وجهة نظر

معذرة.. إنه إعلامنا الانقلابي

وأنا أتصفح ما يقوله إعلامنا المغربي لأتفحص الانقلابي الدموي منه من الوطني الشرعي الذي ينافح عن الشرعية ويدعم اختيارات الشعوب، وإذا بي أعثر على جريدة الكترونية، لا داعي لمنحها شهرة بذكرها، تكتب قائلة:

” …وقد بدا العسكريون، الذين حاولوا الانقلاب، من مختلف الرتب، في أوضاع مهينة، حيث تعرضوا للضرب والتعرية وكافة أشكال الإهانة والتنكيل مع ما رافق تلك العمليات الهمجية من تصوير وتشهير، إنها سلوكات بربرية.”

معذرة، أستسمحكم، سوف أتعامل كأنني لم أقرأ أو أسمع شيئا، الجريدة تبكي على الانقلابيين وتدافع عنهم وتنوح ولا تكف عن النواح لأن الشعب التركي شعب وحشي همجي أهان الجنود ونزع ملابسهم، والجريدة المسكينة تخاف وتفكر مسبقا في الجراح التي سوف تعلق في قلوب ونفوس هؤلاء الجنود الانقلابيين المساكين.. إنها وحشية الشعب التركي التي ما بعدها وحشية.

وتقول: “وتمثل الصور المنشورة على وسائل الإعلام إهانة للجيش التركي، ما سيخلف جراحا عميقة في المنظومة العسكرية التركية التي ستتطلب الكثير من الوقت لتلتئم جراء كم الإهانة الرهيب الذي تعرض له الجنود والضباط.”

ماذا أسمع؟ لا زلت لم أصدق بعد ما قرأت؟ ربما فقدت حس الفهم هذه اللحظة فاعذروني، ويبدو أن الجريدة البكاءة سوف لن يحلو لها النوم وستظل تنوح وتبكي إلى الصباح حيث في الصباح الباكر ستقوم بجمع توقيعات دولية وتبعث برسائل إلى كل خارجيات العالم وقنصليات الدول وستبعث ببرقية استعجالية لهيئة الأمم المتحدة كي تنشر بيانها الرسمي وتدين هذا الشعب التركي الهمجي الذي يهين الانقلابين وينزع ملابسهم بوحشية ما بعدها وحشية.

وتقول: إن الهمجية التي تم التعامل بها مع الجنود لا يمكن السكوت عنها” لقد قلت لكم سابقا اعذروني ما عدت أفهم شيئا، كنت أعتقد أنني مدمن على القراءة والمطالعة وهذا الأمر ظننتني أنه ربما سيساعدني قليلا في الفهم، لقد قرأت لجون جاك روسو ونيتش وسبينوزا، وحتى للصوفية المنحرفة من أصحاب الطقوس الغنوصية مثل الإبريز لسيدي عبد العزيز الدباغ، هل قلت: ” سيدي”؟ اعذروني فلست أدري ما بي، وحتى عن ديوجين الكلب قرأت، كما لم تفتني المسرحيات العبثية لسامويل بيكيت، ولا وجودية سارتر، ولا حماقات بوكاسا وجرائم بينوتشي، ومكثت طويلا أحاول فهم قصة الحضارة لوول ديورانت، وأعتقد أنني فهمت الكثير منها، كما قرأت كتب العهود وحتى نشيد الإنشاد، رغم أنه لا يستطيع أحد أن يقرأه قرب أمه أو أبيه أو حتى زوجته، لقد وجدتني أفهم قليلا أو كثيرا المهم أنني كنت أفهم.

ولكن ما قرأته اليوم لم أستطع فهمه، إنني حاولت مرارا وتكرارا، ولكن دون جدوى، استعنت بصديق لي عبر الهاتف، وهو دكتور كبير، رجوته أن يشرح لي هذا الكلام الصادر عن مجلة مغربية و في بلد رسم لنفسه مسارا ديموقراطيا منذ التاسع من مارس 2011 حتى صار المغرب بلدا فريدا لا وجود عند العرب مثله بل صار أنموذجا يحتدى به ومثلا يضرب.

لقد فشلت جميع محاولاتي في الفهم. وعدت من جديد وقرأت على مهل متصفحا كل كلمة على حدة، ودائما دون جدوى، وأخيرا لقد اهتديت، اهتديت إلى سبيل يخلصني من حيرتني وهي أن أتصفح كل المواد التي تنشرها هذه الجريدة وأطلع على طبيعة المرجعية التي تعتمدها، وعلى طبيعة الأفكار التي تغذيها وتزرعها، فأدركت أخيرا أن الجريدة المسكينة ( ما بها ما عليها) فهي في كامل قواها العقلية، وإذا بي أقرأ مقالا بعنوان ” القرضاوي عاد ليخرف من جديد” ومقالا آخر بعنوان ” بن كيران يهرب خوفا من محاسبة المواطنين” فأدركت حينها أن الأمر جد عادي، وماذا سنتوقع في أناس يكنون العداء لكل ما هو إسلامي في هذا العالم أن يعتبروا صد الانقلاب عن تركيا شرا؟ وماذا نتوقع من جرائد علمانية مدعمة من الخارج أن تقول في عالم الأرض ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله غير ما يمجه الذوق ويكذبه الواقع؟ وماذا نتوقع من إعلام رخيص إلا أن يسترخص صد الانقلاب في الدولة العثمانية المسلمة؟ وماذا نتوقع من أقلام مأجورة غير التضلع في أدب المراحيض ومزبلة التاريخ؟ ماذا نتوقع من انقلابيين دمويين لا وطنيين غير تأييد الإرهاب والانقلاب على الوطن؟

إن المحللين لازالوا يتحدثون عن أن تركيا ستستفيد إلى أقصى الحدود من هذا الانقلاب لأنها وجدت فرصة ذهبية لتجفيف منابع الإرهاب الداخلي وأتباع الدولة الموازية، ونحن كذلك في المغرب استفدنا الكثير، ويكفينا استفادة أننا عرفنا الانقلابيين في بلادنا قبل أن يحدث أي انقلاب، وبالتالي فهل يمكن القيام بإجراء ما لإعطائهم دروسا في حب الوطن والخوف عليه وحتى الدفاع عنه في حالة تم الاعتداء عليه؟ أرجو ذلك.