بعد 18 عاما من التقاضي.. سجن الأوداية يستقبل المدانين في ملف كازينو السعدي

شرعت عناصر الأمن بمدينة مراكش في طي أطول ملف فساد مالي شهدته محاكم المغرب، وذلك باعتقال المدانين في قضية كازينو السعدي وإحالتهم على السجن المحلي الأوداية، بعد أكثر من 18 عامًا على انعقاد أولى جلسات المحاكمة في أحد أشهر ملفات الفساد المالي بالمملكة.
وحسب المعطيات التي حصلت عليها جريدة “العمق”، فقد تم إلى حدود هذه الأسطر اعتقال كل من نائب رئيس مجلس مقاطعة جليز عبد العزيز مراون، والنائب سابقا لعمدة مراكش محمد الحر، فيما مازالت الأنباء متضاربة بخصوص رئيس مقاطعة سيدي يوسف بن علي محمد نكيل، ومازال البحث جاريا عن البرلماني سابقا والمتابع الأول في الملف عبد اللطيف أبدوح.
ويأتي اعتقال الأشخاص المذكورين وإحالتهم على السجن بناء على مذكرة اعتقال أصدرها الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، بعد توصله أمس الاثنين بقرار محكمة النقض القاضي برفض الطعن بالنقض الذي تقدم به المتهمون في قضية كازينو السعدي.
وأدين المتابعون في الملف الذي توفي عدد منهم بعد صدور الأحكام وقبلها، بعقوبات سالبة للحرية تتراوح مدتها بين 3 و5 سنوات حبسا نافذا، في تهم تتعلق بتبديد واختلاس اموال عمومية والارتشاء والتزوير وغيرها.
ونصت الأحكام الابتدائية التي تم تأييدها في الاستئناف ورفض الطعن فيها بالنقض، على إدانة البرلماني سابقا والقيادي في حزب الاستقلال عبد اللطيف أبدوح بخمس سنوات سجنا نافذا وغرامة 50 ألف درهم، مع مصادرة الشقق التي يملكها بتجزئة سينكو بمراكش، وعلى إدانة بثلاث سنوات سجنا وغرامة مالية قدرها 40 ألف درهم، كل من المستشار السابق ببلدية المنارة–جليز لحسن أمردو، ورئيس مقاطعة جيليز سابقا عبد الرحيم الهواري، وكذا نواب عمدة المدينة سابقا محمد الحر وعبد العزيز مروان ومحمد نكيل، وكذا المستشار الجامعي سابقا عمر آيت عيان، والمستشار بنفس المقاطعة سابقا عبد الرحمان العرابي، ونائبي العمدة
وسبق أن أدين في الملف أيضا المقاول عبد الغني المتسلي بسنتين حبسا نافذا وغرامة قدرها 30 ألف درهم، قبل أن توافيه المنية عن سن 90 عاما في دجنبر 2020.
كما سبق للمحكمة الحكم ببراءة أحمد البردعي من تهمتي المشاركة في تبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ عن طريق السلطة لتحقيق مزايا مشتركة، والتوصل إلى تسلم رخص إدارية عن طريق الإدلاء ببيانات غير صحيحة، وبراءة المهدي الزبيري من تهمتي المشاركة في تبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ عن طريق السلطة لتحقيق مزايا مشتركة، والتوصل إلى تسلم رخص إدارية عن طريق الإدلاء ببيانات غير صحيحة.
وفي تعليق على الموضوع، قال رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي، إن “هذا الملف مؤشرا مهما وايجابيا على تعاطي السلطة القضائية مع ملفات الفساد ونهب المال العام، إذ لاحظنا كيف تغيرت الأحكام نسبيا في مثل هذه القضايا في اتجاه تحقيق الردع الخاص والعام ،ويتطلع المجتمع في ظرفية دقيقة وخاصة إلى مضاعفة كل الجهود للتصدي للفساد ونهب المال العام وربط المسؤولية بالمحاسبة وقيام كل المؤسسات بادوارها في هذا الجانب”.
وطالب رئيس الجمعية التي كانت لها يد في فضح الملف والضغط لتحريك المتابعة، من وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بمراكش “الشروع في فتح مسطرة الاشتباه في غسل الاموال ضد المتهمين المدانين بحكم نهائي حائز لحجية الشيء المقضي به في قضية كازينو السعدي مع ما يتطلبه ذلك من حجز على أموال وممتلكات المتهمين في أفق مصادرتها قضائيا وطبقا للقانون”.
