيدات من المؤسسات الوصية بأن زمن التعذيب داخل السجون قد ولى ؟ وهل فعلا يؤدي السجن دوره كمؤسسة لإعادة تأهيل المواطن أم لا ؟

في الدولة المغربية، حيث يستنزف “خدامها” الوطن، ويفسدون المجتمع، ينهبون جيوب أبنائه ويسلبونهم حقوقهم، ثم يثقلون كاهلهم بالواجبات، ما يزيد من تأزيم وضعيتهم الاجتماعية، هنا ينشأ ذلك الطفل، وسط كل هذه المعاناة، يجعل همه العيش الكريم، يضحي ويبذل كل ما يملك في سبيل ذلك، لكن في بعض الأحيان تكون الظروف أقوى، فيحرم هذا الفتى الطموح من أمور شتى، أبرزها الدراسة، وتلقي به الأيام في الشوارع، غالبا ما تكون هذه بداية أي “مجرم”.

الدولة هي المسؤولة عن هذه النشأة، عن المسار والمصير الذي آل إليه ذلك الشاب،فسياساتها المبنية على النهب، ساهمت في تأزيم الأوضاع، وتسببت في تفقير الشعب، وحرمان أبنائه من تعليم مجاني أساسه تكافؤ الفرص. وبعد أن “يخرق القانون” يصبح “مجرما”، ويتم إلقاء القبض عليه ليزج به في السجن، وهنا تبتدئ قصة أخرى.

تلك البقعة السوداء على الخريطة، التي تسمى زورا وبهتانا في البلدان النامية بالمؤسسة “التربوية” أو “التأهيلية”، لا تتعدى كونها محضنا لتدريب السجناء على الإجرام بطريقة “مؤطرة”. لقد صارت السجون غاية بحد ذاته، وانحرفت عن مقصدها الذي يتجسد في تربية المواطن وإعادة تأهيله، بهذا سيكون مصيرها، كباقي المؤسسات التربوية التي أفرغت من محتواها في هذا البلد، مثل المدارس والجامعات.

كشف تقرير “للرابطة العالمية للحقوق والحريات” التي تتخذ من جينيف السويسرية مقرا لها، عن انتهاكات صارخة تطال المعتقلين داخل السجون المغربية حيث يتعرضون “لمعاملة قاسية وغير إنسانية وحاطة من الكرامة”، كما أكدت أنها تلقت استغاثات من نزلاء تلك المؤسسات الذين وصفوها “بالمعسكرات النازية”.

الواقع في السجون المغربية يؤكد أن المجرم بدخوله إليها، ينقل من المجتمع، إلى معسكر يدربه على الجريمة، الأرقام والوقائع التي ترصد ما يحصل داخل السجون مرعبة جدا، حيث أن الجريمة تصبح تحت “تأطير القانون”، وبيع المخدرات يتم تحت أنظار “حرس السجون” و”مدرائه”، بل أن أغلب عمليات الاغتصاب تتم على مرأى منهم، والأبشع من ذلك أنهم يشجعون على ذلك، كما يتم تحريض السجناء للاعتداء على بعضهم البعض، حسب ما جاء في التقرير المذكور سالفا.

ينضاف إلى ما سبق الحرمان الذي يطالهم من أبسط الحقوق؛ وقت استراحة كاف، زنازن تليق بالإنسان، طعام جيد، فحص طبي مستمر… حتى الزيارات التي تذكرهم بالعالم الخارجي تمنع عن بعضهم، فلا يسمح لعائلاتهم بمقابلتهم، كل هذا يحول وضعيتهم النفسية والبدنية.

ناهيك عن ذكر معتقلي الرأي، فحالهم يدمي القلب، أولئك الذين ما أوصلهم إلى غيابات السجن، سوى رأيهم، ومعارضتهم للاستبداد ووقوفهم في وجه الظلم، معاناتهم تذكرنا بسنوات “الجمر والرصاص” التي ما فتء النظام يذكر أنها صفحة سوداء وقد طويت، لكن الواقع يكذب هذه الخطابات.

هذه السطور ليست كافية للدلالة على الأوضاع التي يعيشها السجناء داخل “مقابر الأحياء”، تبقى مجرد إشارات، لواقع فاسد ومؤسسات فاسدة، ولعلاج الانحراف بالانحراف، حيث يعد السجن في المغرب مدرسة “للإجرام”، هكذا تحولت مؤسسات “إعادة تربية المواطن” إلى “تدريبه على ارتكاب الجرائم”، من هنا تكون الدولة مسؤولة عن انحراف المواطن بسبب الظروف الاجتماعية، وعن عدم تأدية المؤسسات التربوية والتأهيلية لدورها، وعن خروجه منها وقد ضاع جزء من شبابه، هكذا تكون الدولة السبب الرئيسي عن “التشرميل” والجرائم العلنية التي تقع في بعض المدن المغربية. بعد كل هذا لا عجب أن يستغل السجناء فرصتهم لمحاولة الهروب من مقبرتهم، والخروج من تلك البقع السوداء المنسية، إلى أماكن تظهر على الخريطة وتبرز معاناتهم للرأي العام.