وجهة نظر

لا داعي للقلق.. مصر وتونس ورقتان رابحتان للمستقبل

السياسة الدولية و العلاقات الدولية يمكن تشبيهها بمباريات كرة القدم، بحيث تخبأ الأوراق الرابحة في دفة اللاعبين الاحتياطيين، الذين من شأنهم أن يغيروا مجريات اللعب كلما اشتد وطيس النزال بين الفرق المتبارية، و كلما دعت الضرورة لإدخال عنصر أو عناصر جديدة في الوقت المناسب و بالطريقة المطلوبة، لقلب موازين التباري و إبعاد المخاطر عن الشباك، أو تسجيل الأهداف المتوخاة بشكل مفاجئ و مباغت، و وفق شروط الأطراف.

فالمدرب الحكيم هو الذي لا يضع بيضه كله في سلة واحدة بل يضع أوراقه الرابحة في دفة الإحتياط ليس إحتقارا لها بل للتعرف على اللعب أولا و على خطط الخصوم ثم بعد ذلك يقرر إخراجها للحيز الظاهر و إن اقتضى الأمر التفاوض معها على بنود مصلحية مستقبلية جديدة حسب عطائها في الميدان.

و بذلك و بعيدا عن التحليلات السطحية، التي آخذت مصر و تونس على عدم توقيعهما على عريضة مطالبة الإتحاد الإفريقي من أجل سحب صفة العضوية التامة من تنظيم البوليساريو من المنظمة الإفريقية، على غرار عدد كبير من الدول الإفريقية الصديقة للمغرب و المساندة لمغربية الصحراء الشيء الذي قد ترفضه مصر من حيث الشكل بحيث تفضل أن تكون جبهة لوحدها من دون إدراج إسمها في عريضة رفقة دول قد تعتبرهم أقل شأنا منها.

لا يمكن وفق المعطيات الجيوسياسية الحالية، و بالنظر إلى موقع المغرب حاليا على خريطة المنطقة الشرق أوسطية و الإفريقية، إلى جانب الترتيبات الأخيرة التي قامت بها المملكة في علاقاتها مع عدد من الدول الكبرى خصوصا روسيا و الصين، لا يمكن إلا أن يكون موقف تونس و مصر موقفا منسقا مع توجهات المغرب، و موقفا ذكيا ذو بعد تكتيكي يتوخى الإلتحاق بالموقف الإفريقي الداعم للمغرب في المحطات المقبلة من نزالات الديبلوماسية المغربية في اللقاءات القادمة للمنظمة الإفريقية، من منظور إستراتيجي يهدف إلى إضعاف صف خصوم الوحدة الترابية للمغرب من داخل العمل المؤسساتي للمنظمة بشكل تدريجي مستنزف لقوى الخصوم.

الحكمة في إدارة النزاعات الكبرى تقتضي عدم إلقاء كل العصي دفعة واحدة، بل التريث و إلقاؤها واحدة تلو الأخرى في إطار ما يقتضيه ذلك من أخذ الحيطة و الحذر اللازمين لتأمين الأصداق، و عدم الكشف عنهم حزمة واحدة و عدم الزج بهم جميعهم في معركة جزئية، بل يتعين إنتظار ردود فعل الخصم لتلقف ما سيلقيه من حبال و عصي و كشف نواياه أمام قوة الطرف المغربي فلكل خصم نظيره الذي يمكن أن تفرضه الطبيعة و موازين القوى ندا له، و بالتالي التوازي و الملائمة في إخراج الأسلحة حسب حجم الند.

إن إغراق المشهد دفعة واحدة بكل أوراق اللعب لن يفيد المغرب في شيء بل سيكون له أثر سلبي من خلال الضغط الشديد على الحلفاء الأقوياء. لذلك يترك عدد من اللاعبين الذين قد يبدون للغير محايدين أو حتى مساندين للخصم، يتركون لمحطات أخرى قد تكون صعبة لبلادنا و قد يلعب فيها هؤلاء المحايدين دور المنقد أو الوسيط أو المرجح عندما يقتضي الأمر ذلك.
فمصر و تونس ليس لديهما في الوقت الراهن اي مبرر لإثارة المغرب ضدهم، و هو في أوج إشعاعه و استقراره، بل كل المؤشرات تدل على أنهما كليهما يحتاجان لإخماد أي شرارة حريق مهما صغرت، تفاديا لأي موقف مغربي معادي لهما. و الدليل هو الهدوء الإعلامي المصري تجاه المملكة و الذي تجاوز مرحلة عدم إنتقادها إلى مرحلة الإشادة و الإنبهار و المدح للنموذج المغربي و لمؤسساته، و الجميع يعلم أن إعلام مصر الرسمي و جزء كبير من الإعلام المستقل هو إمتداد لمواقف الدولة الرسمية و للمؤسسة العسكرية هناك.

تونس التي تعيش المخاض العسير و هي تعلم و تعي تمدد المغرب في المنطقة، مرورا بجارتها الشرقية ليبيا إلى دول الخليج المدعمة للرئيس التونسي الحالي، و التي أيضا يعي أبناؤها قدرة المغرب على فك أي حصار عنه و عن مواقفه، و يعون أيضا قدرته على إرباك المنطقة أو خلخلة التوازن السياسي فيها، لا يمكنها أن تنحى في إتجاه معاكسة تطلعات المغرب في قضية الصحراء، التي تعلم هي أيضا أنها عائقا أمام بناء إتحاد مغاربي قوي و مستقر يعود عليها بالنفع.

خلاصة القول لا داعي للتهجم على الدولتين الشقيقتين إعلاميا و يجب التريث الهادئ و الحكيم و ترك الأمور لمآلاتها و تطوراتها المستقبلية، التي يبدو أن المرحلة المقبلة ستكون حبلى بالمفجآت بعد عودة المغرب بقوة للحضن الإفريقي، الشيء الذي من شأنه أن يجعل مصر و تونس في الصف المغربي حتما، لحسابات عميقة في التاريخ و الجغرافيا و كذلك حسابات المصالح الآنية سياسية و إقتصادية.

ــــــــ

باحث في العلوم السياسية.