وجهة نظر

إلياس العماري.. الشخص العالة أم الحزب العالة؟

لم يكن الياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، وهو يُطلق كذبته الجديدة “أنا عالة على زوجتي”، يُدرك أنه يقدم تعريفا إضافيا لحزبه، أكثر دقة وأكثر توافقا مع مساره، من فكرة التأسيس إلى محطة بسط النفوذ وصولا إلى محاولات الانعاش، بعد دخوله مرحلة التفكك والتحلل نتيجة موجة الربيع الديمقراطي الذي مر نسيمه بالمغرب.

لقد كان أمين عام “البّام” في خرجته الإعلامية المدبرة على القناة الثانية الناطقة الرسمية باسم التيار الذي يشتغل لحسابه، مرتبكا جدا وفاقدا للبوصلة ومهزوزا، بسبب تعزيز عزلة حزبه وتلقيه في الاونة الاخيرة لضربات موجعة سددتها تصريحات ومواقف أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والتقدم والاشتراكية، لكنه مع ذلك كان متألقا في ايجاد وصف مناسب لحزب الأصالة والمعاصرة وهو يتحدث مكرها ولو تمويا، عن ثروته وعن فاقته وفقره بعد انسحابه من مجموعة “آخر ساعة” في آخر ساعة، تحت وطأة قصف رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران الذي طالبه متحديا بالكشف عن ثروته ومصدرها.

طبعا لا أحد سيصدق العماري في حكاية عيشه عالة على زوجته، ولا أحد من البعيدين قبل القريبين منه، سيصدق أن الرجل بات “على الضس” لا يملك قوت يومه، لكن دعونا بكل جدية نتمعن في هذا الوصف الذي قدم به العماري نفسه، ونُسقطه على حزبه في علاقته بأطراف في الدولة وبالمجتمع.

في عدد من معاجم اللغة العربية، تأتي لفظة “عالة” بمعان متعددة، من بينها العيش اعتمادا على آخر، في الغذاء والكساء وفي كل الأشياء، وتأتي أيضا بمعنى التطفل على الغير ومزاحمته في ما هو له.

وفي المعجم الحزبي المغربي، حزب الأصالة والمعاصرة ليس مجرد حزب عادٍ خرج من رحم المجتمع معبرا عن فكرة او توجه تبلور شيئا فشيئا كحاجة سياسية أو اجتماعية، إنه حزب نُفخت فيه روح غير طبيعية أو لنقل أنها روح لا تتوافق مع الذات الحزبية، ولولا ما قُدّم له من إعانات ومساعدات انتخابية، ما كان اليوم يتزاحم مع القوى الحزبية الحقيقية ويتقاسم معها المؤسسات، بل يحاول طردها منها والاستحواذ على كل شيء.

هذا الحزب في الحقيقة منذ أيامه الأولى عاش وما يزال عالة على الدولة التي أصرت أطراف فيها على صناعته ذات لحظة تاريخية انتفى سياقها المفسِّر لا المبرِّر ولن يعود، والأطراف نفسها على ما يبدو تصر على بعثه من موته السريري بالأساليب نفسها، هو إذن عاش منذ سنة 2008 معتمدا على ما يُقدّم له من دعم ظاهر وخفي مجسدا المفهوم الحقيقي للعالة المفتقِر، لأنه عاجز على أن يصبح حزبا كأقرانه، وفاشل في منافستهم في اللعبة بقوانينها، واستمرار وجوده حيا من دون شك كلف من يُعيلونه الكثير ماديا ومعنويا ورمزيا كذلك.

هذا الحزب أيضا يجسد المعنى الآخر للفظة “عالة”، إذ أن الجميع يشعر بأنه متطفل على المشهد الحزبي والسياسي بما يحمله من جينات التحكم والهيمنة، ومتطفل على المجتمع المغربي بما يُلقيه زعماؤه الظاهرون من خطابات على العواهن، وحتى بعد حسم المغاربة في مسار الدمقرطة وجدوه متطفلا على جنبات هذا المسار مُعيقا للحركة عليه، مبطئا السير فيه، فارضا نفسه بدون دعوة بعد أن قال الشعب كلمته فيه عندما رُفعت صور رموزه في شوارع أكثر من 70 مدينة لمدة أربع اشهر على الأقل، تُطالبهم بالرحيل، وقد رحل فعلا بعضهم قبل أن يعودوا لممارسة حرفة التطفل الممزوج بالابتزاز.

هكذا ينبغي إذن أن نشكر إلياس العماري، على إخراجه في لحظة ارتباك وتوتر ولحظة شعور بعزلة قاسية، لتعريف دقيق للحزب الذي يتزعمه، سيجعل المتتبعين يكتشفون جزء آخر من هويته، إنه الحزب العالة!