وكانت محكمة النقض يوم 18 دجنبر 2024 قد أصدر آخر قرار في مسار التقاضي في الملف، برفض الطعن في النقض الذي قدمه المتهمون المتابعون في ملف “كازينو السعدي”، لتصبح بذلك الأحكام الصادر ابتدائيا في فبراير 2015 والتي تم تأييدها استئنافيا في 26 نونبر 2020، أحكاما نهائية.
من الكلاوي إلى أبدوح.. قصة “كازينو السعدي”
يُعرف “كازينو السعدي” في الرأي العام المغربي كونه قضية معمرة في محكمة الاستئناف بمراكش، أكثر مما يعرف بكونه فندقا ومنتجعا سياحيا عمره يقارب 90 سنة، بدأت قصته في عهد باشا مراكش الكلاوي في فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب.
القضية المذكورة وصل عمرها 18 سنة في غرف جرائم الأموال باستئنافية مراكش ثم في محكمة النقض، 5 سنوات أمضتها القضية في مرحلة الاستئناف فقط، و4 في النقض.
قصة القضية
وتفجرت القضية في وجه المستشار البرلماني عن حزب الاستقلال عبد اللطيف أبدوح، الذي شغل منصب رئيس بلدية المنارة جليز بين سنتي 1997 و2003، عقب شكاية رفعتها الهيئة الوطنية لحماية المال العام بمراكش عن طريق رئيس فرعها مراكش سابقا محمد الغلوسي، حول عملية تفويت للأرض التي يقوم عليها فندق السعدي المشهور بمراكش.
تم تشييد “فندق السعدي” من طرف “الشركة الشريفة للتشتية”، في الحي الشتوي بمراكش خلال فترة الاستعمار الفرنسي، بناء على اتفاق بين باشا مراكش التهامي الكلاوي والشركة الفرنسية على منحها 12 ألف متر مربع مقابل سعر رمزي قدره فرنك فرنسي واحد للمتر المربع.
ونصت الاتفاقية الموقعة سنة 1930 على أن تقوم الشركة بتجهيز منطقة الحي الشتوي، وعلى استرجاع مدينة مراكش ملكية العقار والبنايات والتجهيزات بعد 75 عاما على توقيعها، وهي المهلة التي انتهت سنة 2005.
غير أن مجلس بلدية المنارة قرر سنة 2001 في عهد الاستقلالي عبد اللطيف أبدوح، تفويت الأرض التي أقيم عليها “كازينو السعدي”، لأصحابه بثمن حدده في 600 درهم للمتر مربع، في الوقت الذي كان ثمن المتر المربع بالمنطقة يتجاوز مبلغ 15 ألف درهم.
واندلعت الشرارة الأول للقضية، على يد الجماعي لحسن أوراغ، عندما سرب إلى الصحافة شريطا صوتيا ينقل بعضَ تفاصيل كواليس عملية التفويت والحديث الذي دار بين أطراف “الغنيمة”، حيث يتحدث الرئيس عبد اللطيف أبدوح في الشريط، رفقة بعض نوابه وأعضاء في المجلس، عن كيفية تدبير هذا الملف بطريقة “تُرضي” الجميع و”تعود بالنفع عليهم، وفق ما ذكرته جريدة “المساء”، في عدد 29 يونيو 2012.
قضية “مُعمّرة
أولى فصول القضية التي يتهم أبدوح فيها بـ”تلقي رشوة لتفويت الأرض”، في قاعات محكمة الاستئناف بمراكش، كانت في سنة 2006، حينما قرر الوكيل العام للملك الاستماع للمستشار الجماعي الحسن أوراغ، الذي اتهم الرئيس أبدوح وأعضاء آخرين، كشف عنهم الشريط السمعي الذي سلم للجهات القضائية، بتلقي رشوة من أجل تفويت الكازينو، بلغت قيمتها ثلاثة ملايير سنتيم.
