أخبار الساعة، اقتصاد

ندوة أكاديمية بالمحمدية تفحص قانون مالية 2025 وتناقش تحدياته الاقتصادية والضريبية

أجمع خبراء وأكاديميون شاركوا في ندوة وطنية نظمتها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، أمس الاثنين، على أهمية تعديل بعض المقتضيات القانونية في قانون المالية المقبل، خاصة المادة 221 مكررة مرتين التي تثير جدلا قانونيا ودستوريا، بالإضافة إلى ضرورة تبني ضريبة الكربون كآلية بيئية للتحفيز على التحول نحو اقتصاد أخضر.

وشددوا خلال الندوة المعنونة بـ “قانون مالية 2025: الأولويات الاقتصادية والاجتماعية والرهانات المالية”، على أهمية تحسين الثقافة الضريبية لتحقيق استدامة المالية العمومية، مؤكدين غياب ميثاق الاستثمار في قانون المالية 2025، مع ضرورة إشراك الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في تصميم السياسات الضريبية لضمان العدالة والفعالية.

جدل المادة 221 مكررة
في هذا الإطار، أكد جواد لعسري، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، أن المادة 221 مكررة مرتين في قانون المالية لسنة 2025 بشأن الإجراءات المسطرية المتعلقة باتفاقات ودية بين الإدارة الضريبية والخاضعين للضريبة، تشكل مساسا بمبدأ قانونية الضريبة وخرقا للدستور، داعيا إلى ضرورة رفع مقترح تشريعي للحكومة لتعديل هذه المادة في مشروع قانون المالية المقبل بما يتوافق مع القانون الإطار.

وتنص المادة في فقرتها الأولى على أنه يمكن للخاضع للضريبة إبرام اتفاق ودّي مع الإدارة في المسائل الواقعية المتعلقة بعناصر فرض الضريبة، ولكن لا يمكن أن يشمل المسائل القانونية. وأوضح لعسري أن المادة تتضمن تناقضا تشريعيا بسبب غموض تعريف “المسائل الواقعية” و”المسائل القانونية”، مما يخلق لبسا في تطبيق النصوص ويحول الإدارة الضريبية إلى مشرع تكميلي.

وأشار إلى أن المادة تراجعت عن مقتضيات قانون الإطار المتعلقة بالضريبة بناء على مسائل الإثبات، مما قد يؤدي إلى مشاكل عملية للإدارة وتضارب في تطبيق القوانين، ويعرض مبدأ المساواة للتهديد. كما تساءل عن غاية المشرع من تضمين الفقرة الرابعة من المادة اتفاقا وديّا يتضمن الدين وتوابعه، مشيرا إلى ضرورة تعديل هذا النص ليتوافق مع مقتضيات القانون الإطار للإصلاح الجبائي 69.19.

ضريبة الكربون
أكد خالد مبروكي، أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، في مداخلته حول “ضريبة الكربون كمدخل للتأسيس لسياسة ضريبية بيئية”، أن المغرب ملزم بتبني ضريبة الكربون كأداة لتحفيز الشركات على اعتماد أنماط إنتاج غير ملوثة، موضحا أن الهدف من هذه الضريبة ليس إضافة تكاليف إضافية، بل إعادة توجيه الشركات لتتماشى مع المعايير البيئية، مما يعزز تنافسيتها ويتيح لها الحصول على موارد مالية لإعادة استثمارها في التحول الطاقي، في إطار آلية ضبط الكربون الأوروبية التي ستُطبق في 2026.

وأشار مبروكي إلى أن ضريبة الكربون يجب أن تُعَامَل كآلية لتوجيه الاقتصاد الأخضر بدلا من أن تكون مجرد أداة لزيادة الإيرادات المالية. وطالب المشرع بأن يركز على الجوانب البيئية والمناخية عند تطبيق هذه الضريبة، بدلا من التفكير فقط في مردودها المالي، مشددا على ضرورة تحقيق توازن بين الأهداف المالية والبيئية لتوجيه السياسات الضريبية بشكل صحيح.

كما أشار إلى غياب إقرار ضريبة الكربون في قوانين المالية لسنتي 2024 و2025، رغم أن المغرب قد تبنى استراتيجيات بيئية تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني. واعتبر أن ضريبة الكربون هي وسيلة لتحميل الملوثين المسؤولية عن أضرار التغير المناخي، حيث تسمح لهم بشراء حصص من الشركات الأخرى للحفاظ على قدرتهم الإنتاجية، لكنها تفرض عليهم أعباء مالية قد تؤثر سلباً على تنافسيتها، ما يدفعها لتغيير نمط إنتاجها نحو أنماط أكثر استدامة.

الثقافة الضريبية
أكد الأستاذ عبد العالي اجناح، أستاذ التعليم العالي بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، خلال مشاركته في الندوة على أهمية استدامة المالية العامة في قانون المالية لسنة 2025، موضحا أن قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية الحالية والمستقبلية تعتمد على موارد جبائية ذات مردودية، مشيرا إلى العلاقة الجدلية بين الضريبة والدين العمومي، حيث يساعد تحسين الإيرادات الضريبية على تقليل الحاجة إلى الاستدانة.

