دبلوماسية الطعام والترويج للأكلات الوطنية

- تعتبر “دبلوماسية الطعام” (gastrodiplomacy) ) من بين أحد الابتكارات الحديثة في مجال الدبلوماسية العامة، وتحديدا الدبلوماسية الثقافية، حيث يعبر الاهتمام المتصاعد بها عن تنامي الوعي بقدرة واحد من أقدم وسائط الاتصال غير الشفوي على نقل الثقافة، وتعزيز الصورة الإيجابية للدولة، ودعم قوتها الناعمة لدى الشعوب الأخرى، وكسب العقول والقلوب، والإسهام في دعم آفاق التعايش السلمي بين الثقافات. وبالتالي ـ تمثل “دبلوماسية الطعام” واحدة من أبعاد سعي الدول “لإدارة البيئة الخارجية من خلال جعل مواردها ومُنجزاتها الثقافية معلومة للآخرين. فهي بالأساس توظيف المذاق الوطني لتنمية وعي الآخرين بتفرد أحد الأبعاد الثقافية غير الملموسة للدولة. وتتجاوز مجرد تنظيم فعالية مؤقتة أو عابرة لتشير إلى حملة منظمة للدبلوماسية العامة تديرها إحدى الحكومات لتعزيز الوعي بأبعاد صورتها القومية الإيجابية وغرس الهوية المميزة لها في أذهان الشعوب الأخرى كوسيلة للتأثير غير المباشر في حكومات الدول الأجنبية وبناء سمعة طيبة لها.
- وهكذا قام المغرب ، على غرار دول كالتيلاند ، أو تركيا وغيرها ، بتوظيف “دبلوماسية الطعام في سياسته الخارجية من خلال إقامة مهرجانات للتعريف بالطبخ المغربي أو المشاركة في مهرجانات دولية للطبخ تكريسا لثقافته المطبخية المغربية
1-تنظيم مهرجانات محلية للطبخ المغربي
درجت المملكة على تنظيم بعض المهرجانات المحلية المتعلقة ببعض المنتجات الفلاحية ، حيث تستضيف مدينة مكناس مهرجان زيت الزيتون المغربي في كل نوفمبر من السنة . تقدم فيه عروض الطهي التي تظهر مدى أهمية زيت الزيتون في الطعام المغربي ، ومهرجان التمور والنخيل الذي يقام في أرفود كل أكتوبر ، حيث تعرض فيه الأطباق التي تعتمد على التمر، في تهييء وصفات مغربية. بينما تستضيف مدينة صفرو مهرجان حب الملوك ومعرض الطعام خلال شهر يونيو من كل سنة للاحتفال بحصاد الكرز وعرض الحلويات والأطباق اللذيذة المصنوعة من الكرز والتعرف على كيفية استخدام هذه الفاكهة في الطهي المغربي .في حين يقام في تافراوت مهرجان اللوز للاحتفال بجني اللوز، و تمكين الزوار من الاستمتاع بالحلويات والأطباق المصنوعة من اللوز. لكن إلى جانب هذه المهرجانات المحلية ، عادة ما تنظم مهرجانات وطنية في أنواع الطبخ المغربي تستضيف مشاهير الوجوه العالمية في الطبخ من طهاة وشيفات متخصصين في فن الطبخ وتهييئ الوصفات والوجبات الغذائية . وهكذا يجمع مهرجان مراكش للطعام كل أكتوبر، أفضل الطهاة من جميع أنحاء العالم للاحتفال بعادات الطعام المغربية ، حيث تتم مشاهدة عروض الطهي، وتذوق الطعام، والتعرف على النكهات الغنية والمتنوعة للمطبخ المغربي . كما تستضيف العاصمة العلمية في ماي من كل سنة مهرجان فاس لفن الطبخ ، الذي يحتفي بتاريخ المدينة في فن الطهي من خلال تقديم عروض وورش عمل لتذوق الطعام، وإعداد طهاة مشهورين لأطباق لذيذة تُظهر ثقافة الطعام في فاس. كما تستضيف مدينة طنجة في شهر أبريل من كل سنة مهرجان طنجة للطعام ، احتفالاً بالطعام المغربي والمتوسطي الذي يتميز بأكشاك الطعام، وعروض الطهي، والتذوق، مع التركيز على المنتجات المحلية الطازجة من الساحل. وقد تميز مهرجان الطعام الذي يقام بأكادير بطابعه الدولي ، من خلال تنظيمه من قبل جمعية “إسراء” لفنون الطهي والتنمية المستدامة، وبتنسيق مع