وعرف الملف ركودا قبل أن يتم فتحه من جديد سنة 2012 بعد لقاء بين وزير العدل والحريات آنذاك المصطفى الرميد بصفته رئيسا للنيابة العامة، وبين الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، التي وضعت أول شكاية في الموضوع، والتي مازالت تعد طرفا مدنيا في القضية إلى جانب كل من الجماعة الحضرية لمدينة مراكش والجمعية المغربية لمحاربة الرشوة.
وبعد أشواط طويلة من جلسات التحقيق والاستماع للشهود والأطراف، انتهت المرحلة الابتدائية في فبراير 2015 بصدور أحكام تدين عبد اللطيف أبدوح وبعض المتهمين وبراءة آخرين، حيث تمت إدانة أبدوح بخمس سنوات سجنا نافذا وغرامة قدرها 50 ألف درهم، وكذا بمصادرة الشقق التي يملكها بتجزئة سينكو بمراكش، على خلفية تهم تتعلق بجناية “الرشوة وتبديد أموال عمومية”، وبجنح “الاتفاق على أعمال مخالفة للقانون في إطار اجتماع أفراد يتولون قدرا من السلطة العامة”، و”استغلال النفوذ وتسليم رخص إدارية لشخص يعلم أنه لاحق له فيها”.
وقضت المحكمة على خلفية نفس الملف، بالسجن ثلاث سنوات وغرامة مالية قدرها 40 ألف درهم، في حق كل المستشار السابق ببلدية المنارة – جليز لحسن أمردو، ورئيس مقاطعة جيليز سابقا عبد الرحيم الهواري، وكذا نواب عمدة المدينة سابقا محمد الحر وعبد العزيز مروان ومحمد نكيل، وكذا المستشار الجامعي سابقا عمر آيت عيان، والمستشار بنفس المقاطعة سابقا عبد الرحمان العرابي، ونائبي العمدة، والذين توبعوا بتهم متعلقة بجناية “الرشوة والمساهمة في تبديد أموال عامة”، وجنحة “الاتفاق على أعمال مخالفة للقانون في إطار اجتماع أفراد يتولون قدرا من السلطة العامة”.
كما أدانت المحكمة ابتدائيا كذلك المستثمر العقاري عبد المتسلي بسنتين نافذتين وغرامة قدرها 30 ألف درهم، بعد أن أدانته بجناية “الإرشاء”، فيما قضت ببراءة كل من العضو السابق بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بمراكش المهدي الزبيري من تهمة “المشاركة في تبديد أموال عامة، واستغلال النفوذ عن طريق السلطة لتحقيق مزايا مشتركة”، والمقاول المتقاعد أحمد البردعي، من تهمة “المشاركة في تبديد أموال عامة، والتوصل إلى تسلم رخص إدارية عن طريق الإدلاء ببيانات غير صحيحة واستعمالها”.
هذا، وقضت الغرفة بقبول المطالب المدنية التي تقدمت بها الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، والحكم لصالحها بدرهم رمزي.
استئناف أطول
القضية التي أتمت سنتها الثامنة في عقدها الثاني، بقيت حية ضمن جدول أعمال غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمراكش، إلى غاية متم عام 2024 وانتصب للدفاع عن المتهمين 27 محاميا، بينما دفاع الجهة المقابلة يضم 4 محامين فقط، ناهيك عن 3 مطالبين بالحق المدني.
ووصلت عدد الجلسات في مرحلة الاستئناف إلى 53 جلسة، منذ تعيين أول جلسة في 28 أكتوبر من سنة 2015، ووجهت للمتهمين في مرحلة الاستئناف تهم تتعلق بـ”الرشوة وتبديد أموال عامة واستغلال النفوذ بتسليم رخص إدارية لشخص يعلم أنه لاحق له فيها وعلى اعمال مخالفة للقانون في إطار اجتماع أفراد يتولون قدرا السلطة العامة”.
وعرفت القضية خلال شهر شتنبر 2019 ما يشبه عودة إلى مرحلة الصفر استئنافيا، بسبب تعيين أحد أعضاء هيئة الحكم بمحكمة الاستئناف وهو ما يعني أن تعود القضية إلى بدايتها بعد تعيين عضو آخر مكانه، قبل أن تشرع في 20 فبراير في الاستماع إلى الشاهد الثاني في الملف، وهي الجلسة التي كانت بمثابة عداد الانتهاء من الملف وإسدال الستار التقاضي في مرحلته الاستئنافية.
اترك تعليقاً