كما أشار إلى أن المغرب يواجه تحديات كبيرة في مجالات متعددة مثل الحماية الاجتماعية وتنفيذ مخرجات النموذج التنموي، مما يستدعي قدرة الدولة على الالتزام المالي لتجنب تفاقم الدين العمومي، لافتا إلى أن أي جهود لتحسين الاستدامة المالية تتطلب التفاعل المستمر بين مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك المجتمع والإدارة الضريبية.

وفي هذا السياق، أوصى اجناح بإعادة تقييم الفرضيات التي أسس عليها قانون المالية، بالإضافة إلى تحسين التواصل الضريبي والثقافة الضريبية على مستوى الدولة والمجتمع والإدارة الضريبية والملزمين، مؤكدا أن نجاح هذه المبادرات لا يمكن أن يتم إلا بوجود إرادة سياسية واضحة تدعم هذه التوجهات.

غياب ميثاق الاستثمار
من جانبه، قدم الأستاذ بدر الزاهر الأزرق، أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، قراءة في المقتضيات المتعلقة بتحفيز الاستثمار في قانون مالية 2025، مشيرا إلى غياب آليات جديدة تشجع على الاستثمار بما يتماشى مع ميثاق الاستثمار، وانتقد عدم استغلال القوانين المنظمة للشراكة بين القطاعين العام والخاص، مما يؤدي إلى “استثمار أعمى وغير منتج”.

وأوضح الأستاذ الأزرق أن اعتماد المغرب على الاقتصاد المفتوح جعل اقتصاده غير مستقر، خصوصاً في ظل غياب التشريعات الضرورية المتعلقة بميثاق الاستثمار الذي كان من المتوقع أن يساهم في تحفيز الاستثمارات المنتجة، مؤكدا أن أي سياسة استثمارية يجب أن تتضمن ثلاثة عناصر أساسية: الرصد المالي، النصوص التشريعية لتنزيلها، والإطار التنظيمي والمؤسساتي الذي يضمن المتابعة والتنفيذ.

كما أكد على أهمية ارتباط تحفيز الاستثمار بالقدرة المالية للدولة، مشيرا إلى أن الموارد الضريبية هي المصدر الرئيسي للموازنة العامة، وبالتالي فإن تعزيز هذا الجانب يعد أساسياً لنجاح أي سياسة استثمارية.

صناعة القرارات الضريبية
شدد مجد عبد المنعم، أستاذ باحث بجامعة القاضي عياض بمراكش ورئيس القطب المغربي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، على ضرورة إشراك مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والمجتمع المدني والخبراء في مناقشة وتصميم الإجراءات الضريبية الواردة بقوانين مالية السنة، مؤكدا أن هذا التشارك يضمن عدالة وفعالية النظام الضريبي، مشيدا بالدور الفعال الذي تقوم به مؤسسة القطب المغربي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية في هذا المجال.

وأشار الأستاذ عبد المنعم إلى أهمية تفعيل دور الجامعات في المساهمة في صناعة القرارات الضريبية، مع ضرورة تعزيز الانفتاح على المختبرات البحثية. كما دعا إلى خلق جسور للتواصل بين الأكاديميين وصناع القرار لتبادل الأفكار والخبرات، مما يساهم في تحسين فعالية النظام الضريبي، مضيفا أن هذا التكامل بين مختلف الأطراف سيساهم في تطوير نظام ضريبي أكثر عدلاً وفعالية، يعكس مصالح جميع فئات المجتمع ويعزز استدامة المالية العامة.

يشار إلى أن هذه الندوة نظمتها مختبر السياسات العمومية وشعبة القانون العام في المحمدية، بشراكة مع الهيئة الوطنية للجبايات والمحاسبة العمومية والقطب المغربي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية. كما ساهم في تنظيمها مختبر الاقتصاد والتدبير بجامعة نانت الفرنسية ومجلة قراءات متقاطعة في القانون والسياسة والاقتصاد والمجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • حنان عبد الرزاق طالبة باحثة بسلك الماستر تخصص المالية العامة والضرائب
    منذ 7 أشهر

    أساتذتنا مفخرة واعتزاز لنا ، ففي إطار إشراك الخبراء وذوي الاختصاص في تصميم وتنفيذ وضمان صياغة قرارات ضريبية متوازنة، وفي إطار تفعيل دور الجامعة في المساهمة في صناعة القرارات السياسية ولا سيما القرارات الضريبية باعتبارها الفضاء العمومي الخاص لخلق نقاش علمي حول الرهانات والإشكالات المتعلقة بقانون مالية السنة.⚖️

  • طالبة باحثة
    منذ 7 أشهر

    بارك الله في جهدك ويسر امرك. ونشكر السادة الأساتذة على مقترحاتهم التي دائما ما تصيب العور التشريعي في مقتله. مع تمني الأخذ بها من الجهات المعنية.

  • غير معروف
    منذ 7 أشهر

    أساتذتنا مفخرة واعتزاز لنا ، ففي إطار إشراك الخبراء وذوي الاختصاص في تصميم وتنفيذ وضمان صياغة قرارات ضريبية متوازنة، وفي إطار تفعيل دور الجامعة في المساهمة في صناعة القرارات السياسية ولا سيما القرارات الضريبية باعتبارها الفضاء العمومي الخاص لخلق نقاش علمي حول الرهانات والإشكالات المتعلقة بقانون مالية السنة.⚖️