جهة سوس ماسة، وجماعة أكادير،و جماعة ايت ملول، والمجلس الجهوي للسياحة باكادير، وولاية جهة سوس ماسة، وعدد من الجمعيات والفيدراليات الدولية للشيفات . حيث يتم التركيز في هذا المهرجان على المأكولات البحرية والأطعمة المغربية التقليدية ، بالإضافة إلى تنظيم مسابقات رسمية بين كبار الطهاة المحليين والعالميين تشمل على الخصوص، فنون الطهي، وإعداد الأطباق وعرض الحلويات والمخبوزات والشكولاتة والكيك ثلاثي الأبعاد، إضافة إلى فن النقش على الخضر والفواكه. وكذا إقامة معارض حول فن الطبخ وتذوق للأطعمة وحول التاريخ الغني للمطبخ المغربي. فخلال فعاليات الدورة الأولى لمهرجان “سوس كاسترو” الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ، الذي نظم تحت شعار “المطبخ المغربي إرث وتراث وآفاق” ، قدمت عروض استعراضية لبعض الشيفات المغاربة والدوليين، وندوات فكرية ولقاءات تواصلية للتعريف بالموروث الثقافي السوسي خاصة والمغربي عامة في مجال الطهي، باعتبار هذا المهرجان أصبح قوة ناعمة تساهم في تعزيز مكانة المغرب سياحيا وثقافيا. ففي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، صرحت رئيسة المهرجان، بشرى شعي، أن هذه الدورة قد عرفت مشاركة حوالي 100 متسابق ومتسابقة من مختلف أنحاء العالم، أشرف عليها حوالي 20 حكما دوليا، ممثلين بدول ألمانيا، تركيا، إيطاليا، كوريا الجنوبية، روسيا، بريطانيا، البرتغال، مالطا، تونس، الأردن، ازربدجان، وفرنسا. كما أبرزت أن الغاية من تنظيم هذا مهرجان ” سوس كاسترو” الدولي هو التعريف بالكثير من كنوز الطبخ المغربي والدولي، حيث أن هذا اللقاء شكل مناسبة للوقوف على ما تزخر به المطابخ المغربية والعالمية من أطباق ووجبات متميزة.وبالإضافة إلى أسبوع فن الطهي الذي يقام في نوفمبر في الدار البيضاء، و يدور حول أفكار الطعام الجديدة واستعراض الطهاة البارزون في إعداد الأطباق المغربية التقليدية والحديثة ،يجمع معرض الطعام والمشروبات الدولي في الرباط صانعي الطعام والطهاة والموزعين من جميع أنحاء العالم، حيث يطلع زوار هذا المعرض الدولي على الاتجاهات الغذائية الجديدة، وتجربة المكونات المغربية، والتعرف على كيفية طهي الطعام هناك. ولتكريس مغربية الأقاليم الصحراوية وإدماجها في النسيج الوطني ، ينظم سنويا بمدينة الداخلة “مهرجان الداخلة لفن الطبخ” الذي تنظمه الجمعية الفضية لفن الطبخ .فتخليدا لذكرى الـ 43 للمسيرة الخضراء. نظمت فعاليات الدورة الثانية لـ “مهرجان الداخلة لفن الطبخ”، تحت شعار “المطبخ الصحراوي في خدمة التنمية والوحدة الترابية”، بهدف تطوير مجالات التواصل الجمالي والثقافي بين كبار الطهاة والمهتمين بفن الطبخ ذي البعد الانساني والحضاري المنفتح وتسليط الضوء على المأكولات والأطباق الصحراوية التقليدية التي تتميز بها الأقاليم الجنوبية ، بالإضافة إلى تقديم وإبراز باقي الأطباق المغربية الشهيرة. حيث عرفت هذه الدورة ، حضورا متميزا لحوالي 60 مشاركا من أمهر الطهاة القادمين من سائر أنحاء المغرب، ونظرائهم من المملكة العربية السعودية وفرنسا والسنغال. وقد أعرب مدير هذا المهرجان عن أمله في أن تأخذ هذه التظاهرة بعدا دوليا أكبر لتعزيز مسيرة التنمية بمدينة الداخلة، وكذا المساهمة في إشعاع أكبر للجهة سياحيا واقتصاديا، ودعم مجال الاستثمار بما يتماشى مع النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية.
