وجهة نظر

دعم متجدد من الأشقاء لمغربية الصحراء

في سياق العلاقات الأخوية العميقة التي تربط بلادنا بدول مجلس التعاون الخليجي، وهي العلاقات الضاربة جذورها في التاريخ، والتي عرفت على عهد الملك محمد السادس طفرة كبرى، جاء البيان الأخير الصادر عن المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية المنعقد بدولة الكويت في دورته الخامسة والأربعين، مجددًا دعم دول مجلس التعاون الخليجي لمغربية الصحراء، ومؤكدًا المواقف الثابتة لهذا التكتل الإقليمي الكبير الرافض لأي مساس بأمن واستقرار المملكة المغربية ووحدة أراضيها، مع التشديد على أهمية الشراكة الاستثنائية الخاصة والمتميزة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية.

نستحضر هنا بكل افتخار القمة الخليجية المغربية التي عقدت بمدينة الرياض سنة 2016، والتي شكلت محطة بارزة في مسار التعاون والشراكة الاستثنائية التي تجمع المملكة بدول مجلس التعاون الخليجي، والتي تعكس عمق العلاقات الأخوية الصادقة التي تجمع بين جلالة الملك محمد السادس وإخوانه ملوك وأمراء دول مجلس التعاون، هذا علاوة على الزيارات الملكية التاريخية لهذه الدول، والتي أثمرت التوقيع على العديد من الاتفاقات التاريخية الهامة، كان آخر حلقاتها الزيارة الملكية التاريخية لدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تميزت بتوقيع جلالة الملك محمد السادس والشيخ محمد بن زايد إعلان “نحو شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة”.

من المؤكد أن هذه العلاقات المتميزة تؤكد الرؤية المشتركة لبلادنا مع هذه الدول للعديد من التحديات الراهنة، غير أن هذا الدعم الخليجي العربي الإسلامي لمغربية الصحراء يندرج ضمن الإجماع العربي على دعم الوحدة الترابية، وهو إجماع ظل مستعصيًا على الاختراق رغم المجهودات الجبارة التي يبذلها خصوم الوحدة الترابية لبلادنا من أجل المس بها. هذا الإجماع يرعب النظام العسكري الجزائري، الذي حرص قبل أيام، وبمناسبة ما أسماه تخليد الذكرى السبعين للثورة الجزائرية، على استدعاء صنيعته في تندوف، مصرا على أن يلتقط لها صورًا مع بعض الرؤساء العرب، وهي حركة بائسة يراد منها أساسًا التوظيف الإعلامي وتغذية البروباغندا الانفصالية التي ترعاها الجزائر.

دول الخليج، سواء عبر العلاقات الثنائية أو من خلال مجلس التعاون، ما فتئت تعبر عن دعمها المتجدد لمغربية الصحراء وللوحدة الترابية لبلادنا، وهو دعم ملموس وقوي، سواء من خلال انخراطها في دينامية فتح القنصليات بالعيون والداخلة أو من خلال مواقفها في المحافل الدولية، حيث نجدها في مقدمة الداعمين لشرعية الموقف المغربي. وقد تابعنا ذلك غير مرة، من قبيل مواقفها في اللجنة الرابعة، أو في مجلس حقوق الإنسان، أو غيرها من الفضاءات الأممية أو الدولية التي يحاول الانفصاليون التسلل إليها وترويج خطابهم المتهالك والمتهافت.

هذا الدعم الخليجي المتجدد لعدالة القضية الوطنية لا يمكن قراءته بمعزل عن العزلة التي تعيشها الجزائر والحيرة التي تعاني منها، بعد انسداد أفق الأطروحة الانفصالية. فلا يكاد يمر يوم دون أن نسمع الأخبار السارة من العديد من مناطق العالم، حتى تلك المناطق التي كانت تعد إلى الأمس القريب معاقل للانفصال. لقد تابعنا المواقف القادمة من أمريكا اللاتينية خلال الأسبوعين الماضيين، وهي كلها مواقف تؤكد الوضع الشرعي الذي تمثله بلادنا والدعم الدولي المتزايد لمغربية الصحراء، كما أنها تفضح العالم المنفصل الذي يعيش فيه الخصوم، والذين ما زالوا يعيشون على أوهام الماضي وأساطيره البالية التي انكشف زيفها للعالم.

دعم الأشقاء في دول مجلس التعاون ثمين ونحن نقدره ونعتز به، وسنذكر دوما وقوفهم إلى جانب الحق والمشروعية، ودعمهم القوي للوحدة الترابية لبلادنا. وهو دعم يأتي في إطار هذه المرحلة الجديدة التي تعرفها القضية الوطنية، مرحلة التغيير كما أسماها جلالة الملك. هذه المرحلة جد مهمة، وتكفي العودة إلى قرار مجلس الأمن الدولي الأخير حول القضية الوطنية لمعرفة أهمية هذه التحولات. لقد سجل المجلس أهمية الزخم الذي تعرفه قضية الصحراء ودعا إلى البناء عليه. نحن إذن أمام تحولات استراتيجية تعرفها القضية الوطنية بفعل حكمة وجرأة وبعد نظر الدبلوماسية الملكية.

غير أن كل هذه التحولات الإيجابية تفرض تحديات من نوع جديد، ولعل هذا ما يفسر الدعوات الملكية المستمرة إلى اليقظة، سيما أمام رعونة الخصوم الذين لن يتورعوا عن اقتراف الحماقات لوقف مسار الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل. غير أنهم سيفشلون في الحاضر والمستقبل، كما فشلوا في الماضي، لأنهم في مواجهة أمة مجمعة خلف ملكها على عدالة القضية وعلى التضحية بالغالي والنفيس في سبيلها. وهي أمة، وعبر التاريخ، تمكنت من دحر الغزاة والطامعين، ولسوف يظهر الزمان لخصومنا أن أوهامهم ستتحطم على صخرة قدسية مغربية الصحراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *