وجهة نظر

الدرس التركي في مواجهة “الدولة الموزاية”

وسط تشكيك واسع من بعض السذج من أبناء وطننا في وجود بنية للتحكم في المغرب، كشفت محاولة الإنقلاب العسكري في تركيا عن تورط مجموعة من المسؤولين الرسميين وغير الرسميين المنضوين في إطار تنظيم سريملتحف بمؤسسات الدولة في تقويض المسار الديمقراطي للبلد، بحيث يشتغل هذا التنظيم بالموازاة مع المؤسسات المنتخبة ديمقراطياويسمي نفسه ب “الدولة الموازية”.

تاريخياشكلت تركيا الموطن الأصلي لتبلور فكرة الدولة العميقة أو الموازية، بحيث مباشرة بعد إسقاط الخلافة العثمانية سنة 1924 سيتم تشكيل تنظيم أطلق عليه اسم (أرجناجون)، وهو عبارة عن شبكة من التحالفات الكامنة ضمنبنية الدولة تضم كبار ضباط الجيش والقضاة ورجال الأعمال ذوو التوجه الأتاتوركي، والذين سيعملون على كبح كل محاولات إستعادة الإسلام إلى الحياة العامة في تركيا.

وقد نجح هذا التنظيم في تنفيذ مجموعة من الإنقلابات وعلى رأسها إنقلاب سنة 1960، الذي توج بإعدام الرئيس عدنان مندريس بسبب ترخيصه لرفع الآذان فيمساجد تركيا. ثم إنقلاب سنة 1980الذي ترتب عنه إستعادة الجيش للسطلة، وإعدام وإعتقال الآلاف من الأتراك. ثم أخيرا إنقلاب سنة 1997 ضد حكومة نجم الدين أربكان والذي قاد إلى حل حكومته وإتخاذ مجموعة من القرارات الصارمة ضد حرية التدين مثل منع الحجاب في المؤسسات العمومية.

لكن ما السر وراء فشل محاولة الإنقلاب في ظل حكم حزب العدالة والتنمية ؟
من المؤكد أن إنكسار محاولة الإنقلاب الأخيرة تتجاذبها الكثير من الأسباب التي سرعت بفشل الإنقلاب في وقت قياسي، و أدت إلى تحصين تجربة التحول الديمقراطي في تركيا من محاولات الإجهاز عليها من قبل الدولة الموازية.

فعلى المستوى السياسي شكلت النسبة العالية لمشاركة الأتراك في الانتخابات (85% في انتخابات 2015)، وتمتع حزب العدالة والتنمية بشرعية تمثيلية واسعة مدخلا لتفاعل الشعب مع نداء الرئيس رجب طيب أردوغان في حماية الشرعية المنبثقة عن صناديق الإقتراع، ويمكن القول أن هذا سبب أساسي في التعجيل بإلتفاف الأتراك حول الرئيس المنتخب عبر نداء ذكي وجهه هذا الأخير لعموم الشعب بواسطة برنامج “سكايب”، مما سيثمن لامحالة من أهمية آليات الإتصال الحديثة في التواصل السياسي.

وعلى المستوىالإقتصادي والإجتماعي ساهم إنكباب حزب العدالة والتنمية التركي على تحقيق نقلة إقتصادية وإجتماعية نوعية تجسدت في معدلات النمو العالية، وتحسن معيشة المواطن التركي، ساهم كل ذلك في إمتلاك هذا الحزب لشرعية الإنجاز وشرعية التمثيل الإنتخابي في آن واحد، وبالتالي حيازة ثقة الشعب الذي يستشعر أن تصويته في الانتخابات ينعكس على حياته اليومية، ويساعد علىخلق تطبيع مع النخب المحايدة داخل أجهزة الدولة التي إختارت الإنحياز إلى خيار الشعب، وهو ما ظهر جليا في تأييد أغلب مؤسسات وأجهزة الدولة لأردوغان.

أما على المستوى الثقافي فيمكن القول أن الشعب التركي أبان على مستوى عالي من النضج والوفاء لمنتخبيه الذين إنتشلوه من بؤر التخلف والتسلط والأمية إلى مراقي التقدم والحرية والتحضر، وهو نضج لايضاهيه إلا رزانة الأحزاب العلمانية المعارضة التي أدانت ورفضت محاولة الإنقلاب، وتمسكت بمخرجات العملية الديمقراطية، في تأكيد واضح على أن التحول الديمقراطي يحتاج إلى ديمقراطيين.