2- المشاركة في مهرجانات الطبخ الاجنبية
أكد الكاتب المصري رامز إبراهيم في إحدى مقالاته بأن “دبلوماسية الطعام” ترتبط بصلة وثيقة بمفهوم القوة الناعمة؛ لأنها أداة تعمد إليها القوى الوسيطة والصغرى، التي تعاني نقصا نسبيا في موارد القوة العسكرية والاقتصادية المتاحة لديها؛ لتعزيز سمعتها وجني مكاسب اقتصادية وإحراز المكانة الدولية. كما عتبر أن توظيف “دبلوماسية الطعام” قد شهد في السنوات الأخيرة، تصاعدا ملحوظا؛ حيث اتخذت هذه الظاهرة أبعادا متعددة، منها: التوسع في فتح المطاعم بالدول الأخرى، باعتبارها مراكز ثقافية من خلال منح قروض بشروط مُيسرة، وتوظيف “دبلوماسية الطعام” كأداة لتعزيز التفاهم بين الشعوب وعلاج الصور النمطية السلبية، ونشر الوعي والمعرفة بتاريخ المطبخ القومي للدولة، وتسهيل مشاركة الطهاة الوطنيين في الفعاليات الدولية للطهي والتذوق. ومن هذا المنطلق شاركت القنصلية العامة للمملكة المغربية بنيويورك، في إطار أنشطتها من أجل إشعاع الثقافة المغربية، ، في “المهرجان الدولي للطبخ”، بشراكة مع “جمعية القناصل الأجانب بنيويورك” التي توفر منصة للتواصل والتعاون بهدف تعزيز العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، ودعم التبادل الثقافي والاقتصادي من خلال تنظيم فعاليات واجتماعات ومبادرات ثقافية، إضافة الى معالجة القضايا والصعوبات التي يواجهها أبناء الجاليات الأجنبية المقيمين بنيويورك على وجه الخصوص.
وقد شارك المغرب ، الذي يعتبر عضوا في هذه الجمعية ، برواق قدمت فيه تشكيلة من الطبخ المغربي الأصيل، لقي إقبالا كبيرا من طرف الحضور، حيث تم التنويه بالطبخ المغربي الذي تم تصنيفه الأول عالميا وبالمغرب كوجهة سياحية وثقافية عالمية. وقد شارك في هذا المهرجان الدولي إلى جانب المغرب كل من تركيا وأندونيسيا وماليزيا وتايلاند وباكستان والبيرو والإمارات العربية المتحدة وجنوب أفريقيا وصربيا وكازاخستان والأرجنتين .وفي نفس السياق الاشعاعي شارك المغرب في الدورة الثانية للمهرجان الدولي ” دبلوماسية المائدة” الذي احتضنتها ( ماسبالوماس ) بجزيرة كناريا الكبرى تحت شعار ” فن الطبخ المغربي .. ألف نكهة ونكهة ” حيث تم تسليط الضوء على ثراء موروث فن الطبخ بالمملكة المغربية باعتباره كان ولا يزال ناقلا حقيقيا للتبادل الثقافي والترويج السياحي لوجهة المغرب في العالم وحضره العديد من الطهاة المهرة الذين وفدوا من مجموعة من الدول إلى جانب متخصصين وخبراء في فنون المائدة وممثلي المجتمع المدني للاحتفاء بفن الطبخ المغربي باعتباره يحتل مكانة بارزة ومتميزة على قائمة الذواقة العالمية . وخلال هذا المهرجان أكد طهاة مرموقون وخبراء ومتخصصون في فنون الطبخ والمائدة على أهمية المكانة التي يحتلها المطبخ المغربي في العالم كفن عريق وأصيل يأسر بأطباقه ومأكولاته عشاق الذواقة في العالم لتميز نكهاته وسحر مكوناته وكذا طرق التحضير والتقديم التي تختزل كلها قرونا من الخبرة والدراية في مجال فن العيش بالمغرب . وهكذا أشاركريستيان تيتيدوا كبير الطهاة الفرنسيين ورئيسهم إلى غنى وتنوع الطبخ المغربي وانبهاره ” بنكهات المطبخ المغربي وبسحره وكذا بالبهارات والتوابل التي تستخدم في