وجهة نظر

لما كل هذا الحقد على الحقل الديني ؟

لا تبرح بعض الجرائد الإلكترونية تتحدث بشكل مطرد عن الحقل الديني، وكلما فعلت ذلك، إلا وتباكت وناحت خائفة على أمن الوطن من الخطباء والمرشدين والعلماء، محاولة بذلك قلب المفاهيم في عقول المغاربة وتضليلهم وإيهامهم بأن المساجد هي مصدر الإرهاب، وهي مصدر الحملات الانتخابية، وهي مصدر الفكر الظلامي والعدمي الأصولي الذي يبعد الوطن عن الركب الحضاري الحداثي.

فمن خلال تتبع هذا الخطاب الذي هو في العمق خطاب الاسلاموفوبيا، يتضح أن أصحابه يملكون جميع المعطيات الدالة على أن الحقل الديني هو الحقل الأكثر تنظيما وانضباطا من جراء ما تقوم به هيئاته المسؤولة، سواء تعلق الأمر بالمجلس العلمي الأعلى أو بالمجالس العلمية المحلية، وأن الفئة الأكثر تأطيرا للمواطنين والتي لا تتوقف عن حثهم على الوسطية والاعتدال وقيم الحوار والتسامح وحسن الجوار وإصلاح ذات البين والمعاملة بالرفق واحترام الصغير وتوقير الكبير، والعمل والمساهمة في الإنتاج بلا غش، هم الأئمة والخطباء والمرشدون الدينيون. إنني على يقين أن هؤلاء يعرفون هذا، ويستوعبون أن الحقل الديني لا يغازل سياسيا ولا حزبيا ولا يساهم في حملة إشهارية أو انتخابية، فالحقل الديني لا يعرف سوى شخصية واحدة هي أمير المومنين ولذلك وجب الدعاء له على جميع منابر المملكة وحث الناس على السمع والطاعة له وعلى أن يكونوا جنودا دائمين وراءه حفظه الله ونصره. أنا على يقين أن هؤلاء يعرفون هذا جيدا، لأن من خلال خطاباتهم يسردون كلاما يلقونه جزافا وعلى عواهنه دون أن يضربوا على ذلك مثلا، أو يقدموا حجة، أو يذكروا اسما، أو يقدموا خطبة لخطيب يزرع الكراهية من فوق منبره أو يدعو إلى التكفير في خطبته. فلو كان لديهم مثل هذا الشريط أكانوا واروه عن الأنظار؟ أم كانوا سيجعلونه نجم الأشرطة نظرا للحقد الدفين المتغلغل في قلوبهم على الحقل الديني والمشتغلين فيه، ولنشروه في الواجهة ليضل هناك سنوات طوال حتى يراه العامة والخاصة والقاصي والداني، هل لو كانت لديهم فتوى عالم يفتي بشيء منكر يتقاطع مع تدين المغاربة وقيمهم هل كانوا سكتوا عنه؟ هل سبق وتم إخراج إمام من مسجده أوإنزال خطيب من فوق منبره على أنه إرهابي أو عدو للوطن؟ أو لأنه زرع الفتنة بين الناس ونهج في فكره ودعوته فكر الخوارج؟

لذلك نجد دائما وفي كل الأحوال كلامهم خال من كل دليل وفاقدا لكل حجة، وهو دائما لا يعدو أن يكون مجرد سرد أحجيات ممزوجة بمشاعر الكراهية والكراهة معا، ولا يحتاج الإنسان إلى كثير بحث أو تتبع أو إلى ذكاء حاد ليميز أن هؤلاء يخدمون أجندات أناس آخرين أعماهم الحقد على الدين من الذين يتزعمون إباحة الإجهاض وتحرير المرأة وتعريتها والأكل علنا في رمضان والداعين إلى الزواج المثلي والمساواة في الإرث، وتجريم تعدد الزوجات…

مما يعني أن الحقل الديني في المغرب لكونه منظما ومهيكلا ويسير بضوابط مدهشة فهو يزعجهم، إن الحقل الديني كلما انتظم، ووعى الخطباء والوعاظ الأدوار الرسالية المنوطة بهم، وكلما التزموا الفكر الوسطي والاعتدال وحاربوا التطرف والغلو، ومارسوا دورهم في تأطير المواطنين بما يجعل الأمة المغربية أمة واحدة تحاصر الإرهاب وتتصدى له، وتعادي التطرف والمخالف للجماعة والشاذ عنها، وكلما تمسكوا بعقيدتهم العقيدة الأشعرية عقيدة تسعة أعشار أهل الأرض واشتغلوا بالمذهب المالكي الأكثر استيعابا للإسلام فقها وعقيدة، كلما عاداهم هؤلاء. ولذلك فكل هذه الحملات العشواء التي يشنونها على الحقل الديني هي أعظم شهادة على أن الحقل الديني بخير ولله الحمد. لأن هدفهم من خلال هذه التشويشات إرباك الحقل الديني والتشويش عليه وضربه ليفقد توازنه. إن الحقل الديني لو كان مختلا كما يريدونه لما سلوا سيفا ولا بَرَوا قلما.

ألم يكونوا في وقت مضى يصبون جام غضبهم على وزارة الأوقاف لأنها تعمل على تنميط الحقل الديني، وأنها تعمل على تدجين الخطباء وتنميطهم وذلك لكونها تمنحهم خطبا جاهزة لا مجال للاجتهاد فيها؟ ألم يكونوا ضد أن تقوم الوزارة الوصية بشد الخناق على الخطباء؟

ألم يتهموها بالديكتاتورية والتسلط والقبضة الحديدة؟

فما الذي تغير؟ حتى صاروا يطالبون الوزارة بالاستعانة بحصاد لفرض الوصايا وتشديد المراقبة على الخطباء والوعاظ والمرشدين؟

يوم عشرين فبراير 2016 عممت الوزارة خطبة حول الرضاعة على جميع الخطباء، والظرف والتاريخ يوضحان بجلاء الخلفية من وراء هذه الخطبة، أي إن الوزارة تعي معنى هذه الذكرى وحتى تجتنب أي تهور قد يصدر من أي أحد، أو أن تستغل المساجد لخدمة بعض التيارات المساندة لهذه الذكرى قامت بتوحيد الخطبة، وأعرف خطيبا لم يقرأ هذه الخطبة فتم توقيفه في الحين. ألا يدل هذا السلوك أن الحقل الديني منضبط وأن الوزارة والهيئات المسؤولة عنه تعي ماذا تفعل وتقوم بتسيير الحقل الديني بشكل دقيق ورائع. إذن فليطمئن الحداثيون الخائفون على الوطن من هذا الحقل فهو ليس حقل ألغام بل الألغام كلها في محاربته وتهميش دوره..وإنني أجزم قائلا: إن كل من يحارب أو يعادي أو يناوئ ويناور ضربا للحقل الديني فإنه يعمل على هدم أكبر حصانة للوطن ويحطم أكبر جدار يقي المغاربة من الإرهاب والطائفية والتكفير.