وجهة نظر

الميزانية العامة للدولة في حكومة العدالة والتنمية

تعتبر الميزانية العامة للدولة (BGE) العنصر الأساسي المكون لقانون المالية السنوي، والذي توضح الدولة من خلاله توقعات المداخيل والنفقات السنوية. حيت أن الميزانية العامة تعكس خطة الحكومة لسنة مالية لتنزل من مضامين البرنامج الحكومي الذي تعاقدت من خلاله الحكومة مع الأمة عن طريق ممثليها في البرلمان كما نص علية الفصل 88 من الدستور.

سأحاول أن أقارب مكونات الميزانية العامة للدولة وفقا لمجموعة من الأدبيات العلمية في مجال الاقتصاد العمومي، كمساهمة مني في مشاركة عموم المتتبعين للشأن العام حول حصيلة حكومة العدالة والتنمية على مستوى سياسته في الميزانية، وكذلك للتقييم والمحاسبة الشعبية لحكومة أفرزتها انتخابات حرة ونزيهة وهو المبدأ الذي أكد عليه الفصل الأول من دستور 2011 حيت أقر بضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، لإنجاح التجربة الإصلاحية المغربية المتميزة بالاستقرار مع اقتراب تشريعيات السابع من أكتوبر 2016 كأحد التمارين الديمقراطية للنجاح في هذه التجربة.

بعد التصويت بالأغلبية بالغرفة البرلمانية الأولى على البرنامج الحكومي في يناير 2012، أصبحت الحكومة التي يترأسها حزب العدالة والتنمية لها شرعية التدبير والتسيير وفق الاختصاصات التي خولها لها الدستور كسلطة تنفيذية، كما جاء في الفصل 88 من الدستور الذي يؤكد على أن الحكومة تعتبر منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، لتجد الحكومة المنصبة نفسها أمام تدبير لميزانية قد أعدتها سلفا الحكومة السابقة، ومع ذلك تمكنت حكومة العدالة والتنمية في نهاية السنة المالية 2012 من تحصيل مجموع مداخيل يصل إلى 201628 مليون درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة حيث شكلت %23,8 من الناتج الداخلي الخام بارتفاع يقدر ب 9330 مليون درهم بالمقارنة مع السنة المالية 2011، لتواصل المداخيل ارتفاعها إلى غاية السنة المالية 2014 ب214962 مليون درهم مع تسجيل لانخفاض خلال السنة المالية 2015 بمجموع مداخيل تقدر ب 211178 مليون درهم. مع العلم أن المداخيل الجبائية للدولة تتجاوز %80 من مجموع المداخيل.

رغم هذا التطور الحاصل على مستوى المداخيل فإن نفقات التسيير ما تزال تثقل كاهل الدولة وتحد من قدرتها على برمجة مجموعة من الاستثمارات المهمة والتنموية. حيت أن نفقات الأجور تمثل ما يقارب %45 من نفقات الدولة لتتطور من 96673 مليون درهم خلال السنة المالية 2012 إلى 990444 مليون درهم خلال السنة المالية 2015 زيادة على نفقات المقاصة التي تمثل ربع نفقات الدولة.

لهذه الغاية اتخذت الحكومة على عاتقها تقليص نفقات المقاصة من 54870 مليون درهم لسنة 2012 إلى 13977 مليون درهم سنة 2015 من خلال تحرير أسعار بعض المحروقات في طريق التحرير الكامل لأسعار المواد الأخرى وفق إستراتيجية تضمن استقرار سلة المشتريات المعيشية للمواطنين خصوصا من هم في حالة فقر وهشاشة، مع العلم أن المستفيدين من النفقات الثقيلة للمقاصة هم الأثرياء من أرباب المعامل والمخابز الكبرى والضيعات الفلاحية من خلال استعمالهم كميات كبيرة جدا من المحروقات والسكر المدعم … على حساب الفئات الفقيرة والهشة وذوي الدخل المحدود، هذا ما دفع الحكومة للتفكير في رفع الدعم ومنحه مباشرة للفئات المستهدفة، لتجد أمامها عرقلة ومقاومة من اللوبي المستفيد من الريع.

هذا وقد سجلت الميزانية العامة للدولة، خلال ولاية تدبير العدالة والتنمية للحكومة، ارتفاعا في نفقات الاستثمار، حيث انتقلت من 51458 مليون درهم سنة 2012 إلى 58544 مليون درهم سنة 2015، موجهة للساهم في تحسن البنية التحتية والمرافق العمومية ،تحسين ظروف الاستثمارات ،وفك العزلة عن المناطق المعزولة وتنمية العالم القروي … من أجل تحقيق تنمية اقتصادية وعدالة اجتماعية.

وفيما يخص عجز الميزانية، فقد تم تقليصها من 57560 مليون درهم أي ما يعادل %6.8 من الناتج الداخلي الخام سنة 2012 إلى 42702 مليون درهم أي ما يعادل %4.3 من الناتج الداخلي الخام سنة 2015. مما ساهم في تقليص الدين الخارجي من 15249 مليون درهم أي %1.8 من الناتج الداخلي الخام سنة 2012 إلى 54 مليون درهم أي ما يعادل %0.00054 من الناتج الداخلي الخام سنة 2015. أما فيما يخص الدين الداخلي فقد سجل تراجع بين السنة المالية 2012 والسنة المالية 2014 من 47097 مليون درهم إلى 36442 مليون درهم مع تسجيل ارتفاع سنة 2015 يصل الى 40522 مليون درهم أي ما يعادل % 5 من الناتج الداخلي الخام.

واكب كل هذه الإصلاحات القائمة والملاحظة في سياسة الميزانية للحكومة مجموعة من النتائج الايجابية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية للوطن، من بينها تحسين مناخ الأعمال وجلب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، للتقليص من البطالة والرفع من الناتج الداخلي الخام وتعزيز المؤشرات الماكرو اقتصادية.

ــــــــــ

ناشط طلابي / مجاز في الاقتصاد