إعداده “. في حين أكد رشيد مفتوح الخبير في فنون الطبخ على أهمية تنظيم مثل هذه التظاهرات الدولية التي تحتفي بفن الطبخ المغربي باعتبارها تشكل مناسبة لتبادل التجارب والخبرات في فنون الذواقة مع المتخصصين الإسبان وغيرهم من الطهاة مشيرا إلى أن ” الأهم بالنسبة لنا كمغاربة هو الحضور والمساهمة في هذا الاحتفال بأسرار المائدة المغربية ومواكبة التطور الذي يعرفه فن الطبخ بمنطقة البحر الأبيض المتوسط إلى جانب العمل على إشعاع فن العيش المغربي الذي يعد المطبخ أحد مكوناته الرئيسية ” . وقد سعى هذا الحدث الثقافي والفني الذي يحتفي بالتقاليد العريقة لفن الطبخ المغربي وبآداب وخصوصيات المائدة وتذوق الطعام إلى تعريف الجمهور بجزر الكناري وكذا السياح الذين يفدون على الأرخبيل بموروث متميز بغناه وتنوعه وعراقته باعتباره مكونا من مكونات الحضارة المغربية التي ظلت منفتحة على مختلف التأثيرات ونكهات الثقافات الأخرى كما حافظت على دينامية متجددة وخلاقة .
وبمبادرة من سفارة المملكة في بنما تم تقديم طبق مغربي تقليدي في إطار التظاهرة، التي تقام بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للطبخ المستدام . حيث عرفت هذه التظاهرة مشاركة مختلف السفارات المعتمدة في هذا البلد التي دعيت لتقديم أطباق أصيلة تعتمد على فن الطبخ التقليدي لبلدانها مصحوبة بمكونات بنمية.واستجابة للمعايير المطلوبة للمشاركة في هذا المهرجان الدولي للطبخ، الذي يشجع الحوار بين الثقافات، تم اختيار وصفة مبتكرة لطاجين الدجاج التقليدي المغربي مصحوبة بأرز على الطريقة البنمية. حيث واكبت العرض التفصيلي لتحضير هذا الطبق الأصيل، في مقر إقامة سفيرة المملكة في بنما، تعليقات حول ثراء وتنوع المطبخ المغربي الذي يحظى بمكانة دولية معترف بها. وقد أعقبت تقديم الطبق المغربي طقوس الشاي بالنعناع كرمز لقيم الود وكرم الضيافة التي تميز الشعب المغربي. كما تم إبراز فن المائدة وتطورها وجمالياتها كرمز من رموز فن العيش على مدى تاريخ المملكة.
من هنا يظهر إن دبلوماسية المائدة التي أصبح يتبناها المغرب عادة ما تزيد من التعريف به على المستوى الدولي وتقوي من إشعاعه السياسي والثقافي كقوة إقليمية صاعدة تتوفر على عراقة تاريخية في فن الطبخ والعيش المشترك. فالطهاة والطباخون المغاربة أصبحوا يلعبون نفس الدور الذي يلعبه لاعبوا كرة القدم المغاربة في إقصائيات عالمية أو قارية من خلال حصولهم على جوائز وميداليات أعلوا بها راية المغرب فقد تمكن 5 مرشحين مغاربة موهوبين هم زاهر خالد، وطارق باروس و هشام الحداني،و عبد الصمد فرحات ويوسف زروال مؤطرين من طرف رئيسهم الفخري حسن هواري كمدير فريق،من الفوز ب8 ميداليات ذهبية وميداليتين برونزيتين وجائزتي تذوق خلال مسابقة الشيف الذهبي التي نظمتها جمعية الشافات المصريين بشرم الشيخ. إذ أبدع الطهاة المغاربة من خلال أدائهم الذي أبهر الحضور الذين اعترفوا ببراعة الطهي والطهاة المغاربة من خلال الأطباق التي قدموها كفريق واحد كامل ومتكامل في مسابقة جمعت فرقا تمثل كلا من مصر و لبنان و الجزائر و تونس و فلسطين و سوريا ….
تعليقات الزوار
مزيدا من العطاء والتألق الدائم أستاذي الجليل سي محمد شقير 🙏