الحياة المدرسية من فلسفة المجتمع إلى المفهوم داخل المؤسسات التعليمية

تعتبر الحياة المدرسية جزءا من الحياة العامة المتميزة بالسرعة والتدفق، والتي تستدعي التجاوب والتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية والقيم الاجتماعية والتطورات المعرفية والتكنولوجية التي يعرفها المجتمع، حيث تصبح المدرسة مجالا خاصا بالتنمية البشرية والحياة المدرسية. بهذا المعنى تُعِدُّ الفردَ للتكيف مع التحولات العامة والتعامل معها بإيجابية، وتعلمه أساليب الحياة الجماعية، وتعمق الوظيفة الاجتماعية للتربية، مما يعكس الأهمية القصوى لإعداد النشء؛ أطفالا وشبابا لممارسة حياة قائمة على اكتساب مجموعة من القيم داخل فضاءات عامة مشتركة.
و يمكن، من هذا المنظور، تعريف الحياة المدرسية من زاويتين متكاملتين هما:
الحياة المدرسية باعتبارها مناخا وظيفيا مندمجا في مكونات العمل المدرسي، يستوجب عناية خاصة ضمانا لتوفير مناخ سليم وإيجابي، يساعد المتعلمين على التعلم، واكتساب قيم وسلوكات بناءة، وتتشكل هذه الحياة من مجموع العوامل الزمانية والمكانية، والتنظيمية، والعلائقية، والتواصلية، والثقافية، والتنشيطية المكونة للخدمات التكوينية و التعليمية التي تقدمها المؤسسة للتلاميذ؛
كما يمكن اعتبارها حياة اعتيادية يومية يعيشها المتعلمون أفرادا وجماعات داخل نسق عام منظم، ويتمثل جوهر هذه الحياة المعيشة داخل الفضاءات المدرسية في الكيفية التي يحيون بها تجاربهم المدرسية، وإحساسهم الذاتي بواقع أجوائها النفسية والعاطفية.
تأتي الحياة المدرسية في هذا السياق مفهوما يتجاوز واقع النزاعات الفردية و الانعزالية و التواكلية، و الفضاءات الشبيهة بالجزر المتناثرة، حيث يأخذ تدبير المؤسسة التعليمية صيغته الإصلاحية في اعتبار الفاعلين التربويين، فعاليات تمتلك القدرة و المسؤولية على المشاركة في اتخاذ القرارات في المجال التعليمي و التربوي، واعتبار المواطنين أعضاء مساهمين في تنشيط المؤسسات و محاربة كل أشكال الاقصاءات، مثل الفشل المدرسي و التسرب الدراسي، والانزلاقات غير التربوية و الحد منها.
وعليه، فالحياة المدرسية إذن فلسفة تربوية تهدف إلى أن تكون سيرورة متجددة قادرة على مواكبة الحياة العامة في سياقها مع مستجدات العصر، وذلك بتجنيد كل الطاقات التربوية للمؤسسة التعليمية، وترتكز هذه السيرورة على مجموعة من الدعامات الأساسية والتكميلية ترتبط أساسا بالمجالات المعرفية، والقيم الإنسانية والأخلاقية، والمشاركة الديمقراطية في الحياة المدرسية.
إن مهام المدرسة الأساس هي الملاءمة بين حاجات الفرد وتطلعاته وبين متطلبات الحياة الجماعية، إذ ينبغي للمدرسة أن تساعد التلميذ على تحقيق ذاته جسميا وعقليا ووجدانيا، و تطوير كفاياته لجعله قادرا على امتلاك المهارات التي تمكنه التواصل مع بيئته ومحيطه الاجتماعي والاقتصادي والفكري وتنمية شعوره بالاحترام لنفسه ولغيره، وانفتاحه على الثقافات الإنسانية.
وإذا كانت المواد الدراسية تخدم هذه الأهداف نظريا فإن الممارسة داخل المدرسة ترسخها وتعززها إن هي قامت على قيم الديمقراطية والتربية على المواطنة، خصوصا أن المقولات الإدراكية والمعرفية المؤطرة لمشروع مجتمعنا الراهن، من قبيل التضامن والتعايش والتعاون والتكافل والسلم الاجتماعي، أصبحت حبرا على الورق فقط، وكلمات يتغنى بها القاصي والداني، كما أصبحت عرضة للتآكل أمام تجدر وتشعب عدة عناصر تحيل على حالة مستشرية من التراجع القيمي من قبيل : الرشوة والريع والمحسوبية والاقصاء والانتقائية والتهميش والعشائرية والذي يرجع بالأساس إلى انهيار كل السلط المهيكلة والمؤطرة للتعايش والعيش الجماعي، منها سلطة الدولة وهيبتها،سلطة الأسرة ودورها،سلطة المدرسة وقيمها، سلطة المثقف وتأثيرها. فللتلميذ حقوق وواجبات يمارسها فعلا من خلال الأنشطة المتنوعة التي يستفيد منها في إطار الحياة المدرسية، وفق نظام داخلي للمؤسسة ينبغي أن يستمد مقتضياته وقواعده من القوانين والتشريعات العامة، كالدستور، والمعاهدات، والمواثيق التي تنظم على أساسها الحياة العامة، والتشريعات الخاصة المتعلقة بضوابط تدبير المؤسسات التعليمية، والقانون الداخلي؛ على هذا الأساس ليس جردا للممنوعات والمحظورات بقدر ما هو ميثاق ينظم العمل والحياة الجماعية داخل المدرسة لتفعيل مقاربة “المؤسسة داخل المجتمع والمجتمع في قلب المؤسسة”.
اترك تعليقاً